صباح الأربعاء، العاشر من كانون أول /ديسمبر 2014، لم يكن صباحًا عاديًا في حياة زياد أبو عين (أبو طارق)، استيقظ مبكرًا، تناول قهوته بصحبة زوجته، رمال، وبدأ اتصالاته الهاتفية. كان منشغلاً في ترتيباته لدرجة كبيرة. سمعته رمال يعِد الصحافيين بحدثٍ سيتحدثون عنه حتى "مـــائة سنة"! قال لأحدهِم في محادثته الهاتفية: "سيكون أكثر من مجرد غرسِ أشجارِ الزيتون، يهمني توثيق الحدث". 

غادر أبو طارق المنزل في 10.12،14، في الأسبوع العالمي لحقوق الإنسان، متجهًا إلى ترمسعيا برفقة مرافقه. ساعاتٍ بعد ذلك وصل العائلة نبدأ استشهاد "زياد"، صدمةُ الموتِ أدهشتها، وصدمتها. ولم يكُن من السهل عليها وعلى العائلة استيعاب حجم الجريمة التي فعلها الاحتلال، قبل ذلك كانَ البيتُ يعُجُ بالأمل بدحر الاحتلال، والانتصارَ ليسَ بالسلاحِ العادي، وإنما بسلاحِ زراعة الأحلامِ، حيثُ تُسقى الأرضُ الفلسطينية حتى ترتوي بعد عطشٍ وملاحقةٍ مِن المستوطنين وداعميهم.

أبو عين كانَ رجلاً متفائلاً، يُحب فلسطين، كل فلسطين، جذوره العميقة في الأرضِ جعلته يعشق ترابًا أحبها فاحتضنته قبل أن يرحل للأبد... الحُزنُ في القلبَ والعيون لم يمنع عائلته وزوجته من التماسُك والانتصار على غدرِ الاحتلال... قصة شهادته ترويها أم طارق بشجاعةٍ، وبتعابيرِ وكأنّ الغائبين لم يزل وجودهم باقٍ في المكان.

لم أستوعب بعد ما حدث..

تحدثت رمال لموقع "بكرا" عن تلك اللحظات، ما بين الحياة والموت، سارَ أمامها شريطٌ من الذكريات، في محاولةٍ لاستيعاب الحدث بحجمه الكارثي هذا، في لحظةٍ توقفت فيها عقاربُ الزمن، تحولت رمال إلى "أرملة"، قالت: "لم أستوعب بعد ما جرى. لا زلتُ، إلى اليوم، انا على قناعة أننا لسنا على أرض الواقع، "هو حلمٌ" ربما، وسيغيب" . أضافت رمال: "تزوجتُ زياد قبل 23 عامًا، كان مُطاردًا طوال حياته، وشغل عدة مناصب، تحمّل خلالها المخاطِر والمجازفة، في ظروفٍ أصعب مما حدث في المرّة الأخيرة، حين فارقنا، لم أفكر من قبل، ولو لمرةٍ واحدة، أني سأخسره إلى الأبد، لكن عزائي أنّ "الأعمار بيد الله".

تحدثني عن صباح العاشر من ديسمبر/كانون أول: "شرب القهوة وألقى سلامَ الذاهِب إلى مهمةٍ، وسيعود فورَ انتهائه مِن تنفيذها، وصلَ مكتبه في "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، طلب من جميع طاقمه مرافقته، مشدّدًا أنّ الحدث سيكون مهمًا، كبيرًا وخاصًا. انضم الجميع إليه، ويبدو أن زياد شعر، في قرارة نفسه، أنّ حدثًا كبيرًا، سيقع في ذاك اليوم (العاشر من ديسمبر)، ورأى في الأمرِ ما يدعو إلى وجودِ حضورٍ مكثف يشمل الإعلام والنشطاء".

الجنود سألوا عن زياد تحديدًا!

تضيف رمال: "وصل زياد إلى ترمسعيا، وفور وصوله علمنا – كما أفاد نشطاء وشهود عيان كانوا في المكان – أنّ الجنود تساءلوا وركّزوا على متابعته، أحد الجنود توجه لناشطٍ وسأله: "أين هو الوزير أبو عين؟ ومن يكون من بين الحضور؟" وبعد ذلك بثوانٍ ألقيت قنبلة غازيّة على رجليه، لم تصب الرجلين، لكنّ أثرها جاءَ بمفعولٍ أشد وأصعب، إذ استنشق كمية غاز كبيرة، سَرت في رئتيه".

تتابع: "مع تطوّر المواجهات وصل إليه جندي آخر، وقام بإيقافه وضربه والضغط على الأوردة في الرقبة، هذا العنف والإرهاب والاستهداف، أصابَ زياد فسقطَ مغميًا عليه، ولاحقًا نُقل إلى المستشفى وهناك أُعلن استشهاده".

عن أسباب الوفاة: "لاحقًا أُطلعنا على ملف التشريح، لكنه في النيابة العامة التي تتابع التحقيق في الجريمة، وأثبتت نتائج التشريح وبصورةٍ مطلقة، لا لُبس فيها، أن سبب استشهاد زياد هو استخدام الضرب وقنابل الغاز المسيل للدموع ومنع سيارة الإسعاف من الوصول لسرعة لتقديم الإسعاف الأولي".

ونفت رمال الإدعاءات الإسرائيلية مشيرة إلى أنّ "ما أدعته المؤسسة الإسرائيلية هي محضُ كذبٍ وافتراء، زياد لم يعانِ أي مرضٍ في السابق، ولم يُجرِ أية عمليّة جراحيّة، حتى في علاج أسنانه وضروسه لم يحتج لذلك، كانت صحته بخير، ولم يشتكي من علّةٍ، رحمه الله".

إسرائيل جهزت الرّد بصورة سريعة!

واتهمت العائلة إسرائيل بالجريمة، قالت الزوجة رمال: "لنفترض جدلاً أنّ زياد كان مريض وتعرّض لأزمة قلبية كما تدعي إسرائيل، كيف استطاعوا خلال ساعةٍ واحدة – وحتى أقل- أن يجهِّزوا الردّ الرسمي مرفقٌ بمعلوماتٍ عن زياد، وشهاداتٍ طبيّة لم نسمع عنها مِن قبل. فإذا كنتُ أنا زوجته ورفيقة دربه لم أسمع أنه عانى من أزماتٍ صحيّة، فكيف استطاعوا فعل ذلك! ألا يشير هذا الأمر إلى أنّ في الأمرِ مخططٌ وجريمةٌ مدبّرة؟! ألا يفسر هذا الأمر، اهتمامهم بزياد دون غيره من المشاركِين، ومنذ اللحظةِ الأولى التي وصلَ فيها إلى ترمسعيا، هو بالتأكيد مخططٌ إسرائيلي، استهدفَ اغتيال زياد، وبذلك نجحت إسرائيل في تصفية الحساب القديم والجديد معًا، والثأر منه".

تابعت: "رغم نشاطه في الفترةِ الأخيرة من حياته في المقاومة الشعبيّة والسلميّة، إلا أنهُ كانَ شخصيةً معروفة لدى السلطات الإسرائيلية، حيثُ أدين في الماضي بوضع عبوة ناسفة، قبل 35 عامًا في طبريا، ما أدى لانفجارها ومقتل إسرائيلييْن. وفيه حينه حُكم عليه بالسجن المؤبَد غيابيًا، حينها غادر إلى الولايات المتحدة، إلا أنّ السلطات الأمريكية سلمت زياد أبو عين لإسرائيل في العام 1981، وبعد ثلاثة أعوام أفرج عن أبو عين ضمن صفقة جبريل عام 1985، إلى ذلك تمّ اعتقاله عدة مرات، آخرها في العام 2002 إداريًا".

لن نشتكي للقضاء الإسرائيلي

الزوجة رمال، أم طارق أكّدت أنّ العائلة ستلاحق إسرائيل قضائيًا، ولن يتم التوجه إلى القضاء الإسرائيلي، وفي هذا السياق أشارت الزوجة إلى أنّ "القضاء الإسرائيلي يعكس المناخ الإسرائيلي، المحتل والعنصري والمجنَد تمامًا للرواية الإسرائيليّة، فكيف سيعمل هذا القضاء على إنصافنا؟! نعرف ذلك، فما حدث مع الشهيد نديم نوارة، أكبر دليل على طبيعة هذا القضاء، هذا ما يؤكده عدم اعتقال قاتل نوارة، ولم تبحث الشرطة أصلاً عن مجرم، رغم توثيق جريمة قتل الشاب بالصوتِ والصورة".

تابعت: "أضف إلى ذلك أنّ القانون الدولّي لن يكون ممكنًا طالما القضاء الإسرائيلي يتابع القضية، عليه لن ندع اي شيء يقف في طريقنا نحو القضاء الدولي، وأعتقد أنّ الجنسية الأردنيّة التي كان يحملها زياد، ستفتح بابًا إضافيًا أمامنا للوصول إلى القضاء الدوليّ".

تخوّف من إهمال الملف فلسطينيًا

أما بخصوص مسار التحقيق الفلسطيني، فضّلت رمال عدم التطرّق للملف حاليًا، ولم تُخفِ مخاوفها من إهماله، وركنه إلى جانب ملفاتٍ أخرى على الرفوف، في حين أوضح قريب العائلة ابراهيم أبو عين أنّ "التحقيق لا زال في أوجه، ونحن حتى الآن مرتبطين بالقيادة السياسيّة لسببين؛ الأوّل أنّ الحديث يدور عن وزيرٍ استشهد خلال اداءه لمنصبه والثاني أنّ الأمر يدور حول جريمة ارتكبها الاحتلال، وهو ٌ ملف فتحته القيادة الفلسطينية دوليًا أيضًا".

تابع ابراهيم أبو عين: "لا زالت العائلة أسيرة القرار السياسيّ، وننتظر خطواتٍ ملموسة منهم، لكن في حال تباطؤ الخطوات، وهذا ما نخشاه، الأمر الذي اضطُرنا التوجه إلى عددٍ من المستشارين والمختصين في القانون الدوليّ واستشرناهم في القضية، وقررنا اتباع عددٍ من المسارات، منها على سبيل المثال لا الحصر: مقاضاة الجنود القتلة في دولة يحملون جنسيّتها، فكما هو معروف أنّ كل مواطنٍ إسرائيلي يحمل جنسيتين".

المليونية...و مسيرة مقاومة الجدار والإحتلال

يُذكر أنّ الشهيد زياد ومع تسلمه منصبه وعد بإتمام مشروع "المليونية"- زراعة مليون شجرة ضمن المقاومة الشعبيّة والسلميّة.

عن المشروع قالت رمال: "قام بغرس الأشجار في ترمسعيا، ضمن مشروعٍ استراتيجي، حيثُ قرّر زياد وطاقم هيئة مقاومة الجدار والاستيطان غرس مليون شجرة، وقد زُرع سابقًا 700 شجرة في بيت لحم ومئات في عدة مواقع وقرى. والهدف منها مواجهة المستوطِن الإسرائيلي الذي يمنع الفلسطيني من العمل في أرضه، إضافة إلى ضرورة تعريف العالم بحقوقنا وإنتهاكات المستوطنين بدعمٍ تام من جيش الإحتلال".

وأضافت: "ستسمر مسيرة زياد، فإذا لم يتمكن من تتميها، فإنّ كل فلسطيني سيسعى لإتمامها، في مواجهة الاحتلال. ذاك الاحتلال يفرض علينا الاستمرار في هذا النضال. صحيح أنّ زياد رحل لكنّه ترك خلفه أولادًا يحملون أفكار والدهم، وسيواصلون مسيرته من حيثُ توقف نبضه، كان زياد ناشطًا في المقاومة المسلحة وفي المقاومة السلمية، والواضح أنّ إسرائيل لا تفرّق بينهما، علينا أن نكمل المسيرة حتى تحقيق الهدف الأساسي، ألا وهو تحرير فلسطين، كل فلسطين.

واختتمت أم طارق: "حوالي أقاربي، النشطاء، محبو زياد، والداعمون لقضيتنا الفلسطينية، وكان شرفًا لأهلِ فلسطين أن يعيش أبو عين مناضلاً ويموت شهيدًا، والمشاركة الجبارة في جنازته لهي خيرُ دليلٍ أنّ شعبًا يُقاوِم لن يُهزم أو يركَع أبدًا، وعزاؤنا أنّ الالاف شاركونا حزننا وغياب زياد، وسينتصر الحق ويُهزمَ الاحتلال، وسينال قاتلو زياد عقابهم لا محالة!".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com