قبل ثلاثة عشر عاما ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، راح ضحيتها أكثر من ستين شهيدا ومئات الجرحى وطال المخيم دمارا واسعا.

المواطن محمد السعدي أحد الذين تواجدوا داخل المخيم يقول إنه لم يكن بالإمكان قراءة فصول المأساة الفلسطينية، دون استحضار مجزرة مخيم جنين، تلك التي وقعت فجر الثالث من نيسان 2002، التي سقط فيها عدد من الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى حجم الخراب والدمار الذي تركته تلك المجزرة الرهيبة، ويحاول استذكار تلك التجربة.

البداية وانطلاق الاجتياح

يقول السعدي: "اتجهت عشرات الدبابات والآليات صوب المخيم، وطوقته من جميع الجهات، مدعومة بالطائرات المروحية، في انتظار لحظة لانقضاض على مخيم جنين لنشر الموت في أرجائه، عدا عن مئات الجنود المشاة الذين كانوا يتهيئون لمعركة مع رجالات المخيم، معتقدين أنهم في نزال كتب لهم فيه النصر مسبقاً! في غضون ذلك، كان أبناء المخيم يتأهبون استعداداً لملاقاة عدو انتظروا قدومه. بدأوا بشحذ الهمم وتشمير السواعد، فيما نصبوا الكمائن ونشروا العبوات في مداخل الطرق والأزقة، قناصة يتحركون هنا وهناك، في حين أعلن المقاومون عزمهم على الشهادة، مودعين أهلهم، ومنتشرين إلى مجموعات، فهذا في غرب المخيم وآخر في شرقه، كأن المخيم وحاراته وأزقته ممتلئ بهم.

أول شهيدة

ويتابع السعيد قائلا: "بدأت المعركة باشتباكات مسلحة في أنحاء متفرقة من المخيم، ومع انطلاق أول رصاصة، بدأ المحتلون استهداف كل ما يتحرك على الأرض، وتمركز قناصتهم على أسطح المنازل وحتى في دور العبادة، فقد جاء الجنود وهم يستهدفون الحياة وكل رموز البقاء في المخيم، ومع استغاثة أول مصاب بالقرب من "بيت الجمال"، خرجت المواطنة رفيدة الجمال لتسعفه، فقتلها قناص متمركز في جامع "عمر بن الخطاب" الذي استباحه الغزاة، برصاصات أصابتها، حتى سقطت شهيدة ومن ثم خرجت شقيقتها فدوى لإسعافها، فلم يتوانى القناص عن إطلاق رصاصاته الغادرة عليها، فأرداها قتيلة، وكانت أول شهيدة تسقط في المخيم.

وتابع قائلا إنه منذ تلك الجريمة وحتى الحادي عشر من نيسان، سقط 55 شهيداً على الأقل، وقد وثق مستشفى الرازي في جنين أسماء العديد منهم، فيما بقيت هوية آخرين مجهولة، وتضاربت الأنباء حول العدد الحقيقي للضحايا الذين سقطوا في المجزرة، فهناك من ذكر بأنهم أكثر من 70، بالإضافة إلى إمكانية وجود عدد من الجثامين تحت أنقاض المباني المدمرة، وأشار البعض إلى احتمال دفن قوات الاحتلال لعدد من جثامين الشهداء سراً.

زلزال مدمر...

ويشير السعدي إلى أنه لم يرفع الطوق المشدد حول المخيم إلا في الثامن عشر من الشهر نفسه، وكان قد رفع جزئياً في السادس عشر منه، وتدخلت بعد ذلك المؤسسات الإنسانية لتعاين مدى الدمار الذي حل بالمخيم، ومدى المعاناة التي فرضها طغيان الاحتلال على المواطنين، فقد أصيب ممثلو الهيئات الإنسانية وكل من زار المخيم بالصدمة من هول ما رأوه من دمار حاق بالمخيم المقام على ما مساحته كيلومتر مربع واحد، كما اجتاحت آلة الدمار الإسرائيلية المخيم، بشكل شامل، وواسع بعد فشل الاحتلال الذريع في تحقيق هدفه الذي جاء من أجله، وهو تدمير روح المقاومة والصمود، حيث توغلت الآليات العسكرية وسط المنازل وهدمتها على رؤوس أصحابها.

ويوضح السعدي أن طائرات الاحتلال تدخلت أيضا لدك المخيم، الذي يسكنه ما يقارب من 14 ألف لاجئ، 47% منهم تقريباً إما دون الخامسة عشرة أو فوق الخامسة والستين من العمر، لاحقهم المحتل حتى بعد أن أخرجهم من أرضهم بغير حق قبل أكثر من 50 عاماً، والحصيلة، 1846 منزلاً تعرض لأضرار متفاوتة، منها 680 دمرت بشكل كلي، و1166 تعرضت لأضرار جزئية، وفقاً للمعلومات الرسمية، وشردت حوالي 450 أسرة، بعد أن حرمها الاحتلال من مأوى تلجأ إليه، وقدرت قيمة الدمار الذي لحق بالممتلكات العامة والخاصة، بنحو 27 مليون دولار أمريكي، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة.

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com