ما كنتُ من جمعيّة الرّفق بالحيوان من قبل،ولستُ بِعدوّ له ،ولم اْرَبِّ يوماً كلباً او قِطّاً ، رغم اْنّ جيراني مولعون بذلك ،واْنا اْحترم مشاعرهم،ولا اْزجر هذه الحيوانات ،معاذ الله ،التي تزورنا بدافع الجيرة والغُبْطانيّة ،بل انا من جمعيّة الرّفق بالانسان الآدمي اوّلاً ! ومن ثمّ الحيوانات المختلفة ،ومنذ سنوات عديدة امتنعت عن تناول كافّة انواع اللحوم المُحَلّلة شرعاَ، وحتى لحوم الطّيور البيتيّة ،ورغم اْن الاْمر يؤثّر سلباً على صحتي ،فاْنا ماضٍ في طريقي ! ولكن في الآونة الاْخيرة اخذ كلبٌ يتودّد إليّ،  من دون عادة يا بوشحادة ،يلوّح لي بذيله الاْزعر ،وقد قطعه له اصحابه الاْوائل ،ليصبح ويمسي ازعرَ،وتمادوا في غيّهم فَقَطَشوا اْذنَيه مسحاً مع الراْس ،ربّما ليميّزوه عن بقيّة كلابهم الضّارية التي تنهش لحوم الآدميّين ع َ الطّالعة والنّازلة، اْصبح الكلب الاْزعر الاْقطش معروفاً لدى الجميع ،القاصي والدّاني ،اْصحابه الاْوائل وضعوا في عنقه طوقاَ ذهبيّاً وربطوه بسلسلة برونزيّة ،عدا عن وسائل التّجميل والعطور التي اقتنوها له خصّيصاً من مستحضرات السّيّدة :بنينا /جوهرة/ روزنبلوم ،وزيّنوه بمختلف الملابس الخاصّة ،صيفاً وشتاءً، عدا عن الطّعام الخاص الذي اشتروه له ،ثمّ اقتنوا له تخشيبة خاصّة تليق بمقامه ،قلّما يحظى بها الكثيرون من الآدميّين ! ليواصل خدماته الجليلة لهم ، خدماته اْبعد ممّا تتصوّرون اْو يتزيّى لكم ،كان كلباً شبه مثقّف ،مطواع ،خنوع ،ملتزم ،يقوم بالمهمّات المستحيلة ،يتحرّش بالغادي والرائح ،طبقاً لنوايا اْصحابه العدوانيّة ،وما اْكثر النوايا المبيّتة ،لتصفية الحسابات مع هذا المخالف ،وذاك المشاكس الذي يشقّ عصا الطّاعة جهراً ،طبقاً لما يُمليه عليه ضميره ،وقِيَمه الانسانيّة والاْمميّة التي تربّى عليها ،هذا الكلب ينقل الرسائل الخطّيّة وباللغات الثلاث، لاْصحابها ،لعلّه يتخيّل نفسه فاعل خير،اْو ساعيَ بريد ،في عنقه سلّة اْنيقة يوزّع بواسطتها الرسائل على اْصحابها في منتصف الليالي والنّاس نيام ،كي لا يوقظ اْحداً ،واْحياناً يرسلها من البريد البعيد ،كما يقوم بشراء الاْمتعة والاْغراض لاْسياده ،بِدِقّة واْمانة ،يعجز عنها بقيّة اْبناء صنفه ،حتّى لو درّبوهم في اْحدث المدارس الخاصّة بالتّدجين ،عاش الاْزعر عصراً ذهبيّاً منعّماً مُرفّهاً ومدلّلاً، قلّما حضِيَ بدلاله الاْطفال الوحيدون لاْهاليهم ،زهزهت له الدّنيا واْنارت سبيله الى حين ،ولكن سنّة الحياة تاْخذ مجراها ،فكلّما هَرِمَ قلّت قيمته ،طبقاً لمثلنا الشعبي :شَحّ الحليب ،قّلّتْ قيمة الراعي !يوم عِنبك وتينك كثروا محبّينك ،خلص عنبك وتينك ،كلّ النّاس عدوّينك ،تراجع ملحوظ طراْ على المُدلّل الاْوّل ،من حقّ القارئ/ة الكريم/ة اْن يساْل وبصدق :من اْيّة فصيله هذا الكلب ؟من واجبي اْن اْبسّط الاْمور ،فاْقول :هو ليس من فصيلة الدوبرمان ،ولا الذئب، ولا الاْمستاف ،ولا الرّعاة ،ولا الروتفايلر ،ولا السلوقي ،ولا البودل ! بَلْ جعاري ! اْجَلّكوا الله! وإن اْردتم معرفة اسمه ،فاسمه ليس غربيّاً اْو اْشكنازيّاً ! مثل :كوشي ،لاكي ،بوش ،رِكْس... بل عربي قُحْ،ساْكشف لكم عنه فيما بعد، هذا الجعاري يعرفه القاصي والدّاني ليتجنّبوا شرّه ، اْصحابه تخلّوا عن خدماته ،لاْنّه اْصبح عاجزاً قاعياً على مُؤَخّرته ،طردوه شرّ طردة، متناسين خدماته وتضحياته الجليلة ،لم يياْس الجعاري ،بل ظلّ يحوم حول البيت ويحنّ له ،حتى لو زجروه واْشبعوه عِصياً وقذفاً بالحجارة اـستغرب الجعاري هذه المعاملة الفضّة القاسية ،اْخذ يمنّي النّفس باستعادة شبابه وتسنين اْنيابه ،ينقضّ على الجميع ،حتى على اْترابه واْبناء جلدته وزملائه في المهنة ،ما عاد يعرف العدوّ من الصاحب ،فِيّ وفي عِداك يا ربّ،شنّها حرباً ضروساً شعواء ،لا هوادة فيها على الجميع ،والجميع اضطُرّوا لمناصبته العداء والابتعاد عن شرّه ،إبْعِدْ عن الشّر وْغَنّيلو،لكن ليس على طريقة الفنان السّوري علي الدّيك :غنّيلي تَ غنّيلَكْ !

،بعد اْن اْصيب بالسّعر ،داء الكَلَب ،وما اْدراكم ما هذا الدّاء ،يمكنكم التّوجّه لاْقرب طبيب بيطري ،فلديه الجواب الشّافي ، كما لجهينة الخبر الوافي ،دائرة الصّحّة في لواء الشّمال ،تتقصّى الكلاب المسعورة لتقضي عليها ،وتخلّص المواطنين العُزّل منها ،إضافة الى تطعيم السّكّان ضدّ هذا الدّاء الفتّاك، الكلب الدّاشر في قرية شماليّة نائية تعجز قوّات الاْمن عن الإمساك به ،والاْصح هي التي تركته على فيّاله يسرح ويمرح ،ليلحق الاْذى بالجميع ،طبقاً لمبداْ :ما هو ضارّ للعرب هو مفيد لليهود ! ،طرده اْولياء نعمته بعد اْن شاخ وشاب ،واْكل الدّهر عليه وشرب ،اْرباب نعمته كانوا من الميسورين المدعومين ،سرّاً وعلناً،احتضنوه لاْمر وغاية في نفس يعقوب ،حاولوا اْلْفَنَتَهُ واْنْسَنَتَهُ، اْكسبوه بالتّكرار بعض الصّفات التي تليق بالكلاب كالاخلاص والوفاء للاْسياد وبعض العِباد ،قد يكون من النّوع السّلاقي المُهَجّن ،كلب صيد مُدَرّب ومجرّب ،حتى لو صار عقلو مخرّب !يركض ،يجاهد ،يكابد ،يعاهد ،يجِدّ ويسعى لإرضاء اْسياده لقاء لقمة عيش ذليلة ذميمة ،اللي بيوكل من مال السّلطان بيضرب بسيفو !طعمي الثّم بتستحي العين ،هذا الكلب الكلبان شبه المُؤَنْسَن،ما إلو صاحب ، يدقّ في مين ما كان ،المهم سيده رضيان ،وبقايا والفضلات من نصيبه مهما كان ، الدهر دولاب اْو يومان ،يوم لك ويوم عليك ،نزعوا عنه كافّة الحلي والطنافس والقلائد جرّدوه من كافّة اْوسمة الاستحقاق التي حصل عليها ،تماماً كجنرال عسكري اْدين بالخيانة العظمى ،اْجريت له محكمة ميدانيّة ،وجُرِّد من كافّة الاْوسمة ،لم يودع بالسّجن ،ولم يُعدم ،وما هذا إلاّ من باب الرّاْفة بالحيوان ،طبقاً للنهج الغربي الماكر.

رغم اْنّ هذا الجعاري عضّني مراراً وتكراراً،بِإيعاز من اْسياده ،كلّما وزّوهُ ورموا له بعض العظام المُفَصْفَصة النّتِنة، وقد ربط لي وللغير ، وقطع علينا الطريق طيلة سنوات خَلَتْ،خِلْتُ بها اْنّه قد تاب ،شابَ وعابَ،وانطلاقاً من مقولتنا :المسامح كريم ! فقد اْخذ يتودّد إليّ كثيراً،يراقب حركاتي عن كثب ، يعرف اْنّني مسافر ،يحاول اللحاق بي فيعجز ،إلاّ اْنّه ينتظرني السّاعات الطّوال حتى اْؤوبَ من سفري ،يهمّ اْن يحمل لي بعض اْمتعتي،اْرثي لحاله ،يلوّح لي ببقايا ذيله ،يتودّد ،يدغدغني ،يشمشمني ،يطاْطئ راّسه خجلاّ منّي كاّنّه يعتذر لي ،كالآدميّين، عمّا بدر منه ،فقد كان مكرهاً مجبراً ،مقهوراً منهوراً،طبقاً لما يفرض على الكلب من مرافقة صاحبه في الضّراء وليس السّرّاء .

لم ازجره ،ولم اْقل له :إقْحَصْ،امشِ ،لم اقذفه بحجر ،تغاضيتُ طوعاً عمّا بدر منه ،عادت بي ذاكرتي الى ذاك المهجري العبقري :إيليّا اْبي ماضي في رائعته :

كُنْ بلسماً :

 كُنْ بلسماً إن صار دهرك اْرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
اْحْسِنْ وإن لم تُجْزَ،حتى بالثّنا اْيّ الجزاء الغيث يبغي إن هما ؟
اْيقظْ شعورك بالمحبّة إن غفا لولا الشّعور ،النّاسُ كانوا كالدّمى
وَالْهُ بورد الرّوض عن اْشواكه وانْسَ العقارب إن راْيتَ الاْنجما
وقد قطعتُ يميناً على نفسي ،اْن اْضع له كلّ اسبوع وجبة دسمة ،تكفيه اسبوعاً كاملاً ،اْجمع له الفضلات والعِظام، اْضعها في زاوية خاصة ،فياْتي هو ويلتهمها ،على مهله ، غير شاكر اْبداً، لسان حالي يقول :إتّقِ شرّ من اْحسنتَ إليه! بقي عليّ اْن اْقول :اسم هذا الكلب :مِشْ عبّود ،ولا حمّور، ولا سمّور ولا بيّوض ، بل توتو ،ولا يستجيب لِاْيّ اسم آخر !

 أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com