طفولة غزة ليس لها من اسمها نصيب، غير سنوات العمر، فالطفولة التي تميزها البراءة والعفوية سُلبت من أبناء قطاع غزة بفعل آلة الحرب، وطغت حياة القهر والحصار والجوع والتشرد على اللعب والمرح الذي يفترض أن يتمتع به أي طفل في العالم.

وتؤكد الإحصائيات الواردة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تموز الماضي بلغ 1950، بينهم 1354من الشبان المدنيين، و452 طفلا، و235 امرأة، فيما بلغ عدد جرحى العدوان 9897 مصابا بينهم 2878 طفلا، و1415إمرأة.

وبفعل الدمار الهائل الذي حل بمنازل المدنيين، فإن 485000 نازح باتوا في مراكز الإيواء أو عند عائلات مضيفة تبعد منازلها عن المناطق المستهدفة بشكل مباشر.

وتؤكد الإحصائيات أن عدد الأطفال المشردين بلغ نحو 25220، فيما بلغ عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي373000 على الأقل، نتيجة معاناتهم من الصدمة، أو لظهور أعراض الضيق المتمثلة بالأرق والأزمة والذعر والكوابيس واضطرابات الطعام، والعصبية، والاكتئاب، وغيرها...، علما بأن الدراسات تشير إلى أن 52٪ من سكان قطاع غزة تحت سن الـ(18).

وحسب ما ذكرت رئيسة المكتب الميداني الذي تديره منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في غزة بيرنيل إيرنسايد، فإن نحو 400 ألف طفل أصبحوا يواجهون مستقبلا "قاتما للغاية" بفعل الصدمات التي يواجهونها بفعل العدوان الإسرائيلي.

جراحات تنزف

ورغم تعدد أسباب الجرح أو الموت، فإن الألم واحد، ذاك الألم الموحد أصبح حديث كل أسرة وطفل في قطاع غزة، ويواصل خط حماية الطفل الفلسطيني (121) الاستماع لتلك الحكايات الموجعة من أناس عايش الآلام الحروب.

وتروي موظفة سوا ما استمعت له في إحدى المكالمات التي استقبلتها من غزة فتقول: "رن الهاتف، وما أن رفعت السماعة وقلت (سوا هلو) وإذا بطفل يجهش بالبكاء، وبعد عدة تنهيدات قال بصوت يرتعش..أنا عيلتي ماتوا كلهم، أنا ما إلي حدا، ما معي إشي كلشي كان بالدار لما قصفوها، مش عارف شو أساوي؟؟، أنا شو ضللي بعد ما خسرت كل أهلي؟!!!، كيف بدي أكمل حياتي؟"

مكالمة أخرى استقبلها خط حماية الطفل الفلسطيني في "سوا" من أب إذ قال: "بنتي عمرها 11 سنة بعد ما شافت الجثث في ثلاجات البوظة من التلفزيون، صارت تخاف تفتح ثلاجة مطبخهم، وبتقول ممكن اذا فتحت الثلاجة الاقي جثث اطفال فيها، وإذا حدا طلب منها تجيب اشي من الثلاجة بتصير تبكي كثير".

وينقسم الأثر النفسية على الأطفال إلى شقين:أطفال تأثروا بشكل مباشر بعد الحرب، من فقدان اهل، بيت، مأكل، مشرب، مكان آمن، الخوف والهلع المصاحب للحرب، وشق أخر تأثر من ناحية الحدث نفسه وهو ما يعرف بالصدمة، ويتجلى بالخوف، تبول لا ارادي، اضطراب، توتر، عدم تركيز، وغيرها.

وتحاول "سوا" التعامل مع كافة ضحايا العدوان لمعالجة آثار ما بعد الصدمة التي تعرف بـ"انكار الحادث"، وعدم التعامل مع الأزمة الناتجة عنه، ما يؤدي الى اختلال التوازن أو خلق تشويش نفسي لدى الضحية، وتتراوح العوارض من قلق مؤقت وخوف إلى اضطرابات طويلة الأمد، مثل القلق الشديد، الاكتئاب، والتراجع والانسحاب والغضب.

وتستمر الأعراض النفسية للحروب ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، وإذا ما تعدت تلك الشهور فهذا يعني أن الأعراض تحولت لمرض يحاجة لتدخل علاجي سريع ومكثف.

ومن المهم بمكان أن يتجنب الأهل أو من يحيطون بالضحية ترديد جمل مثل "من ايش خايف، خلصت الحرب، أو ما تخاف، عيب عليك تبكي..." والتي يكون من ورائها رسائل تُحمل الشعور بالذنب واتهام الضحية بما سببه العدوان أو مآسي الحرب.

ويعمل خط حماية الطفل الفلسطيني (121)، على مدار 24 ساعة طيلة أيام الأسبوع، لتقديم الإرشاد والدعم النفسي الأولي لمن يحتاجه، وخاصة ضحايا الحروب المتكررة على المدنيين، حيث قدم الخط الدعم والمساندة ل 3217 متوجه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة الى الآن. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com