تحت هذا العنوان يكتب البروفيسور ايال زيسر في "يسرائيل هيوم"، ان إسرائيل اعربت طوال الأيام الطويلة للقتال في غزة عن أملها بأن قادة حماس بعد خروجهم من المخابئ، فور صمت المدافع ووقف اطلاق الصواريخ، ومشاهدتهم لحجم الدمار الرهيب الذي اصاب قطاع غزة بسبب قرارهم الخروج لمواجهة إسرائيل، سيفهمون أنهم هزموا في المعركة وسيرتدعون بشكل حقيقي وعميق عن تجديد محاربة إسرائيل - ليس الآن، ولا خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

لكن ما حدث هو العكس تماما. فبعد اعلان وقف اطلاق النار، ووقوف قادة حماس، حتى اذا واصلوا الاختباء، على حجم الدمار، استنتجوا ان عليهم مواصلة اطلاق النار، حتى بشكل محدود ومكبوح. ولا يتحدثون بالطبع عن أي ندم على جرهم لسكان القطاع الى المغامرة الباهظة والمؤلمة، كما فعل حسن نصرالله بعد حرب لبنان الثانية.

كنا نعرف قبل عملية "الجرف الصامد" أن غزة ليست لبنان، وان قادة حماس ليسوا حسن نصر الله. ولكن يبدو أن سبب تجديد النار في غزة لا يرجع الى كون حجم الدمار ليس كافيا لردع حماس، وانما العكس من ذلك - فالضربة التي منيت بها حماس كانت يائسة الى حد لم يعد امامها أي خيار سوى التمسك بمسار المواجهة، الذي تحول الآن إلى صراع وجودي على مستقبلها كحركة تدعي قيادة الشعب الفلسطيني. عمليا، لم يتبق لحماس ما تخسره، ولذلك فهي تشعر أنها وقعت في فخ يحاصرها في ضوء المأزق الذي تواجهه: الاختيار بين العودة إلى وضع ما قبل اندلاع الصراع مع إسرائيل – والذي سيحافظ على سلطتها في غزة وعلى سلاحها، بينما سيبقى الحصار مفروضا على قطاع غزة، او العملية واسعة النطاق التي تدفع اليها إسرائيل ومصر لترميم القطاع مقابل نزع السلاح، وتدخل دولي واسع في ما يحدث في القطاع.

ان تسليم قادة حماس بالنتائج والعودة إلى الروتين الذي سبق العملية العسكرية، سيجعلهم يدخلون في مواجهة مع شعبهم في قطاع غزة، والذي سيطالبهم بتفسير سبب جرهم الى صراع يدفع ثمنه كل بيت وكل عائلة فلسطينية في غزة. ومن ناحية أخرى، فان الانتقال الى عملية سياسية – اقتصادية لإعادة بناء غزة على نطاق واسع، وسط تدخل عربي ودولي واسع، يهدد بوضع حماس بين المطرقة الاسرائيلية والسندان المصري، بينما ينتظر في الخلفية محمود عباس – مهما كان ضعيفا – الذي يأمل الاستفادة من إضعاف الدعم لحماس في قطاع غزة. سيما انه ربما تتزايد في الضفة مظاهرات التأييد لحماس والتحمس لإنجازاتها العسكرية - الحقيقية والخيالية خاصة - ولكن سكان غزة يعرفون الحقيقة وينتظرون بيأس الأمل والبديل، حتى لو كان بدون خيار آخر. وفي ظل غياب الأمل أو البديل، سيضطرون للعودة الى الاصطفاف تحت راية حماس.

ومن نقطة الانحطاط هذه تخرج حماس لخوض حرب البقاء التي تهدف إلى إجبار إسرائيل ومصر على تقبل ترتيبات تضمن استمرار سلطتها كحركة مسلحة تقود القطاع، وكل ما يحدث فيها - خاصة الترميم الاقتصادي – يتم حسب إملاءاتها. وليس لدى حماس في وضعها الحالي ما تخسره من تجديد اطلاق النار، سيما ان يوما آخر من القصف الإسرائيلي - المكبوح - لا يغير شيئا بالنسبة لرجالاتها. وهكذا فانها تستغل نقاط الضعف في الموقف الإسرائيلي: الاستعداد لتقبل استمرار سلطة حماس في القطاع والرغبة في العودة الى الروتين وانهاء الصراع. إسرائيل تواجه الآن معضلة مؤلمة: فإما تعمل على هزم حركة حماس وإسقاط سلطتها، وهي خطوة ممكنة عسكريا وسياسيا، لكن الحكومة والجيش غير معنيين بها، أو بدلا من ذلك، التوصل مع حماس الى ترتيب يمنحها فرصة لالتقاط الانفاس، بتكلفة يمكن لإسرائيل تحملها، على أمل انها حققت الردع خلال العملية العسكرية وانه يمكن لإسرائيل ومصر، من خلال عملية تدريجية، هزم حماس على ساحتها - الساحة الفلسطينية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com