في احدى زياراتي المتعددة لمصر لتغطية المفاوضات بينها وبين اسرائيل منذ زيارة الرئيس انور السادات وبعد توقيع اتفاقيات السلام سألني احد كبار المقربين للرئيس عن انطباعاتي من ارض الكنانة فحاولت ان لا يكون ردي بذيئا او منافقا فقلت له انني اختصر انطباعي بمنظر هزني اثناء سفرنا الى الاقصر من شباك القطار. لقد رأيت مجموعة كبيرة من النساء يقطفن زهرات القطن في حين كان رجل يجلس في وسطهن على كرسي واخر يقف الى جانبه ويحمل شمسية تقي المعلم اشعة الشمس !.

امتعض محدثي ورد علي بلهجة حادة : وماذا فهمت من هذا المنظر ؟

قلت : الا تشاركني الرأي بان مثل هذا العمل هو اهدار لطاقات بشرية, من جهة, وان " المعلم" الجالس على الكرسي كان يستطيع الاحتماء من اشعة الشمس بطربوش او باي غطاء لرأسه ليحرر حامل الشمسية للقيام بعمل وانتاج حقيقي؟ وعمل عشرات النساء الا يمكن استبداله بقطافة الية ؟

وهنا غضب محدثي : وماذا نفعل بالعاملات. وهل نتركهن للجوع مع اطفالهن ؟

اعتذرت لمضيفي قائلا : الا تستطيع حكومتكم من العمل باسلوب اخر لاستيعاب العمالة الفائضة ؟ ان عالمنا العربي يغرق في اموال البترول ويختنق بالايدي العاطلة عن العمل!

ضحك محدثي وقال : لقد سبقني جورج برنارد شو حين رد عليك بقوله : توزيع الثروة في العالم كلحيتي ورأسي. غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع.

ضحكنا حين تصورنا عالمنا العربي: كلحية لحية جورج برنارد شو الكثه والصلع الذي جعل رأسه يلمع . اغنياء البترول في قطر والكويت ودبي حيث عدد السكان لا يزيد عن عدد احد احياء القاهرة في حين يزداد عدد فقراء القاهرة سنويا اكثر منهم !.

بعد ايام محدودة دعيت لتناول الغذاء مع نادي الروتاري القاهرة في احد الفنادق وكان رفاقي على مائدة الغذاء بعض رجال الاعمال ودبلوماسي متقاعد. سألوني وسألتهم. وكان طبيعيا ان يدور حديثنا عن فرص السلام التي يتوقعها الناس في البلدين- وكان بعض جيراني متفائلين بان اسرائيل قد تساهم في حل مشاكل مصر الاقتصادية. قلت ان اسرائيل لن ترحب بعمال ومهنيين من مصر وقد تساهم في استيعاب بعض العمال في مصانع تقوم على ارض مصرية لاستغلال عمالة رخيصة ولكن السلام قد يساهم في خلق اجواء مناسبة من حيث تقليص النفقات العسكرية لدى الطرفين. ولكن مشكلة الانفجار السكاني التي تعاني منها مصر ستبقى على جدول اعمال حكومة مصر لتحلها.

جاري الدبلوماسي المصري السابق لم يعبر عن رأيه حتى اشرت الى واجب الحكومة المصرية. وهنا سمعت هذا ال "ابو الهول" ينطق: احنا عاوزين قنبلة ذرية!.

لم افهم ما يعنيه وخشيت انه يقصد بان مصر بحاجة لقنبلة ذرية لابادة اسرائيل. سألته: وماذا تفعل بالقنبلة الذرية وكيف تضمن ان الرد لا يكون ايضا بسلاح ابادة بشرية؟ قال انه بحاجة لقنبلة ذرية تلقى فوق مصر لحل مشكلة الانفجار السكاني! .

لم يرد عليه احدا من جيراني على مائدة الغذاء ويظهر انهم لاحظوا انفعالي فحاول احدهم بلطف ان يهدىء اعصاب ضيفهم فقال لي : ان مشكلة مصر الاولى والمستعصية هي الانفجار السكاني الذي لا نجد له دواء!

قلت : ان الحروب بالسلاح الذري والتقليدي لا تقضي على الازمة السكانية ولا تقلص عدد الافواه الجائعة وبالعكس. الحرب تقضي على الكثير من عنصر الشباب المرشح للعمل والانتاج وتزيد عدد اصحاب العاهات الذين يقعون وعائلاتهم عبئا على المجتمعات وميزانية الدولة واقتصادها!

والحقيقة انني كنت, يومها, قد لاحظت في الصحف المصرية اعلانات حكومية تحض المواطنين على "تنظيم الاسرة ". ولكن اعلانات كهذه, في رأيي لا يتجاوز اثرها حدود فئة محدودة من القراء المثقفين ممن لا يحتاجون هذه الارشادات. وان المشكلة - كانت ولا تزال مستشرية- في اوساط شعبية.

وقبل ايام محدودة رأيت استاذا جامعيا من مصر يقارن بين مصر وايران وكيف نجح نظام الحكم الايراني في تقليص عدد سكان ايران (التي كان تعداد سكانها ايام حكم الشاه يساوي عدد سكان مصر) بثمانية ملايين اليوم!

كيف فعلت ايران ذلك ؟ رجال الدين في ايران اقنعوا الرجال- بالمال - باجراء عمليات جراحية تمنعهم من زيادة عدد اولادهم( وبناتهم!) عن اربعة!.

وفي الصين التي زاد عدد سكانها عن عدد سكان قارة اوروبا فرض الحكام على سكان المدن ( وهم قرابة عدد سكان البلاد) ان لا يزيد عدد اولادهم على واحد وحيد لكل ابوين - منذ اكثر من عشرة اعوام) وفي الريف تمنع الحكومة الصينية ان يزيد عدد الاطفال لكل عائلة عن اثنين! ولان الناس في الصين كما في اغلب دول العالم يفضلون الاطفال الذكور على الاناث ومن هنا فانهم يتخلصون من الاناث فقد نشأت في الصين ظاهرة ندرةالاناث بنسبة 15% عن نسبة الذكور لان حكومة الصين تخشى هذاالتطور فقد سمحوا مؤخرا للابوين- اللذين لا اشقاء لابنائهم فقط- بانجاب طفلين -حتى ولو كانوا من سكان المدن!.

ولان حديث مصر يدور منذ ثلاثه اعوام حول الثورة رحت طيلة العامين الاخيرين اتابع اخبار مصر يوميا لاسمع كيف ينوي المصريون حل ازمة "الانفجار السكاني" فلم اسمع الا القليل القليل ولانني احب مصر واتمنى لشعبها كل خير ان تكون لحكومتها نية في التصدي لمشكلاتهم بصورة ناجعة .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com