كثير من النصائح التي نوجهها لمن يتابع سلسلة المقالات التي ننشرها منذ سنة في موضوع ترشيد الاستهلاك يصعب تطبيقها في ارض الواقع ليست لصعوبتها ولكن لأنها تصطدم بقناعات وعادات.. هذه القضية لا تخص فقط المجتمع العربي في البلاد، فهي ظاهرة انسانية معروفة.. التغيير يصطدم بقناعات وعادات.. والتخلص من العادات والقناعات يكون أمرا مؤلما وصعبا ويحتاج إلى جرأة لأن الإنسان في كثير من الأحيان عندما يتخلص من العادات فإنه سيظهر مختلفا عن مجتمعه مما يشكل ضغطا اجتماعيا لكي يقبع في مكانه ولا يتغير.
في الصين وعلى سبيل المثال فإن لدى القرويين عادة اهداء الهدايا لبعضهم بشكل ملحوظ، ويرون في ذلك واجابا متبادلا وتعبير عميق الكرم والمودة. وهذه الهدايا لا تعطى بالضرورة في مناسبات محددة بل يفاجئ أحيانا أحدهم الآخر!. ويقال أن هذه العادة تحولت في السنوات الأخيرة إلى عبئ اقتصادي ثقيل على عاتق العائلات. في احد الأبحاث الذي تم اجراؤه في السنوات 2005-2009 في ثلاث قرى صينية فقيرة وجد أن الميزانية العائلية المخصصة للهدايا ارتفعت ب 45% خلال هذه السنوات، بالمقابل فإن معدل الدخل ارتفع فقط ب 10%.
ان ارتفاع الدخل الناجم عن النمو الاقتصادي في الصين ادى بالمواطنين الى أن ينطلقوا في منافسة في منح هدايا لم يكونوا ليشتروها لأنفسهم. لذلك فإن البحث يشير إلى أن معدل الإنفاق على الغذاء قد تراجع بنسبة 10% في نفس هذه الفترة.. عائلات اخرى اضطرت حتى تتمكن من مجاراة هذا السعار وهذه المنافسة الشديدة الى التنازل عن منتجات اساسية أخرى! مثل التدفئة والملابس، حتى أن المرضى وكبار السن والنساء الحوامل قد تنازلوا عن ادوية واشياء اخرى الأمر الذي يشكل خطرا على صحتهم! ويقال أيضا انه في الفترات التي يكون فيها مناسبات فإن نسبة نفقات العائلات على الهدايا من مجموع نفقات العائلة تصل الى أكثر من 50%.
السلوكيات الاقتصادية مثل تلك التي ذكرناها قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى مشاكل في الحياة الزوجية خصوصا اذا لم تتوافق العادات الاستهلاكية للزوجين، وفي كثير من الأحيان تؤدي إلى طلاق.. 70% من الخلافات الزوجية اساسها يعود إلى عدم توافق ادارة الشؤون المالية للأسرة وأحيانا تؤدي إلى خيانة زوجية! لا أقصد بالخيانة الزوجية في الفراش وانما في المشتريات! حيث يخفي احد الزوجين كثير من المشتريات التي يقوم بها عن الزوج الآخر.
في بحث جديد اجري في أمريكا تبين أن ثلث الأزواج يقومون بخداع ازواجهم في كل يتعلق في يتعلق بحجم المشتريات التي يقومون بها.. والثلث الثاني صرح أنه تعرض لخداع من شريك حياته في كل ما يتعلق بحجم المشتريات التي يقومون بها.
في الأخير يجب أن ننتبه إلى الأمور التالية في كل ما يتعلق بسلوكنا الاقتصادي، أولا التغيير يعني الاصطدام بعادات وقناعات لذلك فهو صعب في البداية لكنه مجدي في الأخير. ثانيا، كثير من العادات الاستهلاكية التي تسود في المجتمع هي عادات خاطئة ووجود الكثيرين ممن يقومون بها لا يمنحها مصداقية. ثالثا، يجب أن يكون هنالك تنسيق وشفافية في كل ما يتعلق بالإدارة المالية للأسرة تفاديا لكثير من المشاكل الزوجية التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى الطلاق.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق