تحت هذا العنوان ينشر يوسي يهوشواع، في "يديعوت احرونوت" تقريرا يلخص أبرز نقاط الحرب في غزة التي بدأت قبل 50 يوما. ويقول ان مرور 50 يوما يعتبر مناسبة جيدة لفحص الانجازات والاخفاقات. هذه فترة طويلة بما يكفي لفحص ما الذي حدث لإسرائيل امام العدو الذي يفترض ان يكون "الأسهل" في المنطقة، وفحص كيف حدث وتم جر الجيش الى حرب استنزاف، والتفكير كيف فقدنا بلدات الجنوب. يمكن من مقر وزارة الأمن في تل ابيب، سماع وطأ اقدام قادة الألوية الذين اصيبوا بالاحباط حول القطاع، ويمكن سماع صراخ السكان على خط النار من مقر الحكومة في القدس. ولذلك من المناسب فحص لماذا حدث ذلك.

بالنسبة لرئيس الحكومة ووزير الامن: رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الامن موشيه يعلون أظهرا ضبط النفس الكبير خلال ايام الحرب، وحظيا بالثناء من قبل منافسيهما. ولكن من جهة اخرى، ولا توجد طريقة لطيفة لقول ذلك، فان المشاعر ازاء وزير الامن في الجيش صعبة.

لقد بدأ ذلك في الخطاب الذي صرح خلاله بأن معالجة الانفاق ستستغرق يومين او ثلاثة، ولكن العملية دامت لأسبوعين وثلاثة. كما ان قراره عدم الوصول الى كيبوتس ناحال عوز يوم السبت الأخير بسبب تهديد القذائف سبب ليعلون ضررا كبيرا. ومع كل الاحترام للشاباك الا انه كان من المتوقع من وزير الامن ان يبلغ حراسه بأنه يتحمل المسؤولية عن نفسه والاصرار على تشكيل نموذجا شخصيا للسكان، الذين لا يستطيعون مثله التجوال داخل سيارة مدرعة.

والأخطر من ذلك ان يعلون ونتنياهو وافقا على اقتراح وقف اطلاق النار الأول، قبل معالجة الأنفاق. ومن المثير للفزع التفكير بما كان سيحدث لو لم تقم حماس بخرق وقف اطلاق النار في حينه، ولم تقم إسرائيل بتدمير الانفاق. كما ان وزير الأمن عارض عملية التوغل البري في البداية، وعندما انطلقت كانت محدودة نسبيا، وغير كافية. من هذا كله يتضح ان رئيس الحكومة ووزير الأمن يتحملان المسؤولية العليا عن استمرار المعركة لفترة زمنية طويلة، وبدون حسم.

القائد العام للجيش: من جانبه التزم القائد العام للجيش بالأهداف التي حددتها له الحكومة، فقد تم تدمير الأنفاق الهجومية، وتلقت قاعدة حماس ضربة قاسية جدا، رافقتها سلسلة من الاغتيالات في الأسبوع الأخير، والتي اثبتت ان قيادة الذراع العسكرية ليست محصنة. وتم تقليص اطلاق الصواريخ، وقتل ما بين 800 الى 1000 مسلح خلال الحرب على غزة. ويقول مسؤولون كبار في الجيش ان غزة تلقت ضربة ستقود في النهاية الى هدوء طويل.

لقد تعرض بيني غانتس الى انتقادات من قبل اعضاء في المجلس الوزاري ورفاق في القيادة العامة، وجنرالات في الجيش الاحتياطي، الذين يقولون انه يوحي احيانا بأن ما يريده هو انهاء ورديته بسلام.

خطاب "شقائق النعمان" الذي دعا من خلاله سكان محيط غزة للعودة الى بيوتهم كان زائدا، ومن المؤكد انه يندم عليه، ولكن يجب القول انه خلال فترة غانتس، لم يتم بناء خطة متعددة السنوات لصياغة مستقبل الجيش. يمكن اتهام الحكومة بذلك، ولكن يجب القول انه لو كان غيره قائدا عاما للجيش لكان قد قلب الطاولة. وتمثلت النتيجة في تدهور الجيش. فعدد تدريبات الألوية الذي بلغ 20 تدريبا في السنة انخفض الى خمسة فقط، ولم تتدرب كتائب جنود الاحتياط، وتيبس سلاح المشاة خلال العمل العسكري طوال 10 أشهر.

صحيح ان القائد العام لا يتحمل كل شيء، ولكنه كان هو ويعلون من قادا مفهوم السماح بتقليص سلاح اليابسة، وعدم المس بتاتا بسلاح الجو والاستخبارات. وكلاهما لم ينجحا بإقناع رئيس الحكومة والوزراء بخارطة التهديدات الحقيقية قبل "الجرف الصامد"، في الوقت الذي جرت فيه صراعات مريرة بين وزارة الأمن ووزارة المالية. وفي هذه المسالة يتحمل الوزراء المسؤولية بشكل اكبر.

عمليات عميقة: لقد افتقدت حرب غزة الى أي عملية حربية باهرة، جريئة، والتي وإن لم تحقق الحسم، فانها تترك تأثيرا نفسيا ومعنويا هاما على العدو وعلى مواطني اسرائيل. وللمقارنة، خلال حرب لبنان الثانية، نفذ الجيش 23 عملية خاصة خلال 33 يوما، اما في الجرف الصامد فلم ينفذ الا خمس عمليات كهذه خلال 50 يوما.

لقد اجاد العدو قراءة الجيش والاستعداد كما يجب. عملية الكوماندوس البحري، مثلا، التي تمت خلال الأيام الأولى للحرب، تم احباطها من قبل حماس، فتراجع محاربو البحرية تحت وطأة النيران ولحسن الحظ لم يسقط قتلى. في الأسابيع الأخيرة وبتوجيه من يعلون، ترسخ نهج الجمود، وبات الجيش يعمل وفق "المزيد من الأمر ذاته": قصف جوي على أساس معلومات استخبارية. انه لا يغير طابع العمل حتى عندما لا يحقق اهدافه.

الاستخبارات: الانجاز الاستخباري الكبير تمثل في سلسلة عمليات الاغتيال الناجحة خلال الأسبوع الأخير، لقادة من الذراع العسكرية لحماس، الى جانب محاولة تصفية محمد ضيف. واثبتت تصفية المسؤول المالي في حماس انه لا يتمتع أي شخص بالحصانة، وان غيوم الموت تحلق فوق كل قادة حماس. صحيح ان هذا جاء متأخرا، ولكن الشاباك نجح بتوفير المعلومات التي ادت الى العمليات الناجحة لسلاح الجو.

في مجال المعلومات الاستخبارية التي وفرتها شعبة الاستخبارات العسكرية، حصل قادة الألوية على المعلومات بشكل مباشر، عبر اجهزة الحاسوب المتنقل، وهذا يعتبر ثورة حقيقية في ساحة الحرب. ولكن شعبة الاستخبارات اخفقت في المجال الاستراتيجي بشكل كبير حيث وفرت معلومات جزئية.

مع اختطاف الفتية الثلاثة، والخروج لتنفيذ عملية "عودوا ايها الأخوة" تكهنت الاستخبارات بأن حماس ليست معنية بالمواجهة، وتصرفت إسرائيل بناء على ذلك، فوجدت نفسها تجر نحو الحرب.

كما حدث شيء ما في موضوع الأنفاق، واما يتعلق الامر بشكل عرض الجنرال افيف كوخابي للموضوع، او بشكل فهم القائد العام للجيش ورئيس الحكومة ووزير الأمن. السيناريوهات التي عرضها كوخابي بالصور والتقارير كان يجب ان يترجمها غانتس الى خطة حربية ضد الانفاق، وتدريب القوات على المهمة وزيادة عدد الوحدات الهندسية المختصة بذلك. لكن ما حدث عمليا هو ان قادة الألوية وصلوا الى غزة واضطروا للاكتفاء بالحصول على الإشارة الى فتحات الانفاق وتلقي الأمر بالهجوم. وهكذا اختار كل قائد لنفسه طريقة العمل وتم استخلاص العبر اثناء الحرب. ودفع الثمن الكثير من الجنود بالدم.

لواء الجنوب: قائد المنطقة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان كان الشخص الذي انتبه عمليا الى خطر الأنفاق ودفع من اجل شن حملة برية ضدها قبل عدة أشهر، ولكنه لم يحصل على مطلبه الا قبل شهر. مع ذلك، عانت ادارة الحرب البرية من نواقص، احيانا على مستوى القيادة، واحيانا على مستويات ادنى. مقتل الجنود السبعة من كتيبة جولاني في المصفحة القديمة، ومقتل الجنود الخمسة في الموقع العسكري قرب ناحل عوز، ومقتل الجنود التسعة في مكان تجميع الجنود داخل منطقة تطالها قذائف الهاون، ومقتل الجنود الثلاثة من وحدة "اغوز" واصابة قائدهم بجراح بالغة، بعد ارسالهم للمحاربة بدون ادرع واقية، وكذلك موت ضابط وجندي في بداية المعركة داخل سيارة الجيب غير المدرعة، كلها اخفاقات عسكرية يجب فحصها.

القبة الحديدية: في قائمة النجاحات البارزة تقف القبة الحديدية في المقدمة، بفضل نجاحها باعتراض 90% من الصواريخ التي تم اطلاقها على مناطق مأهولة. وقد وفرت المنظومة للقيادة وللمجتمع الإسرائيلي طول نفس وانقذت حياة عشرات آلاف السكان. وكانت هذه المهمة ليست بسيطة، في ضوء تعرض إسرائيل الى 4382 صاروخا وقذيفة. وامام هذا التفوق قررت حماس تفعيل منظومة قذائف الهاون الناجعة اكثر من صواريخها. وحققت حماس انجازا معنويا ملموسا، عندما نجحت بطرد سكان الكيبوتسات المحيطة بغزة من بيوتهم، مقابل طرد إسرائيل لسكان الشجاعية وبيت حانون. وتحتل المرتبة الثانية في قائمة النجاح منظومة "معطف الريح" الخاصة بحماية الدبابات. وقد تم تفعيل المنظومة 15 مرة على الأقل وانقذت الدبابات من اصابات بالغة.

دروس: من المناسب استخلاص العبر الآن، من الاخفاقات والنجاحات والاستعداد للمواجهة القادمة التي ستندلع، كما يبدو، على الجبهة الشمالية. كخطوة اولى، يجب زيادة عدد بطاريات القبة الحديدية فورا. وعلى الجهاز الأمني تسريع استيعاب منظومة "العصا السخرية"، التي يفترض بها اعتراض آلاف الصواريخ طويلة المدى التي يملكها حزب الله. في مجال اليابسة يجب اعادة الجنود الى اقصى حد من الجاهزية، والتركيز على تدريب الجيش الاحتياطي كما يجب. بعد ذلك يجب الاهتمام بتدريع الدبابات بمنظومة "معطف الريح" والتزود بمصفحات مدرعة من طراز "نمير" والتي تم تجميد امتلاكها بسبب معايير مالية. صحيح ان التكاليف باهظة، تصل الى مليارات الشواقل، ولكن لا مفر امام الواقع والتهديدات المتزايدة. دولة اسرائيل ستضطر الى اجراء حساب مع النفس حول ما هو الأهم: جودة الحياة او الحياة نفسها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com