لو سألوك عن الديمقراطية قلهم فيها منافع كتيرة قوي. بس في مصر أثبتت التجربة بالدليل الحاسم إن مساوئها أكبر بكتير من منافعها. المصريين بطبيعتهم شعب مش ديمقراطي، بيؤمن بسلطة الأب في البيت، المدرس في المدرسة والحاكم في الدولة. بيحبوا، أو بالأحرى اتعودوا، إنهم يريحوا دماغهم ويسيبوا كل حاجة على المسئول.

ولما ثورة يناير طمعتنا إن هيبقالنا رأي و كلمة والدنيا تمشي -إلى حد ما- على حسب قرارتنا، تمادينا فيها بأه وزي ما نكون ما شوفناش ديمقراطية قبل كده. شوف كام استفتاء على كام دستور على كام مرة نزلنا وقفنا في طوابير ولغوصنا صوابعنا وعملنا نفسنا قال إيه بنقرر مصير البلد.

لكن بعد 3 سنين من هذا الكورس الديمقراطي المكثف، والعرس الديمقراطي المحتفى بيه، رجعنا زي لعبة دوخيني يالمونة وعدنا للمربع واحد. بعد إعلان غير مفاجيء الأسبوع ده أصبح من الواضح إننا في طريقنا لوضع ديمقراطي مميز تفاصيله هي إن هيبقى عندنا حاكم من خلفية عسكرية (تاني) وانتخابات فيها مرشح واحد (تاني)، ويمكن يكون جنبه واحد كمان ماعندوش أمل (كالعادة)، ونص الشعب بيبص لنص الشعب التاني على إنه هيوديه في داهية والنص التاني بيبص للأولاني على إنه بيدور على مصلحته الشخصية مش مصلحة البلد.

أما عن وسائل الإعلام من تلفزيون وصحافة وكلأولى الأمر وأصحاب الكلمة في البلد، فاجتمعوا على إن الفيلم الهندي ده هو أزهى عصور الديمقراطية اللي مرت بالبلد. الحقيقة هو الواحد صعبان عليه وهو بيقول الكلام ده بس يبدو من اللي بيحصل حوالينا إن المشكلة مش بس من فوق، مش بس من اللي قاعدين على كراسي الحكم، إذ يبدو برضه إن الوحيد اللي كان فاهم البلد واللي عايشين فيها، هو اللي قال من حق المصريين إنهم يمارسوا الديمقراطية، بس السؤال إمتى المفروض نسمحلهم بكده؟ أو كما قال بإنجليزيته الرديئة but when ?.

أصلا من زمان والواحد مش مقنع إن اللي بيحصل في مصر يمكن يسمى ديمقراطية، اليمقراطية في إيدين شعب أكتر من نصه جاهل فعليا وأكتر من النص التاني يتمتع بوافر من قلة الوعي، بتبقى زي الطفل الصغير اللي بيلعب بمسدس أبوه وما تعرفش بأه وقتها العواقب هتبقى إيه. يعني أولاً الأغلبية العظمى من اللي بيشاركوا في العمليات الاننتخابية فوق الـ60 سنة. غالبا مش هيستمر بيهم العمر عشان يشوفوا اللي عملوه فينا بأصواتهم وهنشربها إحنا ولا عندهم وعي كافي بمشاكلنا إحنا اللي بيطلقوا علينا أجيال الشباب المتهور.

ثانياً الناس اللي بتقف تحفظ نفسها في الطوابير يعلموا على الهلال والا الجمل ويقفوا قدام الصندوق ويطلبوا من حد يكتبلهم إسمهم عشان ما بيعرفوش يقروا ولا يكتبوا، بينتخبوا ناس مش أكتر منهم ثقافة بكتير عشان يحددوا مشروعية قوانين زي نقل الأعضاء أو تعريف للموت الدماغي أو الإكلينيكي، وحاجة البلد لميزانية للبحث العلمي في حين إن هم فعليا عندهم مشكلة في تمييز الألف من عصاية الآيس كريم.

ثالثاً كل القوانين الخاصة بأقلية ما اللي بيضعها وبيتشاور عليها ناس مش فاهمين أساسا إيه اللي ناقص الأقليات دي ولا بيحاولوا يسمعوهم، يكفي إن قانون للتحرش (الظاهرة اللي احنا مفضوحين بيها في كل حتة ) بقاله 20 سنة مش بيصدر لأن كل مرة بيناقشه أعضاء مجلسي الشعب والشورى من الخناشير الي مصممين إلى الآن ينفوا إن فيه حاجة اسمها تحرش أصلاً.

رابعاً شعبك الشعب العاطفي الحنون اللي أي حد بينزل قدامه دمعتين أو تطلع عليه إشاعة إنه متدين وبيصلي الفرض بفرضه أو محترم عمره ما ارتشى أو مربي ولاده كويس ومطلعهم دكاتره ومهندسين، عنده استعداد ينتخبه فورا دون النظر لمؤهلاته أو قدرته على تحمل مسئولية أي منصب خطير. هتقولي مش ذنب كبار السن إن الشباب ما بينزلوش للتصويت ولا ذنب أعضاء مجلس الشعب إن الجمعيات النسائية مثلاً صوتها مش عالي كفاية فمش مسموع ولا ذنب غير المتعلمين إن الدولة بتهمل تعليمهم، ولا تقدر تعيب على العاطفيين عاطفيتهم، أقولك متفقة معاك، ولحد ما ده كله يحصل يبقى ليه بنمثل على بعض ونعيش تمثيلية أزهى عصور لديمقراطية وصندوق الانتخابات والرقص قدام اللجان والمجالس النيابية الصورية، والأهم عايشين كدبة إننا على بعد فركة كعب وننافس دول العالم -أستغفر الله العظيم- المتقدم؟

كلامي مش باقوله عن يأس ولا استسلام، لكن عن اعتراف بالواقع، لسه قدامنا سكة طويلة قوي على ما نقدر نقعد ونتنفخ ونفخر بنفسنا ونقول ديموقراطية ودولة ونظام وانتخابات رئاسية وإرادة شعبية، مش دعوة برضه للاحتفاء بالفاشية والاستبداد والاستسلام ليهم، لكنه دعوة إننا نتصرف ونتكلم بالراحة شوية على نفسنا، ونعترف قدام نفسنا وقدام العال إن إحنا بعيد قوي يا جماعة. ولو ماخرجناش من مولد الفخر والتظاهر بالقوة ولعب وتصديق المسرحية اللي احنا عايشينها دي، مع الوقت هننسى إن احنا حاليا ولاحاجة وإن لسه المشوار قدامنا طويل، ويوم ما ننسى خالص كده، هتبقى ليلتنا سودة إن شاء الله!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com