"أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي". هذا المثل ينطبق على زيارة حكومة التوافق وعلى رأسها الدكتور رامي الحمد الله إلى قطاع غزة، التي كان ينبغي لها أن تقوم بوظائفها منذ إعلان المصالحة بين الطرفين فتح وحماس في نيسان 2014 والتي مهدت إلى تشكيل حكومة توافق وطني بعد ذلك التاريخ بشهرين.

قدوم الحمد الله ووزرائه إلى غزة، للاجتماع والوقوف على آخر التطورات الفلسطينية، ومنها البحث في كيفية إعادة إعمار القطاع وحل مشكلة رواتب الموظفين، وتأمين نسبة معقولة من الحياة لأهل غزة، هذه الزيارة تبشر بالخير ولو أن هناك تحديات سنأتي على ذكرها في هذا المقال لاحقاً.

دلالات الزيارة والاجتماع لأول مرة في قطاع غزة ترمز إلى أنه جزء من المشروع الوطني الفلسطيني، فضلاً عن إحياء الأمل في نفوس المواطنين الذين ضاقت بهم أحوال وسنوات الانقسام والعدوانات الصهيونية التي تكررت ولم تتوقف.

الاجتماع بالتأكيد لم يغص في تفاصيل حال القطاع ولن يقدم حلولاً جذرية لمعاناة الناس، ذلك أن حل مشكلات القطاع يتطلب جهوداً جبارة وكبيرة، من أهمها تحقيق مصالحة حقيقية تشكل مظلة رسمية لتسهيل عمل حكومة التوافق الوطني، إلى جانب توفير الدعم المادي والإعاني لتخفيف الضرر عن الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

ليس من المؤكد أن اجتماع الحكومة في غزة سيعني إنهاء الخلافات بين الفصيلين الكبريين فتح وحماس، وأنه يمكن القول إن الانقسام أصبح خلفنا، لأن أصعب ما في تأكيد تحقيق المصالحة هو التنفيذ الفعلي والشروع في موجباتها.

الرسائل المهمة التي تريد الحكومة بثها إلى العالم من قطاع غزة هي الآتي: أن المصالحة رغبة حقيقية وصادقة بين مختلف أطرافها، وأنها تتجسد اليوم في قدوم الحكومة إلى القطاع واستلام مهامها، وأن هذا التوافق من شأنه أن يضفي جدية على مؤتمر المانحين المقرر عقده يوم الأحد المقبل في القاهرة.

ولعل استباق حكومة التوافق انعقاد مؤتمر المانحين بدعوة من القاهرة والنرويج، بالتوجه إلى غزة والاجتماع فيها لأول مرة، يؤكد موقف السلطة الفلسطينية من ضرورات إعمار قطاع غزة وأن هناك اتفاقاً جماعياً على أن هذا الملف يحظى بالأولوية القصوى لدى الجميع.

زيارة الوزراء إلى غزة على الأرجح توفر ضمانة وتبعث الراحة على الشركاء والأطراف الدوليين من أجل تقديم الدعم المطلوب لمواجهة الآثار المترتبة على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خصوصاً وأنه تناهى على مسامع المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني، أن الخلاف الفصائلي الذي كان حاضراً وما يزال، من شأنه أن يعرقل إعادة إعمار قطاع غزة.

الرسالة الأخرى متعلقة بموضوع المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي في مصر، ذلك أن الخلاف الفصائلي يؤثر بشكل أو بآخر على اتفاق الهدنة الذي أبرم برعاية مصر بين الفصائل وإسرائيل بعد أكثر من خمسين يوماً على العدوان أوائل تموز الماضي.

أيضاً يريد الرئيس محمود عباس من تمكين المصالحة أن يقول للمجتمع الدولي إن الفلسطينيين متفقون وإنهم يستحقون دولة فلسطينية مستقلة، وتأتي زيارة الحكومة في إطار المشروع الفلسطيني لوضع إطار زمني لا يتجاوز ثلاثة أعوام، على أمل إجراء مفاوضات حقيقية وجادة وصولاً إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

لكل ذلك اجتمعت حكومة التوافق، وإن كانت هذه الخطوة المتأخرة جيدة ومهمة وعلى الطريق الصحيح، إنما ينبغي حتى تأتي ثمارها أن تزال بالفعل العوائق والعصيان في دواليب ملف المصالحة وفي مقدمتها عمل حكومة التوافق.

أما التحديات التي تواجه المصالحة وحكومة التوافق فهي كثيرة جداً، وأولها مغادرة كل أسباب الانقسام والسماح لحكومة التوافق الوطني بالبقاء ومزاولة كافة مهامها دون عوائق، وبناء المؤسسات الفلسطينية الرسمية على أسس الشراكة الوطنية.

ثم إن قطاع غزة تحديداً بحاجة إلى استجابة فورية لتخفيف الحصار عنه، وهذا يستلزم تهيئة الظروف وتذليل العقبات أمام الحكومة لإعادة إعمار قطاع غزة وحل مشكلة الكهرباء وفتح المقرات والوزارات والمؤسسات الحكومية، ومعالجة موضوع معبر رفح البري.

من ضمن التحديات بطبيعة الحال، مواجهة المخططات التصفوية الإسرائيلية، وفي القلب منها مسعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته إلى إفشال المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب ضرورة تمكين الوحدة الفلسطينية لجهة استكمال النضال الدبلوماسي والسلمي على أسس متفق عليها.

ليست الحكومة وحدها تخضع لهذا الاختبار الذي إما أن ينجحها أو يفشلها، إنما على الجمهور الفلسطيني أن يسهل على حكومة التوافق القيام بواجباتها، على أساس أن الشعب هو مصدر السلطات والأهم أنه الأقدر على فرملة خلاف الفصائل والقول لهم بالفم الملآن "كفى".

آن الأوان للشعب الفلسطيني أن يستوعب بأنه لا عودة إلى الانقسام، لأنه يستهلك ويستنزف من رصيد القضية الفلسطينية، ولأنه يبدد مقومات صمود الشعب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً وأننا أمام تطورات دراماتيكية تستوجب لملمة الصفوف لوقف الاستيطان في كامل الضفة الغربية.

يتأمل الفلسطينيون أن تجتاز حكومة التوافق بر الأمان، وأن تتمكن بالفعل من تخفيف الحصار عن قطاع غزة والبدء بالإجراءات الضرورية والعاجلة لإعادة الحياة المعقولة للناس هناك، ومثلما كانت زيارة الحكومة نتيجةً لاجتماعات فصائل المصالحة، فإنه يؤمل أن تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات إجرائية وأكثر جرأة.

لو أن الحكومة ظلت لأكثر من يوم، حتى تراقب عن كثب أحوال الناس وتقف عند مشكلاتهم، ولو أنها تشرع الآن وليس غداً في استثمار وجودها بتكريس المصالحة وتنفيذ القرارات الصادرة عنها، وتوصل الاجتماع الوزاري بالآخر عبر غرفة عمليات موسعة وتنسيق بين مختلف الفصائل.

لو أن الحكومة تفصح عن مخطط حاضر يوضح كيفية معالجة أزمة البطالة المستفحلة خصوصاً بين الشباب، ولو أنها تكشف عن مشروعات لإعادة وصل التيار الكهربائي دون قطعه على مدار اليوم، ولو أنها تتواصل مع الجمهور وتشرح لهم دورها في القطاع الأمني والصحي والتعليمي... إلخ.

إنما "لو" تفتح عمل الشيطان، وطالما لا يجوز استدعاؤها في البحث عن أجوبة، إلا أن الشعب الفلسطيني الذي استبشر خيراً بزيارة حكومة التوافق، يرضى بالقليل الإيجابي الذي يسهم في تغيير حياته، والرجاء أن لا يبخل أصحاب المصالحة وكذلك الحال حكومة التوافق، في تجسيد المطلب الفلسطيني الآني بتأكيد الوحدة وحماية الوطن من براثن وشرور الانقسام. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com