تنشر منظمة بتسيلم اليوم (الأربعاء، 29/10/2014)، تقرير "جدران الاحتلال الشفافة"، وهو التقرير الأول من نوعه الذي يفحص تأثيرات الاحتلال الشاملة على بلدة فلسطينيّة واحدة، وهي قرية برقة، التي تقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات شرقيّ رام الله. يعيش في برقة نحو 2400 نسمة، وقد اختيرت لأنّها تمثل واقع الحياة المعاش في الكثير من القرى الفلسطينيّة الأخرى: إنها قرية صغيرة ورعويّة، محاطة بالحقول، وتعاني قيودًا صعبة على الحركة تعزلها عن بيئتها، وسرقة واسعة لأراضيها وتضييقًا تخطيطيًا. ويفصّل التقرير كيف حوّلت هذه القيود قرية برقة إلى قرية مهملة ومكتظة وفقيرة، يعيش نحو نصف سكانها على شفا خط الفقر أو تحته.

ولغرض إنجاز البحث، أجرت بتسيلم عشرات الجولات في القرية، بين كانون الأول 2013 ونيسان 2014، وشملت الجولات لقاءات معمّقة مع 40 شخصًا من سكان القرية بأجيال مختلفة؛ وقد أجري لغرض البحث استطلاع شامل أجراه المركز الفلسطينيّ للأبحاث السياسيّة والاستطلاعات بإدارة د. خليل الشقاقي، وشمل 484 مقابلة وجهًا لوجه جرت خلال آذار 2014 في 255 مرفقًا بيتيًا في القرية. وجُمعت معطيات أخرى عن القرية من السلطات الإسرائيليّة والفلسطينيّة.

سكّان برقة يعيشون في منطقة B

صحيح أنّ سكّان برقة يعيشون في منطقة B، لكن ورغم الوهم الذي خلقه نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية، فإنّ سيطرة إسرائيل الكاملة في كلّ مناطق C تسمح لها بالتأثير على أبعاد كثيرة في الحياة بمناطق A وB والتسبّب حتى بتجميد روتين حياة سكانها. ويتضح ذلك بوضوح من خلال البحث:

1. إغلاق الطرق: أغلق الجيش الاسرائيلي مطلع الانتفاضة الثانية الطريق الرئيسيّة من برقة إلى رام الله، وهي ما زالت مغلقة حتى يومنا هذا. ويستغرق السفر من القرية إلى رام الله وبالاتجاه المعاكس نحو يوم واحد، بدلا من دقائق قليلة، ونحو 45 دقيقة عبر طرق التفافيّة وملتوية لا تلائم حجم المواصلات الكبير. وقد حوّل إغلاق الطرق برقة إلى قرية منعزلة ونائية، وقيّد منالية العمل والخدمات الطبيّة والتجارة والتعليم والثقافة لدى سكانها.

2. السيطرة على الأراضي- بشكل رسميّ وغير رسميّ: استند اقتصاد القرية تقليديًّا على الزراعة. ومنذ مطلع سنوات الثمانين بدأت إسرائيل بإقامة المستوطنات على أراض كانت بملكيّة سكان القرية الخاصة وبجوارها: بسجوت وكوخاف يعقوب وجفعات أساف ومجرون. ونتيجة لذلك قُيّدت قدرة السكان على الوصول إلى أراضيهم التي كانوا يستخدمونها للزراعة: فنحو 947 دونمًا من الأراضي التي بملكية سكان القرية تقع في داخل المستوطنات نفسها أو ما بعد طريق الدخول إليها، ويفتقر أصحابها لأيّ قدرة على الوصول إليها. اضافة الى ذلك أنّ أعمال العنف المتكرّرة من طرف المستوطنين في المنطقة، ولمجرد وجود المستوطنين في المناطق الزراعيّة ومناطق الرعي التابعة للقرية، يمتنع السكان عن الوصول إلى نحو 1,280 دونمًا أخرى بملكيتهم، رغم عدم فرض أيّ تقييد كهذا رسميًّا. وفي المجمل تُمنع منالية سكان القرية عمّا يعادل ثلث أراضي القرية.

3. الضائقة السكنيّة: عُرّفت المنطقة العمرانيّة في برقة وبعض المناطق الزراعيّة من حولها في اتفاقيات أوسلو، بأنها منطقة B. إلا أنّ غالبيّة احتياطي التطوير في القرية ظلّت في المنطقة المعرّفة C، وكذا الأمر مع أراضيها الزراعيّة الشاسعة. وبما أنّ كلّ بناء أو تطوير في منطقة C يُلزمان بالحصول على تصديق من جهات إسرائيليّة، والتي يكاد الحصول عليها أن يكون مستحيلاً، فإنّ سكان القرية يعانون نقصًا في المباني السكنيّة والمؤسّسات العامة، حتى لو كانوا يملكون أراضيَ خاصة.

الوضع الاقتصاديّ في برقة صعب

تؤثر هذه القيود على كل أبعاد الحياة في القرية. الوضع الاقتصاديّ في برقة صعب ومستوى دخل سكان القرية مُتدنٍّ: نصف عائلات القرية على الأقلّ التي تحوي خمسة أنفار أو أكثر –نحو 75% من العائلات في القرية- تعيش على دخل يُعتبر في الضفة الغربية خط الفقر الأعمق (نحو 1,800 شيكل شهريًا) أو أقلّ منه. غالبيّة الرجال في القرية يعملون، إلا أنهم يعملون في وظائف جزئيّة أو عرضيّة ومن دون ضمانات اجتماعيّة. وتصل نسبة العاملين لدى من عمرهم 52 عامًا وأكثر إلى نحو 50% فقط- ربعهم فقط يعملون بشكل متواصل وبالحجم الذي يريدونه. ويحاول سكّان القرية استكمال مداخيلهم من الزراعة ورعاية المواشي وتحضير الجبن أو العمل في البيت مثل الخياطة والتطريز، إلا أنّ المداخيل من هذه الأعمال متدنيّة. وتمسّ القيود المفروضة على الحركة إلى القرية ومنها بالخدمات التربويّة والصحيّة الممنوحة للقرية، نتيجة لصعوبة وصول المهنيّين من خارج القرية إليها، وصعوبة الوصول لتلقي مثل هذه الخدمات خارج القرية.

يجسد البحث كيفيّة قيام المستوطنات ومصالحها بلعب دور مركزيّ في إملاء السياسات الإسرائيليّة، حتى لو كان ثمن ذلك المسّ الجسيم بالسكان الفلسطينيّين، وكيف أنّ نسيجًا قضائيًّا-إداريًّا يخنق القرية ويمنع سريان روتين الحياة والتطوير بشكل معقول: السلطات الإسرائيليّة تفضّل دائمًا مصالح المستوطنين والمستوطنات على احتياجات وصالح السكان الفلسطينيّين. ورغم أنّ إقامة المستوطنات ليست قانونيّة أصلاً، إلا أنّ الدولة تخصّص موارد كثيرة لتطويرها وحماية سكّانها، في الوقت الذي تبذل كل ما بوسعها من أجل منع التطوير الفلسطينيّ.

وتنص نتائج تقرير بتسيلم على أنّه لا يمكن للواقع في برقة، على غرار سائر الضفة الغربية، أن يتغيّر جوهريًّا، إلا مع زوال الاحتلال. ولكن بوسع السلطات الإسرائيليّة أن تقوم منذ الآن بعدة خطوات تؤدّي إلى تحسين كبير في حياة سكان الضفة الغربية. وفي حالة برقة، يجب على هذه الخطوات أن تشمل:

- إزالة كلّ الحواجز والمعوّقات التي وضعت على الشوارع الواصلة بين رام الله وبين القرى التي تقع شرقها؛

- تنظيم وصول سكان برقة والقرى المجاورة إلى أراضيهم المجاورة للمستوطنات، والاهتمام بأن يكونوا قادرين على استصلاح أراضيهم ورعي مواشيهم بأمان، من دون أن يخشوا أذى المستوطنين؛

- منح تصاريح لسكّان القرية للبناء على الأراضي التي بملكيّتهم، والتي عُرّفت في اتفاقيّة أوسلو كمنطقة C، بما في ذلك البناء السكنيّ وتشييد المباني العامة المطلوبة لغرض تطوير القرية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com