إنّ أوّل خطوة لمصادرة الأرض، والهويّة الوطنية تبدأ من تبنّي الخطاب الطائفي التفريقي بين أبناء الشعب الواحد، هو الخطاب الذي يحمل في طيّاته التناقضات الواسعة والمفارقات السلبيّة ليوم الأرض الخالد، ففرض وحدة القطيع وتسيير مسيرة قطريّة تلزم القيادات جميعها - بما في ذلك رضوخ قيادات الحزب الجبهة الجماهير بأن نتبنّى شعارات موحّدة - على الأقل الكثير منها تخالف ما أؤمن به، كل ذلك يتناقض مع الخطاب الطائفي الفئوي الذي برز جليّا في الكلمات الخطابيّة التي ألقيت بالمهرجان الخطابي لمهرجان يوم الأرض الخالد.

إستوقفتني كثيرا الموعظة الدينيّة التي ألقها رئيس مجلس عرابة المحلّي علي عاصلة، وغيرهم من الخطباء الذين طنطنوا سابقا من أجل وحدة الصف الوطنيّة، والحفاظ على الشعارات الوحدويّة بعيدا عن أي مظهر من المظاهر الحزبيّة، أو أي اختلاف فكري أو سياسي خلال المسيرة القطرية. وبعيدا عن كذبة الوحدة الوطنيّة التي يطبّل لها الوطنجيّون، ويتسارع ليتشدّق بها من القوميّين وقيادات لا تمتلك قاعدة جماهيريّة حتى لا تهاب من تظافر قوى حزبيّة على حساب حركات تمثّل في لجنة المتابعة والتي لا تمثيل لها في الرأي العام ومن فئات شعبيّة، إلى أن يسارع هؤلاء بأقرب ميكروفون ويطلقوا سهام الخطاب الطائفي.

أتساءل عن حاجة الحديث عن الطائفة من الأمة الظاهرين لعدوّهم القاهرين في مهرجان وطني شامل يشمل قطاعات واسعة من شعبنا الفلسطيني على مختلف انتماءاتهم الدينيّة والطائفيّة، وما علاقة القوى التقدّمية اليهوديّة التي جاءت لتضمّ صوتها إلى أصوات آلاف الحناجر التي جاءت لتجدّد عهد شهداء الأرض والتضحيات؟ وأتساءل أيضا عن اختزال النضالات الوطنيّة والشعبيّة ليقتصر على "شيخ الأقصى" – مع كلّ التقدير على دوره ونشاطه، وتجاهل كلّ من يلاحقون بنفس الخانة – الملاحقات السياسيّة كما يلاحق الشيخ رائد صلاح مثل محمد بركة وسعيد نفّاع، فأين هم المشايخ الدروز الذين يحاكمون بسبب زيارتهم للوطن الأم سوريا والالتقاء مع أهلهم في وطنهم سوريا، هل لأنّهم لأنّهم ليسوا من الحديث النبوي القائل "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الدينِ ظاهرينَ لعدوِّهِمْ قاهرينَ لا يضرُّهم من خالَفَهم إلَّا ما أصابهم من لَأْواءٍ حتى يَأْتِيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلِكَ. قالوا: يا رسولَ اللهِ وأَيْنَ هم؟ قال: بِبَيْتِ المقدِسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ". – كما جاء في المهرجان الخطابي؟
القرار للشعب، والشعب قرّر الإضراب! القائد الشيوعي الراحل توفيق زيّاد حين أطلقها صرخة مدوية، وجعل من شخصيّته الكريزماتيّة ووعيه الصادق لمصلحة شعبنا الفلسطيني، - شعبنا الموحّد بعيدا عن الخطابات الدينية - استطاع ورفاقه في الحزب الشيوعي بترجمة الصرخة في اجتماع الرؤساء، وما قبل الصرخة من تشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي والنشاطات الجماهيريّة التي رافقت شحن الأجواء وتعبئة الجماهير نحو إنجاح الإضراب الأول في تاريخ الأقليّة العربية، وتحويل يوم الأرض إلى إلى انتفاضة وهبّة جماهيريّة بكلّ بلدة وأخرى صانعين نصرا مدويا في الثلاثين من آذار 1976 - حينها تمتّعت القيادات بشخصيّة كريزماتيّة قياديّة قادرة على تحريك الجماهير – لا من خلال صفّ الكلمات الإنشائيّة على الورق وإلقائها كما الطابور الصباحي في المدرسة كما نشهده مؤخرا في مثل هذه الأيام الوطنيّة.

أرض الملّ وترابها مقدّس، كما هو مقدّس تاريخ شعبنا الفلسطينيّ النضالي، ولا يقل قداسة عن الأماكن والمقدّسات الدينية وعلى رأسهم المسجد الأقصى المبارك كما كنيسة المهد، ولا يقلّ قداسة عن التراب الفلسطيني الطاهر الذي يشهد على أشرف النضالات التاريخيّة التي يخوضها شعبنا الفلسطيني من أجل تحرّره، فما بال قياداتنا تختزل نضالا وطنيّا جامعا وتاريخ شعب يمتدّ لقرون من النضال ضد الاحتلال من خلال تقزيم المشروع الوطني الفلسطيني وتحويله وكأنّه دفاع عن المسجد الأقصى فقط!!، فلقدسيّة المسجد الأقصى ميزة هامة – على أرض فلسطين المحتلّة في القدس المحتلّة كما الكنيسة المحتلّة!.

في القلب لؤم وبؤس على القيادات المترهّلة – وعلى سقف المتابعة الجامع لترهات بعض الانتهازيّين وبتأييد من قارعي طبول الوطنجيّة حتّى بتّتُ أتحسّر على قيم وأخلاقيات وطنيّة استمدّيتها من تاريخ تضحيات شعبنا الفلسطيني، فسجّلوا لديكم بأنّ لجنة تدعي المتابعة باتت وصمة عارٍ على فكري ونهج حياتي وإيماني بالمعتقدات السياسيّة والفكريّة التي أؤمن بها، كما بات عارٌ على مجتمعنا أنّ يرضعوه من الثدي الكذّاب بشعارات وحدويّة وتفرّقه بخطابات فئويّة سياسيّة تتغطّى بعباءات الدين – حيث بتنا نفقد مفهوم الشعب وما نجتمع عليه من معانٍ ترتبط بهذا المصطلح، وبتنا نتعرّى من مفهوم الوطنيّة والارتقاء من قبائل متناحرة وملل وأفراد متناثرة.

وفي آخر كلماتي هنا أخاف بأن أصبح كافرا لدى بعض المتأسلمين الانتهازيين الذين شرعنوا لأنفسهم حقّ التكفير وصك شهادات الإيمان – كما خوّنوا في عرّابة أهلنا الجولانيّين السوريّين الذين رفعوا علم دولتهم الأم سوريا في يوم الأرض رغم النقاشات الدائرة، ولكن على الأقل هنا فإنّ الأقليّة العربيّة تعتزّ بموقفكم المشرّف حينما ترفعون العلم الفلسطيني في عيد الجلاء!.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com