هذه القامة الشّامخة كجبل الجميجمة في بلدة البقيعة الاْمّ ،ثم ان شئتَ :انتصار ،قرية مخّول ،المرج ، البقيعة الغربيّة ،اْو البقيعة الابنة ،بارك الله في بيت طِلِعْ منّو بيت ! سمّها ما شئت َ،واْنا لستُ في باب التفضيل اْو التّسمية ،اْهل البلد اْدرى بشعابها ،رحل الاسبوع الماضي عن تسعين عاماً ،قضى جلّها في العطاء والسّخاء ،بعيداً عن الاْضواء ،علامات النّباهة والفطنة تجلّت به وهو حدث صغير ،نجابة ،فصاحة وطلاقة لسان ،لكن ليس في المحال ،رحّب باْحمد الشّقيري عام النّكبة في ترشيحا ،وهو في طريقه الى لبنان /ونال اعجاب الجميع .

السّيّد نعيم مخّول ينضوي تحت صفات : بَدّنا حرّيّة وسلام ،عاش العامل والفلاّح،مزارع تبغ ،حبوب ،خضروات،لوزيّات ،ورديّات ،كرزيّات مُكَرِّزات كصوت صارخ في البرّية ،اْكل خبزه بعرق جبينه ،قبل ذلك نهل العلم من مناهله العذبة في البقيعة الاْمّ مسقط راْسه ،ثمّ ترشيحا ،البصّة ،وكلّيّة النهضة في عاصمة عروبتنا ،حيث القيامه ،العهدة العمريّة والاْقصى المبارك حولها ،مارس مهنة التربية والتّعليم ،طبقاً لمقولة : آل مخول يعرفون طريقهم الى المدرسة ،فُصِل من عمله ،في عهد الديموقراطيّة الوحيدة في الشرق الاْوسط ! لاْنّه كان مشاكساً معاكساً ،لم يَحجّ الى مكتب الحاكم العسكري ،إلاّ للتحقيق والإرهاب ،لكنّه ظلّ شامخاً ك َ: مِسْتحِيّات دار مخّول في الجبل الفاصل بين البقيعة وحرفيش ، لم يقف مكتوف الاْيدي يندب حظّه ،عمل في عدّة مدارس اهلية ،شكّل عن ساعديه وعاد الى اْرضه المعطاءة،محبّته للاْرض جعلته مزارعاً نشيطاً، وفرة مواسمه الزراعيّة لم يخجل بها اْحد ،إكْبَرْ ع َ اْرضك بْتِكْبَر عليك ،ما بيحرث الاْرض إلاّ عجولها ،اشتدّي يا ارض اشتدّي ما حدى قدّي !تصدّى لقانون تركيز الاْراضي / نهب الاْراضي المنسوب الى موشي ديّان ،خاض نضالات مريرة ،لا هوادة فيها في مقارعة السّلطة الطّاغية ،فاْصبح ناطقاً باسم المعذّبين في الاْرض ،مع الاعتذار ل ِ :طه حسين !احترف الصّحافة لحين ،اسبوعيّة المرصاد ،لسان حال حزب العمّال الموحّد آنذاك ،ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي :جراْة ،شجاعة ،اقتحام مواضيع ساخنة ،مصادرة الاْراضي ،الإجحاف بحقّ المزارع العربي ،التمييز العرقي وغير ذلك ،وقف في مدينة يافا ،بلد قرينته الاْولى ،مدافعاً عن الاْوقاف الاسلامية ببسالة وشجاعة ،اغتاض اْحد الشيوخ المسلمين المتقوقعين ،فقال له الشيخ : يا اْخي هذا الوقف اسلامي ،وانتي مسيحي ،شو خَصّك ْ ! لم يفقد نعيم رباطة جاْشه واْعصابه ،فَرَدّ عليه قائلاّ : اْنا اْدافع عن الحقّ المسلوب اْينما كان ،شاء من شاء ،واْبى من اْبى !

رُبّ ضارّة نافعة !بعد مشادة مع بعض الاخوة /الاْهل /الجيران في البقيعة الاْ م ّالتّعدّديّة ،تاْلّم واهتزّت مشاعره من الاْعماق ،طبقاً لطرفة بن العبد :
وظلم ذوي القربى اْشدّ مضاضة على المرء ،من وقع الحسام المهنّد ...
قرّر نعيم الابتعاد عن هذه الاْجواء التي قد تؤدّي الى كثير من المشاحنات والاستفزازات،مرج البقيعة الغربي يتّسع لبناء بيت ،ملجاْ ،ملاذ ،مقرّ اْو ماْوى ،ابعد عن الشّرّ وغنّيلو ،عدا عن التّحدّي !،كان ذلك عام 1952 ،الحكم العسكري البغيض يجثم عنوة فوق صدور المواطنين العرب الاْصليّين في وطنهم ،حرّية الحركة والسّفر ممنوعة ،إلاّ باْمر من الحاكم العسكري الذي تجبّر وتحكّم بعرب الدّيار ! لكنّ نعيماً لم يسكت على الاهانة ، ولا على الجور ،مهما طغى وبغى وكوى ،وكان القرار بناء البيت مهما كان الثمن غالياً! نعيم وشقيقه نديم ،اْطال الله عمره ،شمّرا عن سواعدهما ،مُتَحَدِّيَيْن كافّة العقبات الكاْداء ،البيروقراطيّة ،الحكم العسكري وغير ذلك من تثبيط العزائم ،يضع البنّاء حجر الاْساس،لم يرق الاْمر لنعيم ،فانتشل الحجر ووضعه بالشّكل الدّقيق ،استغرب البنّاء الاْمر ! فقال له نعيم بنوع من الدّعابة :قد يقول شامت،لعن الله مَن وضع حجر الاْساس لهذه البلدة !واْنا لا اْرغب اْن تحلّ اللعنة عليكَ !

هات فساد ،نميمة ،جرجرة وشحشطة على المحاكم ،نعيم يدّعي بساطة الفلاح السّاذج ،يتملّص ، يتهرّب ويتلوى ،لعل قلب الحاكم يحنّ ويرقّ لهذا لفلاح ،ولكن لاحياة لمن تنادي ! غرامة اولى خمسون ليرة ، وهذا مبلغ باهظ في تلك الاْيام ،تحدّ آخر ومحاكمة اْخرى ،وغرامة خمسة اْضعاف ،مئتان وخمسون ليرة ، المبلغ غير متوفّر لدى فلاّح مقهور في مقتبل العمر ،يستدين ذلك من بعض الاْهل والطّيّبين ،يتحمّس الاْهل من البقيعة الاْم فيبنون بيوتهم على غرار مبادرة نعيم ،تتكاثر البيوت والتّحدّيات ،يكبر الحيّ اْو البلدة ، ومعركة بين اْروقة المحاكم على اسم القرية الجديدة ،اْوّل قرية عربيّة تقام في عهد دولة اسرائيل ! نعيم يسمّي مولوده :إنتصار مع سبق الإصرار !لكن لن تسلّم السلطة الغاشمة بهذا الانتصار والاسم ،مساومات ،مفاصلات ومماحكات وصلحة :لا يموت الذّيب ولا يفنى الغنم ،لا غالب ولا مغلوب ،حتى استقرّ الاْمر على :البقيعة الغربيّة اْو المرج .
هذا جانب واحد من نضالات نعيم مخّول ، وهناك جوانب اْخرى متعدّدة ،وإخوتنا واهلنا وجيراننا آل مخّول الكرام ،نعتزّ بهم فرداً فرداً ،من بينهم رجال الفكر والعلم ،الكتّاب ،الاْدباء ، الشّعراء والسّياسيين المتمرّسين في مقارعة الظلم والطّغيان ! اْملنا بهم كبير لتخليد ذِكْر هذا النّعيم وهذا الخلّ اليوسفيّ الوفيّ ،المتواضع الخلوق ،الاْخت الكاتبة عفيفة مخّول خميسة ،ابنة شقيقة الرّاحل وضعت حجر الاْساس ، المّقَنّة والمدماك الاْوّل في هذا المجال ،كتابها الرّائد :خال على خدّ الجليل /قصّة من الحياة ، والخال هنا به كثير من التّورية ،المعنى القريب ثمّ البعيد،عدا عن المحسّنات اللفظية والتّحمس لسيرة الخال المعطاء.

واذا كانت لنا اْمنية ،فإنّا نتضرّع للعلي القدير ،كما يتضرّع الاْخوة المسيحيّون في صلواتهم :يا ربّنا يا يسوع المسيح اْنْصِتْ الينا ،استَجِبْنا ، ارحمنا ... يا معزّية الحزانى ،يا معونة النّصارى ،يا سلطانة الملائكة تضرّعي لاْجلنا / لاْجلهم ،لاْجل هذه الاْسرة المشطورة بين البقيعة الاْم ويافا عروس البحر والبرتقال اليافاوي الحزين ! كفاهم ما عانوه وتحمّلوه ،لعلّهم يخلدون الى الراحة والاستقرار وجمع الشّمل معاً وسويّاً بعد ترجّل الفارس،الآن الآن وليس غداً ،كما تقول الفيروزة الغالية ! كي تكون ذكرى نعيم عطراً ،عبقاً ،اْريجاً وشذىً،لهذا الوطني ع َ الاْصول.
*وَقُل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون ! صدق الله العظيم !

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com