إنّ نجاح الاستفتاء على دستور مصر الجديد انْ كان من خلال المشاركة الواسعة من ناحية أو عبر التصويت بنسبة 95% لصالح إقراره من ناحية ثانية يشكل تحوّلاً هاماً في مسار ثورة 30 حزيران التي نجحت في إسقاط حكم الإخوان وإقصاء الرئيس محمد مرسي عن سدة الرئاسة واليوم أسقطت آخر رهاناتهم لإعادة عقارب الساعة الى الوراء وأسدلت الستارة على مرحلة انتعاش هذه الحركة الاسلامية الرجعية بعد سقوط نظام مبارك وما سُمّي زورا بـ«الربيع العربي» وأسقطت معها كل الأوهام التي روّجت على مدى 80 عاماً بأنها هي الحلّ.

ويتجسّد هذا التحوّل في الآتي:

أولاً: نجاح الاستفتاء يشكل الخطوة الأولى والضرورية لوضع أجندة خارطة طريق المستقبل التي رسمتها ثورة 30 حزيران على سكة التنفيذ الفعلي فإقرار الدستور الجديد يشكل المدماك الأول في العمل على تحقيق ثلاثة أمور هامة.

الأمر الأول بناء الدولة المدنية: إنّ غالبية المصريين عازمون على التمسك ببناء دولة مدنية غير دينية تكرّس المواطنة وتحصّن وحدة المجتمع المصري بكلّ تلاوينه وقد عكست بنود الدستور المصاغ لأول مرة من قبل كلّ أطراف وفئات وشرائح المجتمع هذا المضمون للدولة المدنية والمواطنة على نحو غير مسبوق في تاريخ مصر.

الأمر الثاني إعادة تشكيل مؤسسات الدولة: إنّ مسيرة إعادة بناء وتشكيل مؤسسات الدولة المصرية المركزية الضامن لوحدة المصريين قد بدأت بإقرار الدستور لتنطلق بعده عملية التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تفضي نتائجها إلى إعادة تشكيل مؤسسات الدولة الشرعية والتنفيذية والأمنية على نحو يضع حداً لأيّ تشكيك بشرعية الحكم الجديد الناتج عنها والذي سيكون بالضرورة عاكساً لتمثيل ثورة 30 يونيو.

الأمر الثالث: تكريس شرعية الثورة في بناء دستوري ومؤسّساتي جديد يوفر الأساس للانتقال إلى مرحلة تعزيز المسار الديمقراطي التغييري الذي يتطلع إليه المصريون سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

ثانياً: توجيه ضربة قاصمة لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الذين فشلوا في عرقلة الاستفتاء من ناحية وأخفقوا في دفع المصريين إلى مقاطعته وعدم منحه الشرعية من ناحية ثانية وهذه النتيجة تعني التالي:

1 ـ سياسياَ: إنّ الإخوان أصبحوا في عزلة لأنهم وضعوا أنفسهم في صدام وتناقض صارخين مع تطلعات غالبية المصريين في الحفاظ على نمط عيشهم الواحد ودولتهم الجامعة لهم وإحداث التغيير الذي يلبّي احتياجاتهم وتوقهم إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية المسؤولة والديمقراطية النابعة من احترام قيمهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وسعيهم لاستعادة دور مصر المستقلّ الذي يحفظ أمنها القومي ويُعيد لها مكانتها ووزنها عربياً وإسلامياً وأفريقياً باعتبارها دولة إقليمية كبرى وقد عبّر أحد المواطنين في يوم الاستفتاء عن هذه التطلعات بالقول: «إنّ خروج الناس جاء كنوع من التحدي للقوى الداخلية والعالمية وللتأكيد أننا شعب كبير ولن نقبل أن يفرض أحد سواء في الداخل أو الخارج رأيه أو موقفاً معيّناً علينا».

2 ـ أمنياً: إعطاء دفع قوي للجيش والقوى الأمنية المصرية في محاربة الإرهاب والعنف المتزايد في البلاد واستطراداً في إنهاء استمرار الإخوان المسلمين في إثارة الاضطرابات ومحاولة عرقلة مسار ثورة 30 حزيران لا سيما أنّ نجاح الاستفتاء كشف الإخوان داخلياً وعرّاهم وسيؤدي بالضرورة إلى افتقادهم لأيّ غطاء أو دعم خارجي يراهنون عليه لمواصلة العنف ورفض الإقرار بنتائج ثورة 30 حزيران.

ومثل هذا التطوّر يضع الإخوان أمام خيار من اثنين:

الأول: الوصول إلى قناعة بفشلهم في استمالة قسم كبير من المصريين إلى جانب موقفهم الذي يعتبر ما جرى في 30 حزيران انقلاباً على الشرعية وبالتالي التسليم بنتائج ما حصل والتكيّف مع الواقع الجديد والانخراط في الحياة السياسية.

الثاني: الإمعان في مواصلة سياستهم الحالية ورفض نتائج الاستفتاء والتشكيك في نزاهته نتيجة هيمنة الجناح المتطرف في الجماعة وفرض أجندته في انتهاج طريق العنف وسلوك الإخوان مثل هذا الخيار سوف يفاقم عزلتهم ويحدث تصدّعاً في قاعدتهم الشعبية وداخل صفوفهم الأمر الذي يضعف حركتهم ويسرّع في إنهاء تحركهم ويدفع بنخبتهم المتبقية خارج السجون إلى الانكفاء والعودة إلى العمل السري من جديد.

ثالثاً: يمهّد نجاح الاستفتاء الطريق أمام الفريق أول عبد الفتاح السيسي لإعداد العدة للترشح لانتخابات الرئاسة بعد أن توافر له ما يريد من تأييد شعبي واضح يرغب في انتخابه رئيساً لمصر وهذا يعني أنّ السيسي إذا ما عزم وقرّر الترشح للرئاسة فإنه سيحظى بدعم واسع من جماهير ثورة 30 حزيران بخاصة أنّ أداءه عكس ميله نحو انتهاج سياسات تلبّي تطلعات المصريين في التغيير.

وإذا ما جسّد السيسي أو أيّ مرشح أخر غيره هذا التوجه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية فإنّ مصر سوف تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مسيرة أمنها واستقرارها واستعادة دورها الريادي في المنطقة.

اما إذا ما خالف الرئيس الجديد أياً كان السيسي أو غيره آمال المصريين في تحقيق تطلعاتهم ولم يحدث التغيير المطلوب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فإنّ مصر ستبقى تتخبّط في أزماتها.

على أنّ المراقبين والمحللين يرون أنّ أيّ حكم جديد لمصر لا يستطيع الاستمرار ما لم ينهج سياسات تلبّي طموحات المصريين في التغيير والتجربة مع حكم الإخوان خير دليل على ذلك حيث لم يتمكنوا من البقاء في السلطة أكثر من سنة لأنهم لم يغيّروا شيئاً واستمرّوا في سياسات النظام السابق فكان ردّ الشعب المصري بتفجير ثورة ثانية في 30 حزيران التي أسقطت الرئيس مرسي واليوم رسمت نهاية عهد الإخوان عبر قول نعم للدستور الجديد ما يشكل درساً لكلّ من يحاول خداع الشعب المصري للوصول الى السلطة والنكوث بتعهّداته بانتهاج سياسات تلبّي تطلعاته في التغيير الاقتصادي والاجتماعي وتحرير مصر من قيود التبعية للغرب الاستعماري والكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين والمحتلّ لأراضي عربية في سورية ولبنان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com