بإنتهاء التسعة أشهر المقررة للمفاوضات الفلسطينية وألإسرائيلية بالإنسداد السياسى ، والتى كان يأمل من خلالها وزير الخارجية كيرى بالتوصل لإطار إتفاق يضع ألأسس والمبادئ العامة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، وبرفض إسرائيل لإلتزام بتنفيذ ما تم الإتفاق ليه عند إستئناف المفاوضات من إطلاق سراح الدفعة الرابعة من ألسرى الفلسطينيين ، مما دفع الرئيس عباس إلى إرسال رسالة قوية لم تنتظر غنتهاء الفترة المقررة وهى نهاية الشهر الجارى بالتوجه للخيار الدولى ، وفعيل دور الدولة الفلسطينية وتحولها لدولة كاملة ، وهو ما يعنى تغيير قواعد اللعبة التفاوضية التي إعتادت إسرائيل علىفرضها لي الجانب الفلسطينى ، مفاوضات من دون تسوية سياسية وصولا إلى فرض الأمر الواقع كحالة تفاوضية نهائية .

وبمقاييس النجاح والفشل يمكن القول إن إسرائيل نجحت في الإستفادة الكاملة من المفوضات في عمليات الإستيطان وتعميق حالة الإنقسام ، و المفاوضات قد فشلت فلسطينيا فى تحقيق ألهدف ألاساس منها وهو انهاء الصراع العربى ألأسرائيلى ، وذلك بقيام الدولة الفلسطينية والقبول بتسوية سياسية لكل القضايا الرئيسة المكونة للقضية الفلسطينيين كاللاجئيين والقدس والمستوطنات ، وبتسوية توفر لأسرائيل أمنها وبقائها الذاتى بالأعتراف بها وبإقامة علاقات عاديه بينها وبين الدول العربية ، وهذا ما جاءت به المبادرة العربية كموقف عربى غير مسبوق . ففى نزاع مركب شامل يتعلق بأهداف ومتطلبات وجودية لا بد من التسوية الشامله ، وإلا ستبقى بذور الصراع قائمه، وهو ما يعنى فشل أى تسوية سياسية والمفارقة في الموقفين الإسرائيلى والفلسطينى أن إسرائيل لم تتخلى عن خياراتها الخرى كخيار القوة والتهويد وألإستيطان، أما الفلسطينيين فبقوا متمسكين بخيار المفاوضات كخيار لا غنى عنه ، وجمدوا العمل بخياراتهم ألخرى وأهمها خيارات الشرعية الدولية. .

وعند الحديث عن أسباب الفشل لا بد من الموضوعية فى تحديد أولا خصائص الصراع وطبيعنه وماهيته ، ودور ومكانة ألأطراف المختلفة من هذا الصراع ، وطبيعة العلاقات بين أطرافها . وفى هذا السياق يمكن تحديد أولا قلب الصراع والذى يتحدد بالطرفين الفلسطينى وألأسرائيلى ، ثم الدائرة ألأقليمية والتى تتحدد بالدور العربى ودائرة الدول المجاورة كإيران وتركيا الباحثتان ن دور إقليمى على حساب الدور العربى بوابته فلسطين. ، ثم اخيرا الدائرة الدولية ، وهنا الحديث عن المسؤولية الدولية ، ومسؤولية الولايات المتحده المحتكرة للملية التفاوضية . .

المسؤولية وتحمل ألأسباب قد تتفاوت من طرف لآخر ، لكن تبقى مسؤولية أسرائيل والفلسطينيين هى المسؤولية المباشرة وغن إختلفت معنى المسؤولية فلسطينيا وإسرائيليا ، مسؤولية الفلسطينيين في التمسك بالمفاوضات دون رؤية تفاوضية مما منح المفاوضات شرايين الحياة ، وإسرائيل التي قد أجهضت المفاوضات من مصداقيته كوسيلة تفاوض وتسوية لتحولها لوسيلة إبتزاز. ، وإن بقيت مسؤولية أسرائيل هى ألأساس ، أولا لأنها سلطة أحتلال ، وهى التى ترفض قيام الدولة الفلسطينية حتى ألأن ، وهى المتحكمة فى كل خيوط أى تسوية سياسية ، بمعنى أن أسرائيل تملك وتتحكم فى العوامل المادية والجوهرية لأى تسوية .

والسؤال هنا ينبغى أن يكون واضحا وقاطعا ماذا تريد أسرائيل ؟ واى سلام تتحدث عنه ؟ هل هو السلام الذى يفرضه ألأحتلال وموازين القوة ؟ أم السلام الذى يفرضه وجودها كدولة والمستلزمات والحاجات ألأساسية لهذه الدولة من بقاء وعلاقات عادية ورفاهية لشعبها دون خوف ؟مشكلة أسرائيل أولا أنها ينبغى أن تتحرر من عقدة الخوف من البقاء ، وعقدة ألأمن ، وأن تتحرر من القيود ألأيدولوجية الصارمة للصهيونية والتى ما زالت تتمسك بالمفاهيم ألكبرى لأسرائيل . وأن تتحرر أيضا من عقدة ألأمن لأن ألأمن الحقيقى لا يمكن أن يكون احاديا ولا يفرض بالقوة ، ويأتى بالتعايش والقبول المشترك ، ومن خلال مقاربة أمنية واسعة . . هذه بدايات لابد منها لأى عملية سلام قابله للتوقيع والتطبيق

. أن تحدد أسرائيل حاجاتها ألأساسية فى ألأمن والبقاء ، وعلى الجانب ألآخر أن يتعامل مع هذه الحاجات بمنظور تكاملى تبادلى واقعى .أسرائيل تعاملت مع الفلسطينيين كمن يضع على عينيه سدا عاليا يعتقد أن هذه ألأرض لا يوجد عليها بشر رغم علمه بعكس ذلك بل أنه يعيش وسط شعب فلسطينى كامل لم يعد بمقدور إسرئيل إستئصاله من أرضه أو تهجيره ، بل عليها أن تعترف به كحقيقية سياسية قومية وليس مجرد رقم سكانى ، وكأن ألأرض خاوية يستوطنها من يشاء ، وتتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم مجرد حفنة قليلة من البشر ليس لها حقوق ، وأنها قد جاءت من كوكب آخر . هذه المدركات والتصورات ألأيدولوجية والدينية هى التى أوصلت أسرائيل الى حالة من فقدان ألأمن والقلق على بقائها وسياسة عمى البصيرة وقراءة التاريخ قراءة معكوسة ، أين الإمبراطوريات والدول الكبرى ؟ ، أستمرت فى سياسة ألأحتلال ، وممارسة القوة ألى أن فتحت عينها لتجد نفسها امام شعب له حقوق وأرتباطات تاريخية بالأرض التى يعيش عليها منذ آلاف السنيين، وان هذا الشعب لا بديل له ألا البقاء على أرضه وممارسة حقوقه ، ولذلك جاء إدراك اسرائيل بالدولة الفلسطينية متأخرا ، ومع ذلك ما زال هذا التصور تحكمه نفس المدركات والتصورات السابقة ، وطالما بقيت أسرائيل تعيش فى هذا ألأطار ألأيدولوجى الصارم ، فستبقى دولة تعيش فى هاجس ألأمن، والخوف من ألأندماج مع ألأخرين . وستبقى عقدة البقاء تحكم سلوكها السياسى. . أسرائيل تملك أوراقا تفاوضية كثيره اهمها قيام الدولة الفلسطينية ، فلا يكفى ألإعتراف بوجود سشعب دون ألأعتراف بان هذا الشعب له حقوق معترف بها دوليا. هنا تقع مسؤولية أسرائيل فى أنها تريد تسوية سياسية بلا حقوق للفلسطينيين .

الفلسطينيون قد تقع عليهم مسؤولية ، لكن هذه المسؤولية تغيب أزاء ما قدموه من تنازلات جوهرية ومادية أهمها تنازل ألأعتراف بإسرائيل ، والثانى تنازل ألأرض بقبولهم بدولة فى حدود الرابع من حزيران 1967 ، وما قدموه من تنازلات مرنة حتى فى قضايا جوهرية مثل اللاجئيين والقدس. لكن مسؤوليتهم قد تقع فى أنهم لم يقرأوا مسار الصراع بطريقة سليمة ، ولم يتعاملوا معه بواقعية أكبر ، ومسؤوليتهم فى عدم قدرتهم فى التعامل مع مكونات القضية بطريقة فاعلة شامله ، ومسؤوليتهم فى وقوعهم فى سياسات المحاور ألإقليمية والدولية ومسؤوليتهم في الإستمرار في ألإنقسام وإنتهاج سياسة تصيد الخطأ بل والفرح له/ بمعنى إن فتح وحماس تنتهجان هذه السياسة. .وعليهم مسؤولية فى أنهم مطالبون أن يكونوا مبادرين لرؤى سياسية مستقبلية للصراع . وأن هناك وقائع سياسية على ألأرض لا يمكن تجاهلها .

أما المسؤولية العربية فقد تتلخص فى العجز وعدم القدرة العربية على فرض رؤيتهم للسلام ، وتوظيف عناصر القوة التى يمتلكونها فى التاثير على الدائرة ألخارجية ، فالقطرية العربية ,ألأنكفاء حولها ، وتراجع القضية الفلسطينية فى أجنده السياسات القومية ، حيث لم تعد قضية قومية عليا ، وتجزأة السلام العربى بقيام علاقات منفصله مع أسرائيل وضعف المبادرة العربية وعدم الآليات اللازمة لجعلها مبادرة على الأرض ، وحالة التشرذم العربى وأتباط دوله بسياسات دول أقليمية مجاورة ودولية ، وضعف أنظمة الحكم العربية لما تعانية من مشاكل داخلية تجعل مستقبلها هو ألأولوية ، والتحولات فى موازين القوى لصالح دول أقليمية مجاورة كايران وتركيا ,اسرائيل ، وجاءت ثورات التحول العربى لتزيد من تراجع القضية الفلسطينية ، وعلى مزيد من إهانة المواطن الفلسطينى. وكل هذا افقد الدور العربى قدرته على التأثير ، لأن السلام وتسوية القضية مصلحة عربية ، ولذلك مطلوب دور عربى اكبر وأكثر فاعلية فى أتجاه اسرائيل وفى أتجاه الولايات المتحده .

اما المسؤلية الأساسية فتقع على الولايات المتحده لأكثر من سبب أولا انها قد احتكرت عملية التسوية لنفسها ، وأقصت دور اللجنة الرباعية ودور ألأمم المتحده ، والدور ألأوربى . ,ثانيا أنها ما زالت أسيرة محددات السياسية ألأمريكية الداخلية وضغوطات اللوبى الصهيونى وعملية ألأنتخابات ، وفقدانها لرؤية شامله لعملية السلام ، وحتى وإن توفرت هذه الرؤية تأخذ الجانب والرؤية ألسرائيلية ، وهذا التحيز أفقدها المصداقية لدورها , وما زالت تستهل دور أدارة الصراع بدلا من حله . وهذا ما يفسر فشل زيارات جون كيرى العديدة ، انا لا أشك أن لديه رؤية للحل ، لكن ليست لديه قدرة على فرضها.

مسؤولية الفشل شامله لكنها متفاوتة فى درجاتها ، وحيث ان القضية متعدده ألأبعاد وألطراف والمتغيرات ، فتحقيق السلام ونجاح المفاوضات لن يكتب له النجاح دون تحمل كل طرف مسؤوليته ، وأدراك حدود دوره وخصوصا أسرائيل والولايات المتحده ، وذلك بعد أستعداد العربى والفلسطينى بالذهاب بعملية المفاوضات والسلام الى أبعد حدودها وأمكاناتها . وبدون هذه السمؤولية الشامله ستبقى عملية السلام ، لأنه لا يعقل أن يترك الفلسطينيون وألأسرائيليون لوحدهم على طاولة مفاوضات تحكمها علاقات غير متكافئة بين طرفى الصراع ، علاقة بين سلطة محتلة ، وشعب يقع كله تحت ألإحتلال . والخطوة ألأولى فى نجاح المفاوضات ,أستئنافها أعادة التوازن فى العلاقة التفاوضية الفلسطينية ألأسرائيلية . وان يغير الفلسطينيون قواعد اللعبة التفاوضية مهما كان الثمن السياسى الذي قد يدفع ، فالعبرة في النهاية بالثمن السياسى النهائى
وليس الثمن الذي يدفع ألآن.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com