كنت أسوق سيارتي وسط فوضى الدار البيضاء وصخبها. توقفت في إحدى إشارات المرور. طفل جاء يمسح زجاج سيارتي بمنديل كالح ويطلب مني درهما أو اثنين في المقابل. أشرت برأسي أن لا، طالبة منه أن يتوقف عن مسح الزجاج، واستأنفت شرودي اللامبالي واستمتاعي بالألحان المنبعثة من الراديو.

مشهد عادٍ نعيشه باستمرار في الدار البيضاء. مشهد روتيني. تافه إلى حد ما. أطفال يبيعون المناديل الورقية، يمسحون زجاج السيارات، أو يطلبون صدقة. مر علي زمن كنت فيه "أساعدهم" بشراء بعض ما يعرضون وإن لم أكن بحاجة له. ثم صرت أتبرم من كثرتهم وأقول بأن علينا "أن نعلمهم اصطياد السمك لا أن نعطيهم سمكة"… لكن أحدنا لم يعلمهم يوما اصطياد السمك. وظلوا يعيشون على فضلات أسماكنا وعلى ما تبقى لنا من الجود والكرم، حسب مزاجنا. حسب إحساس اللحظة.

لكن المشهد استوقفني يومها. استغربت موقفي غير المهتم. استنكرت لامبالاتي. شباب وأطفال ولدوا خطأ ويعيشون خطأ لمجرد أن الوالدين في يوم من الأيام، تماما كآبائنا ربما، قالوا بأن الأطفال زينة الحياة الدنيا. وفي لحظة عنف، في لحظة حقد، في لحظة طيش، في لحظة غضب، لفظهم البيت الأسري إلى العالم ليعيشوا على هوامشه.

مشاهد كهذه، نمر بها يوميا دون أن تلفت أنظارنا. مشاهد تجعلني أرفض كل العبارات الجاهزة التي نسمعها يوميا: الظروف الاجتماعية، الفقر، "اللي تزاد يتزاد برزقه" (كلُّ يولد برزقه)، التضامن.

ونحن نمر كل يوم أمامهم، نبخل عليهم حتى بالكلمات ونشير بأيدينا فقط، طالبين منهم أن يتوقفوا أو متكرمين ببعض الدراهم... نجلس بعد ذلك في مكاتبنا المكيفة أو في مقهى أنيق نتحدث عن الظروف الاجتماعية التي قادت هؤلاء الأطفال أمام مواقف المرور وعن الحلول الكفيلة بحل هذه المعضلة الاجتماعية. نتحدث عن مسؤولية الدولة وعن دور المجتمع المدني.

وحين يعم الليل، نأوي لأفرشتنا الدافئة ونترك لهم الشارع والعالم بأسره...

* سناء العاجي، صحفية مغربية

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com