حباني وخصّني الله بشرفة متواضعة ،مع إطلالة من صومعةغير مرتفعة ،هي خلوتي في السّرّاء والضّرّاء ،إزاءها نعنعة متفرّعة ،منها العادي ،ومنها نعنع الوادي ،ومنها روح النّعنع الذي يروي الصّادي،منها الاْملس ومنها الخشن ،نَمَتْ في حوض تظلّله نباتات طبّيّة عطرة ،الليمون وثمار الجنّة/الكريب فروت/،الشّيبة واللمّانة ،العُطرة والرّيحانة ،الحبق والنّبق/السّدر اْو السّوّيد.

* إنّها بقعة خضراء مخضوضلة ،مُزدانة،عبقة ،شذيّة،عطرة،نديّة ،عَذِيّة،ظلّيلة ،غِرّيدة مع عصافير البرّ الطّليقة ،منها الحُمّر ،الصّفّير ،خدود البنات ،عنادل وبلابل ، شحارير وَدْويريّات ،حتى الغراب والبوم وجدا لهما ركنين نائيين،اْمدّ يدي باكراً ،دَغْشِة ، لقطف بعض اْكواز التّين ،فتسبقني المجنّحات الغريدة لتتحلّى قبلي ،وتترك لي فضلتها ،بعض النُقَّرِيّات،لسان حالنا وإيّاها :كوزين تين ع َ الرّيق اْحلى من الرّحيق،خاصّة اذا كانا من صنف الغزالي/العسالي/البقراطي الذي يذكّرنا باْبي الطّبّ:اْبي قراط !

*من الشرفة / الصومعة / الخلوة استلهمتُ ما ورد في الرّسالات السّماويّة الثلاث ،طبقاً لتسلسلها الزّمني،كلّها عندي سواسية كاْسنان المشط،اْحلّق مع :العهد القديم ، كتاب اللاويّين ،الإصحاح التّاسع عشر : وعندما تحصدون حصيد اْرضكم،لا تُكمل زوايا حقلك في الحصاد،ولُقاط حصيدك لا تلتقط ، وكَرْمُكَ لا تُعَلِّلْهُ،وثمار كَرْمك لا تلتقط ،،للمسكين والغريب تتركه،اْنا الرّبّ إلَهُكُم !

*إنجيل متّى يستدرجنا الى ظلاله الوارفة :هل يجتنون من الشّوك عنباً؟اْو من الحَسَك تيناً؟هكذا كلّ شجرة تصنع ثماراّ جيّدة.....فَإذا من ثمارهم تعرفونهم ،الإصحاح السّابع.

*والقرآن الفرقان اْنزِل هدى للعالمين اْجمعين ،اْكّد في سورة التّين: والتّين والزّيتون وطور سنين ،وهذا لبلد الاْمين،لقد خلقنا لإنسان في اْحسن تقويم /صدق الله العظيم . هكذا غرستُ بعض اْشجار السّبيل ،للغادي والرّائح،للبعيد والقريب،لمن يشتهي كوزين تين اْو صبر،قُطف عنب ،اْو كبوش التّوت الشّامي ،اْوراق غار اْو اغصان جعدة ، ضمّة حصا لبان ،عُرْف الدّيك ،مردقوشة اْو زعتر فارسي ،كبّادة ،جوزة اْو لوزة ،لا حاجة للاستئذان اْو السّماح ،مع قوله تعالى :وإنْ تعدّوا نعمة الله لا تحصوها! يزورني بعض الاْصدقاء والمعارف لتجاذب اْطراف اْحاديث ذات شجون في هذا العهد الماْفون . اْعود الى حديقتي الصّغيرة لاْستنشق روائح متناسقة ومتنافرة ،ومتناغمة: الفيجن/السّذّاب/يتهامس مع االطّيّون ،البُطم يُطَعّم بالفستق الحلبي، لم اْنسَ اْشجار الزّينة الباسقة :ها حولكَ الحور والصّفصاف....حفيف اْوراق الحور بلونيها الاْخضر الغامق مع الاْخضر الفاتح المائل للبياض/ وجهان مختلفان لنفس الورقة ، وقفا خجلاً واعتذاراً من السّيد المسيح ،حين اْبَتْ هذه الشّجرة اْن تنحني حزناً واْلماً كبقيّة الاّشجار،ومع سبق الإسرار غرستُ شجرة العنّاب :ووضعوا على راْسه /السّيّد المسيح عليه السّلام / إكليلاً من الشّوك! ناهيك عن طعم ثمارها الخاصّ،الميرميّة /المريميّة /الجعساس،ما بيطلع من الجعساس مسّاس ،تُسبّح الخالق صباح مساء !وبخّور مريم /السّوسن الاْبيض،لن يجاريه نبات بعطره الخاص،فمّ السّمكة يناغي الاْضالية ،الشّومر والشّمّر يقلّد اليانسون في طعمه ومذاقه. بعض الفضوليّين يريد اْن يحمّلني جميلا ،يحضر منشاره الآلي ،دون طلب مني ،فيتطفّل عليّ:اْريد اْن اْرَيِّحَكَ من الاْشجار العاقر ،حتّى تتدفّاْ عليها شتاءً!اْقول له :خَلِّ عنك يا هذا !اْفضّلُ اْن تزرقّ عظامي وتتقلّص مفاصلي برداً وزمهريراً،اْمام مناظر هذه الاْشجار ،سيّان عندي ،اْكانت خضراء اْم عرياء !جمال بلادنا الشّجرة فَرَوّ غصونها النّظرة !يا اْخا العرب !اْلا تسمع وديع الصّافي طيّب الله ثراه حين يصدح مغرّداً:خضرا يا بلادي خضرا.....واْنا مع الشاعر اللبناني المهجري :قيصر المعلوف قال: رُلى عربٌ قصورهم الخيام ومنزلهم حماة والشّام !

ليش واحد حامل ذقنو والثّاني تعبان فيها ؟زارني اْحد حرّاس الطّبيعة ،بعضهم اْنجاس في الطليعة،سُرّ من رؤية حديقتي ،فقال مازحاً:ساْعلن عن حديقتك حديقة طبيعيّة !قلتُ له جادّاً ،نحن واْهلنا علّمناكم حُبّ الطّبيعة ،انتم جئتم ،على بارد المتهنّي ،لقيتو خبز مخبوز وْمَيّ في الكوز !ضبضب ذيالو ،فولة وقطمها الجحش !هون بحشنا وهون قَبَرْنا! وادي سُهَيْل يبداْ من جبل الجرمق /عين الحميمة ،يتّجه غرباً شرقي بلدي يتوحّد مع عدّة اْودية ،تكوّن معاً المجرى الاْعلى لوادي القرن ،به مسار اْخّاذ ، خلاّب ،لا ترى حولك سوى اشجار السنديان واْقاربها ،وفقط من فوقك نجوم السّماء، بما فيها نجم سهيل ،ومن هنا جاء اسم الوادي،بعض الاخوان يقول لي :لقد اختلستَ سحر الوادي الى حديقتك الخاصّة !اْجبته حديقتي مفتوحة اْمام الجميع !على درب الصّافي :للضيف مفتوحة منازلنا / ع َ الكون مضويّة مشاعلنا ، وعيونّا للحُبّ سهرانين،وقلوبنا إلنا وْمِشْ إلنا ،البحر يروي للسما حكايات حكايات فيها للسما آيات ،عا صخورنا بتتكسّر الموجات ،تترك دُررها عا سواحلنا ،الشّمس مهما دارت الاْيّام ،بِتْفيقْ خَلْف جبالنا وْبتنام ،بتنام عا موسيقى الاْنغام،وْبِتْفيقْ عا رَنّة معاولنا !عن البقليّات/السّْليقة /التي تنمو على السَّليقة ،حدّث ولا حرج ،خبيزة وسِلْق،عكّوب و عِلْت ،سبانيخة وكِلْخة ،كفّ العروس وسليقة حوس ،قُرْص عنّة وحَلَبَنّة ،إمّكْ ترقص وبوك يغنّي ! هيك غنّينا ،وجاقرنا بعضنا البعض صغاراً ،بريق زيت بريق كاز ،حُمّيض وكرّاث،صْنيبعة ودمّ الغزال ،قصيقصة وفرفحينة، حندقوق وبرقوق ،حفحاف وخزامى ،سقوقيا و لمّانة . حتى الاْعشاب البرّيّة في إلها مطرح :الغُبّيرة والدّرّيس ،النّجيل والصّيفي ،الدّردار والمرار ،المحموديّة والذوّينة ،الشّبرق البرّي واْبو هالوك ،السَمْوة و القرّيص بنوعيه ،شنديب وشلوغية ،الخرفيش والسّنّيرة ،اْبو زعكور ، المدّيدة والجربيح ، شو بدّي اْعِدّ... يقولون عنكَ مجنون طبيعة ! قلتُ حبّذا لو تشبّهتُ بمجنون جبران ! قالوا عنكَ غيّبيّ وسلفي واْصوليّ !قلت :هكذا اْنا ! ولكن بالمعنى الايجابي وليس السّلبي الدّاعشي ،إبحثوا عن المعاني بين المعاني والتّرامي ،تجدون القطف الدّاني في اْنصاف الليالي . قالوا :اْتسمحُ باْن نجري دروساً تطبيقيّة لطلاّبنا عن النّباتات ؟قلت:هذا ما يُثلج صدري والضّيافة على حسابي . قالوا : وماالغريب الذي صادفته في صومعتك َ؟قلت بما اْنّ البطاطا والبندورة من نفس العائلة /الباذنجانيّة /حين زرعت حاجة البيت من الخضراوات ،تقطيعة بطاطا الى جانب آخرى من البندورة ،متجاورتان ،فإذا بهما تلقّحان بعضهما /بيت البطاطا مع درناته تحت الاْرض،وفوق الاْرض يحمل حبّات البندورة الزّعروريّة !،قالوا : وهل من مزيد ؟نعم ،الفلفل والبندورة عشقا بعضهما البعض ،فتهجّنت عنهما ثمرة جديدة :زْرّ بندورة بطعم الفلفل ،اْسميتُ الثّمرة المهجّنة :فِلْدورة !الزّعتر والمردقوش /العائلة الشّفويّة ،تجاورا ،فاكتسب الواحد صفات الثّاني :زعتر برائحة وطعم المردقوش ،ومردقوش برائحة وطعم الزعتر ! وكما اْن المراْة تنجب تواْمين اْو ثلاثة ،كذلك الحال عند الكوسا والباذنجان ! شجرة تين سواديّة تغيّر صنفها الى بقراطي ،ربّما عادت الى اْصلها ! وجردة دوالي عنب سواديّة تعطي عنباً اْبيضَ! لله في خلقه شؤون !ولا تقولوا :هذا جنون فنون !يعني :بيتك قلعتك؟بل اْكثر من ذلك ،اْلم تستمعوا الى الصّبوحة الدّلوعة تغنّي :يا بيتي يا بويتاتي ،يا مْستّرلي عيوباتي ،فيك خْلقتْ وفيك رْبيت ،وفيك بْقضّي حياتي ،جدّي بعبّي الكوّارة من الغلّة اللي بالدّوّارة ...وهناك من يضيف :فيه بآكُل وفيه بَشرب ،وفيه بْمدّد سويقاتي ...ومثل ما قال عادل اْمام :كلّ واحد وِخيا ري ري ري رتو...يا رايح ع َ الشّام جِبْلي زُمّيرة للولد وهذا حقها شندي ! إنتي زَمّر بْنَيَّكْ،طال عمرك !

-وما هي اْمنيتكَ الاْخيرة ؟
-اْن يستجيب الله لاْمنيتي حالاً ،وياْخذني الى جواره راضياً !
-اْمرك غريب عجيب يا هذا !
-والمخفي اْغرب واْعجب ،إذا عُرف السّبب ،بَطل العجب ! -هل تُلَمّح لنا ؟ -من شرفتي اْسمع اْصواتاً نشازاً،تَنِمّ عن حقد اْعمى ،اْحكام كاسحة ،تكفير وإنكار الآخر المختلف ،واْرى البعض منهم الكادح،الرازح ،اْولاد الحلال كثار ، كذلك القادح،الفادح والمُتَزَيّين بالعقلانيّة والتّواضع ،على عينك يا تاجر ،لكنّهم مدسوسون يتصيّدون في المياه العكرة هم عيون قبيحة لصاحب الصّولجان ،تجرّدوا من القِيَم والمبادئ... ،ولله في خلقه شؤون،فهو يُمهل ولا يُهمل، اْبَسْمِل اْعَوْذِل،،اْحَوْقِل وَاْحَمْدِل ،مع آيات الله البيّنات ...وقليل من القطران ...تمّ اْتوكّل...
-قالوا :بخاطرك ! -قلتُ :دربكو خضرا ، ساْعود الى شرفتي ،عزبتي ، صومعتي ،كتابي ،ملاذي،تاْمّلاتي،استروا ما شفتوا منّا يا ربعنا ...!وَكُنْ بلسماً إن صار دهرك علقما....وانسَ العقارب إن راْيتَ الاْنجما....وفي خلوتي مُتَّسَع للجميع ،بغضّ النّظر عن الانتماء العرقي ،القومي، الدّيني ،الطّائفي اْو المذهبي!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com