يشتكي الجميع بشكل عام من الغلاء المعيشي والارتفاع المستمر في الأسعار إضافة للوضع الاقتصادي الصعب والمتأزم بشكل دائم والمخيم على أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

علاوة على ذلك، شهدنا العديد من التقارير الصحفية مؤخراً التي تصف فيها المواطن الفلسطيني وضعه الاقتصادي بالصعب من جهة، وعجزه عن شراء احتياجاته مع قرب الشهر الفضيل، في الوقت الذي يشتكي من جهة أخرى التاجر الفلسطيني من حالة الركود والكساد التي يعانيها السوق المحلي.

لكن ومن خلال الجولات المتكررة التي قمنا بها في عدد من أسواق الضفة، يتضح بان هناك حركة شرائية عالية جداً، وأن السوق يشهد انتعاشا قد لم يشهده خلال الأشهر القليلة الماضية، على الرغم من ان شهر رمضان المبارك قد بدأ قبيل صرف رواتب الموظفين بشكل عام.

وفي هذا التقرير، سيتم تسليط الضوء على حجم الفاتورة التي تصرفها الأسرة الفلسطينية خلال شهر رمضان، وحجم الربح الذي يجنيه أصحاب المحال التجارية والذين رغم تعليمات وزارة الاقتصاد الوطني بالالتزام بالأسعار، إلا أنهم عملوا وبشكل غير مباشر على رفع أسعار بعض السلع الأساسية مما زاد من نسبة أرباحهم.

100 دولار كل 3 أيام

خلال لقائنا بإحدى الأسر، متوسطة الحال، وهي من سكان مدينة رام الله، حاولنا أن نقدر مع ربة الأسرة والمسؤولة عن إدارة المنزل مالياً كم تنفق خلال شهر رمضان المبارك.

ففي البداية، تقول السيدة، ام احمد، (60 عاماً)، انها تدرك بشكل عام بانها تنفق خلال هذا الشهر أكثر من غيره، خاصة بسبب تحضيرها للعزائم والولائم والموائد الرمضانية لأولادها الستى مع عائلاتهم، الأمر الذي يكلفها مالياً.

وتضيف السيدة أم احمد في مقابلة مع "بكرا": إذا ما حسبنا كم انفق خلال هذا الشهر، فهو بمعدل 100 دولار كل 3 أيام خلال الأسبوعين الأولين للشهر الفضيل، فأنا أقوم بدعوة أبنائي الستة لتناول الإفطار عندي، كل على حدا، الامر الذي يكلفني مبلغاً من المال".

ومع حسابنا سوياً مع السيدة ام احمد، تكون قد أنفقت مع نهاية الشهر الفضيل حوالي الـ950 دولاراً أمريكياً فقط على الولائم والعزائم، دون التطرق لمصاريف عيد الفطر السعيد.

وتشير السيدة ام أحمد في الوقت نفسه، بان دخلها الشهري لا يتعدى الـ900 دولاراً أمريكياً فقط، وهنا تضيف: "بالعادة أقوم بتوفير جزءاً من المبلغ من دخل الشهر الذي يسبق رمضان، ومع انتهاء فترة العيد لا أبالغ بأنني أكون قد عانيت من أزمة مالية حقيقية".

الأسعار عالية وسأضطر للشراء

وفي إحدى الأسواق المركزية في مدينة البيرة، والذي يحاول فيه المواطن، عبد العزيز العيسه (42 عاماً)، إيجاد ما هو معقول ويلبي احتياجات أسرته مع بداية الشهر الفضيل، لم يستطع العيسه إخفاء امتعاضه من الاسعار المرتفعة التي يشهدها السوق.

ويقول العيسة في مقابلة مع "بكرا": لو أعلم بان الأسعار سترتفع هكذا لأمنت احتياجات أسرتي قبل بدء رمضان بأسبوع، كما ترين الأسعار عالية من أبسط وأصغر الأشياء إلى أكبرها".

وحول حجم انفاقه في هذا الشهر الفضيل يضيف المواطن عبد العزيز: "رغم أنني أحاول جاهدا تجنب شراء أية اضافات والاستمرار على نهج التسوق العادي، إلا أنني انفق بما معدله راتب ونصف خلال رمضان فقط، ومع العيد يتضاعف المبلغ، فلا استطيع أن أحرم أولادي من شراء الحلويات الخاصة برمضان على سبيل المثال، أو زيادة عدد الوجبات المقدمة خلال الإفطار".

المواطن يصرف اكثر من حاجته

وقبل ان نتركه، تساءل عبد العزيز عن دور وزارة الاقتصاد الوطني ودور لجان حماية المستهلك في منع هذا الاستغلال الذي يعانيه المواطن الفلسطيني.

لكن من جانبه، حمل القائم بأعمال الإدارة العامة حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، إبراهيم القاضي، المستهلك الفلسطيني المسؤولية الاولى حول زيادة الانفاق في شهر رمضان.

ويقول القاضي في مقابلة خاصة مع "بكرا": المستهلك هو ضابط الأمان في هذا الموضوع، فهو الوحيد القادر على التحكم بما يصرفه، فما نشهده هذا الشهر هو الإقبال المبالغ على عمليات الشراء لأمور تزيد عن احتياجاته واحتياجات اسرته، إضافة للمبالغة في إقامة العزائم والولائم الأمر الذي يؤدي بالتأكيد إلى إفراغ الجيب مع منتصف الشهر".

ارتفاع في الأسعار لكن معقول

وفي الوقت نفسه، لم ينفي القاضي بان هناك ارتفاع في الأسعار واستغلال من بعض أصحاب المحال التجارية، مؤكداً في الوقت ذاته استمرار الإدارة العامة لحماية المستهلك في عملها لمكافحة الارتفاع والتلاعب بالأسعار وضبط السوق.

ويشير إلى أن أسواق مدينة رام الله على سبيل المثال كانت اكثر ضبطاً والتزاما بما حددته وزارته بما يتعلق بالاسعار، فيما كانت أسواق مدينة البيرة الأكثر ارتفاعاً بالأسعار مع التأكيد على أن الارتفاع جاء لبعض السلع فقط قائلاً: "شهدنا على سبيل المثال ارتفاعاً في أسعار الدواجن والتي وصلت في بعض المحلات التجارية إلى سعر 17 شيكلاً للكيلو، وهو أمر غير معقول، وحررنا مخالفات لمن رفع السعر لهذا الحد وعلمنا على ضبط السوق".

زيادة الطلب عملت على زيادة السعر مع العرض

كما يوضح القاضي في الوقت نفسه بأن أحد الاسباب الرئيسية للارتفاع في الأسعار، هو زيادة الطلب على السلع والذي لم يكن موجودة في الأشهر التي سبقت رمضان.

ويضيف: "المواطن وبشكل لا إرادي تجده يشتري ضعف ما يحتاج أو يشتري ما لا يحتاجه أبداً خلال الشهر الفضيل، إضافة إلى انه يضطر إلى اتلاف العديد من المواد الغذائية التي لم يستهلكها وقد دفع ثمنها".

ومن أبرز البضائع التي زاد ثمنها بسبب زيادة الطلب عليها يقول المهندس إبراهيم القاضي: "أبرزها القطايف كونها من الحلويات الموسمية، ففي بعض المحال ضبطنا أصحابها يبيعون الكيلو منه بسعر 15 شيكلاً وهو أمر غير معقول أبداً".

استغلال المواطن سيستمر حتى العيد

ونوه القائم بأعمال الإدارة العامة لحماية المستهلك، جميع المواطنين والمستهلكين بضرورة توخي الحذر، مؤكداً بأن الأسعار ستبقى طور الارتفاع من الآن وحتى انتهاء فترة العيد قائلاً: "بدأنا حملتنا في ضبط السوق منذ الـ25 من شهر حزيران الماضي، ونقوم حالياً بعمل عشرات الجولات يومياً في أسواق المحافظات المختلفة لضمان عدم استغلال المستهلكين، وفي النصف الثاني من الشهر الفضيل سنركز عملنا على مراقبة أسعار السلع الخدماتية مثل الملابس والأحذية وألعاب الأطفال، أي الفترة التي ستسبق عيد الفطر السعيد".

التجار: من حقنا الكسب المضاعف في هذا الشهر

على الجانب الآخر، ورغم تجنب العشرات من أصحاب المحال التجارية من الحديث مع الصحافة، والكشف عن قائمة أسعارهم ونشرها بالإعلام، إلا أن جميع من صادفنا كان مرتاحاً من الحركة النشطة التي يشهدها السوق، وإقبال الناس المتزايد على عدد من السلع التموينية والخضروات والفواكة إضافة للحوم.

فأحد أصحاب محلات الخضار في منطقة الشرفة برام الله، والذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من تسليط الضوء عليه، خاصة في ظل حملات المراقبة التي تنفذها وزارة الاقتصاد الوطني وغيرها، أوضح لنا بأن شهر رمضان المبارك يكون بمثابة فرصة لهم لتعويض خسارتهم السابقة وتحقيق الربح، فهو الشهر الوحيد تقريباً في العام الذي يشهد هذا الإقبال على بضائعهم والتي تنفذ بسرعه.

ويضيف صاحب المحل في مقابلة مع الـ"حدث": لجميع من يشتكي من ارتفاع الأسعار أقول لهم بأن الأسعار مرتفعه دائماً، خاصة الخضروات، فمنذ بداية الصيف والأسعار آخذه بالارتفاع، لكن نسبة الاستهلاك لدى المواطن وعائلته يزداد مع هذا الشهر وبالتالي فإنه يشعر بالغلاء أكثر".

وحول ما إذا رفع بعض الأسعار لعدد من السلع يقول: "لم ارفع سعر بضاعه واحدة إلا بسبب ارتفاع سعرها من المصدر، وبكل الأحوال أؤكد بان الارتفاع طفيف للغاية وان جميع اصحاب محلات الخضار ومحلات السمانة رفعت الأسعار أيضاً".

لا تحسدونا فالركود سيعود بعد شهر

تاجر آخر وهو صاحب محل بضائع تموينية "سوبرماركت" في وسط مدينة رام الله، رفض إعطائنا اسمه الكامل واكتفى بـ"أبو عيسى"، استهجن الهجمة على أصحاب المحال التجارية في هذا الشهر، معتبرة بأن لكل منهة هناك فترة ذروة وبالنسبة له وزملائه فإن شهر رمضان هو ذروة عملهم.

وأضاف أبو عيسى في حديث مع "بكرا": "انا أقول لك وللجميع بأننا جميعا من أصحاب محال خضار وتموين ولحوم ودواجن رفعنا الأسعار لكن بشكل بسيط مؤخراً، فهناك اقبال شديد على الشراء في هذه الأيام وهي بالنسبة لنا هذه فرصة لتحقيق ربح لا نحققه طوال العام".

ويشير أبو عيسى في الوقت نفسه، بأنه يتكبد شهرياً خسائر مالية جراء كساد بضاعته، خاصة غير الأساسية قائلاً: " في كثير من الأحيان ومع نهاية كل شهر أكتشف بأنني لا أدخل شيكلاً واحد من الأرباح، وهناك الكثير من البضائع التي اتلفها بسبب انتهاء صلاحيتها وعدم اقبال الناس عليها، اعلم بأن الأزمة المالية سبب في ذلك، لكن في رمضان الجميع يركز على العزائم والطعام، هي فترة ذهبية لنا لتعويض خسائرنا المالية".

المصدر لم يرفع السعر ويجب تفعيل العقوبة

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذل من عده جهات لضمان حماية المستهلك الفلسطيني من التلاعب به وبالأسعار، إلا أن العديد من التجار استطاعوا التحايل على ذلك بطريقة أو بأخرى.

فمن جانبه، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، بأنه لا يوجد هناك ارتفاع للأسعار من المصدر حتى الآن، وبالتالي ما يقومه بعض التجار من رفع للأسعار هو مخالف للقانون.

ويضيف هنية: "أدعو القضاء الفلسطيني إلى تفعيل الإجراءات القانونية الرادعة ضد بعض من يتلاعب بالأسعار وحتى مروجي الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية".

هذا ويؤكد هنية في الوقت نفسه بأن جمعيته وبالتعاون مع وزارة الاقتصاد الوطني والغرف التجارية والاتحادات الصناعية من أجل حماية المستهلك وترشيد الاستهلاك وتشجيع المنتجات الفلسطينية، يتعاونون سوياً لمكافحة زيادة الأسعار قائلاً: "بشكل عام يعد التجار صمام الامان للسوق الفلسطيني ونأمل أن يحافظوا على السعر العادل وعدم رفع اسعار السلع الرمضاني بصورة مفاجئة".

حضر قائمتك قبل النزول للسوق

مع عدم التزام بعض التجار بالسقف السعري، وربما صعوبة ضبط جميع المحلات التجارية، يبقى المواطن الفلسطيني هو المسؤول الأول عن إنفاقه المبالغ فيه خلال شهر رمضان، خاصة وأنه يضطر في كثير من الأحيان إلى إتلاف ما يزيد لديه من حاجيات اشتراها ولم يستعملها.

وهناك نصائح كثيرة قد تطرح على المستهلكين والمواطنين لتجنب الإنفاق المبالغ في شهر رمضان، والذي هو أساسا شهر الخير.

فمن جانبها، تشير مسؤول الإرشاد والتوعية وأمين سر جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، السيدة رانيا الخيري، بأنه وبشكل عام يتغير نمط الاستهلاك للصائم في رمضان، مشددة في الوقت نفسه بان على كل مواطن الابتعاد أولاً عن شراء ما لا يلزمه وما لا يستعمله بالاشهر العادية.
وتضيف الخيري في مقابلة مع "بكرا": أول نصيحة نوجهها للمواطن هي، إعداد قائمة مشتريات في بداية رمضان أو في كل مرة يقصد فيها السوق، فهي الطريقة المثلى لتجنب شراء ما يلزمه إضافة لان المواطن سيقدر بشكل مسبق كم سيدفع من المال".

الصيام والرغبة بالطعام تدفعك للشراء أكثر

من العوامل الأخرى التي تسردها مسؤول الإرشاد والتوعية في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، والتي تعد احد اسباب الاستهلاك المبالغ فيه برمضان، هو إجراء عملية التسوق في وقت متأخر من النهار، وهو الوقت الذي يغلب على الجميع التعب والجوع، الأمر الذي يؤثر وبشكل سلبي على عملية الشراء مضيفةً: "من جولاتنا وملاحظاتنا، نرى بان من يتسوق قبل الافطار بقليل مستعد لان يملئ عربه التسوق ببضائع لا تخطر بباله وسيندم عليها في اليوم التالي، فالصيام والجوع يؤثر على أخذ القرار عند الشراء بشكل كبير."

وتشدد رانيا الخيري على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار جودة كل منتج وسعره قبل شراءه، كذلك البحث عن المنتجات في أكثر من محل تجاري وعدم اعتماد محل واحد، وذلك لتجنب التلاعب بالأسعار قائلةً: "عندما يقوم المستهلك بإعداد قائمة مشترياته بشكل مسبق فهو سيقدر كم سعر كل منتج وجودته ايضاً، الأمر الذي سيساعده في تحديد ميزانيته خلال شهر رمضان المبارك".

المواطن المسؤول الاول عن تحديد الأسعار

ورغم جميع الإرشادات التي تقوم بها وزارة الاقتصاد الوطني وجمعية حماية المستهلك، إلا آن السيدة رانيا الخيري تؤكد بان المواطن الفلسطيني هو المتحكم الأول في أسعار السلع وسبب ارتفاعها قائلةً: "عندما يرفض المستهلك ارتفاع سعر سلعه ما فهو يقاطعها، وحينها يرضخ التاجر لتخفيض الأسعار لتصريف بضاعته، وبالتالي فإن المسؤولية الأبرز تقع على عاتق المستهلك".

قروض لتجنب العجز المالي برمضان

وحول حجم صرف المواطنين خاصة الموظفين خلال الشهر الفضيل، تشير الخيري: "برأي الشخصي فأنا أجزم بان كل موظف يصرف ما معدله راتبين ونصف الراتب خلال رمضان فقط، كما ان هناك العديد منهم يعتمدون على اخذ قروضاً صغيرة قبل رمضان وذلك لسد أي عجز مالي يمرون به خلال الشهر وفي عيد الفطر بالتحديد".

وتقول الخيري بانه بالإمكان تجنب ذلك وتجنب أي مصروف اضافي في حال وجود تخطيط مسبق وتحديد للميزانية قبل الدخول بالشهر الفضيل، كما نوهت إلى ضرورة الإطلاع على النشرة الارشادية التي تنشرها الجمعية لضمان نمط استهلاكي سليم.

وتنهي السيدة خيري حديثها بالقول: "رمضان كريم وهو شهر الخير صحيح، لكن علينا ألا نجعله شهر الكلفة العالية لدرجة تجنب الناس قدومه فيما بعد، دعونا نتعامل معه مادياً كأي شهر آخر، حتى لا نصاب بأزمة مالية في الشهر الذي يليه خاصة في ظل أوضاع اقتصادية عامة صعبه، لا نعلم معها ما اذا كانت رواتب الموظفين ستصرف أم لا".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com