*المنخفضات السياسية التي تهب على المنطقة،وما يحمله وزير الخارجية الاميركي جون كيري في جعبته في زياراته المتكررة للمنطقة، ينطوي على مخاطر جدية وحقيقية على المشروع الوطني وحقوق شعبنا الفلسطيني،فالمنخفضات الجوية القادمة من سيبريا التي تحمل الينا امطار الخير والبركة والمصحوبة برياح شديدة وثلوج . رغم ما ينتج عنها من خسائر ودمار وأضرار،جزء كبير منها مرتبط بعدم وجود بنية تحتية حقيقية قادرة على تلافي معظم هذه الأضرار والخسائر،وكذلك مرتبط بعدم قيام الشركات والمتعهدين القائمين على تنفيذ تلك المشاريع بإنجاز أعمالهم وفق المواصفات المطلوبة، وما له علاقة بالفساد وغياب الضمير والانتماء والوازع الأخلاقي،إلا ان تلك الخسائر والأضرار يمكن ترميمها وتعويضها،ولكن ما لا يمكن تعويضه او ترميمه تلك الخسائر والكوارث الناتجة عن المشاريع السياسية التي تهب على منطقتنا وقضيتنا الفلسطينية بشكل خاص.
ان ما يجري من حولنا من اتفاقيات وحلول متعلقة بالملفين الكيماوي السوري والذهاب الى مؤتمر جنيف(2) لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية،وكذلك الإتفاق المبدئي بين ايران ومجموعة الست الكبرى،فيما يتعلق بملفها النووي،سيدفع ثمن الاتفاق حولها شعبنا الفلسطيني،وهذا بات واضحاً وجلياً،حيث ان المعارضة الإسرائيلية والسعودية للإتفاق الروسي – الأمريكي حول هذين الملفين،عرضَ التحالف الأمريكي- الإسرائيلي- الى الإهتزاز،بسبب رفض السعودية واسرائيل لذلك،ومن أجل ان يبدد كيري والإدارة الأمريكية مخاوف الاسرائيليين والسعوديين من مخاطر تلك الاتفاقيات،وجدنا كيري يمارس ضغوطاً كبيرة على الجانب الفلسطيني،لكي يستجيب لشروط مبادرته السياسية لترتيب حل انتقالي طويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يقوم على اساس تبني وجهة النظر الإسرائيلية كاملة،ويعطي الأولوية لأمن اسرائيل،ويشرع بقاء احتلالها واستيطانها،بوجود عسكري اسرائيلي في الأغوار لمدة لا تقل عن 15 عاما قابلة للتجديد،ناهيك عن انتشار قوات مشتركة ومتعددة الجنسيات على المعابر والحدود،وبقاء مستوطنات الأغوار من خلال الإستئجار، - وهو «حل» يضمن لإسرائيل ضم معظم ،إن لم يكن جميع الكتل الإستيطانية الكبرى،بما فيهما ارئيل المقامة في عمق الضفة الغربية و«معاليه ادوميم»،بإختصار حل يضمن لإسرائيل السيطرة على حدود واجواء ومعابر ومنافذ فلسطين على العالم والبحر بشكل كامل،أي توسيع مساحة السجن للشعب الفلسطيني،بحيث تكون لإسرائيل اليد الطولى في كل مناحي وشؤون وتفاصيل حياة شعبنا،وكيري ليس فقط متبني لوجهة النظر الإسرائيلية فقط،بل يريد ان يحول مشروعنا الوطني وحقوقنا وقضية الإحتلال إلى قضية أراضي وعقارات وإستثمارات،مع تأبيد وشرعنة للإحتلال،مشروع نتنياهو الإقتصادي،بل بنسخة سيئة ورديئة،حيث يرتبط منح السلطة جزءا من الأراضي المصنفة(ج) بحسن سلوك السلطة الفلسطينية،تمنح (20) ألف دونم إذا نفذت ما يطلب منها من تعهدات في مجالات محددة وبالذات الأمنية منها...الخ.
وكيري هنا اكثر تطرفاً من نتنياهو نفسه،حيث طلب من نتنياهو كما كشفت مصادر اسرائيلية عدم إطلاق سراح الدفعة الثالثة من الأسرى القدماء،إذا لم تخضع السلطة وتستجيب لعناصر خطته الأمنية،فيما يسمى بالحل المؤقت او الإنتقالي،وهذا يثبت بأن إعتماد امريكا كمرجعية للعملية التفاوضية اكبر من خطاً وجريمة،تماماً كخطأ عدم التوجه لإستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية،بما فيها محكمة الجنايات الدولية،لرفع قضايا على الإحتلال،بما يرتكبه من جرائم حرب بحق شعبنا سواء في الإستيطان او محاولات تقسيم المسجد الأقصى أو قضية الأسرى وغيرها.
أظن ان الخيار التفاوضي وتجريب المجرب ومحاولات حلب الثور والتعاطي والتعامل مع الأمور على قاعدة عنزة ولو طارت،يجب ان يغلق أمامه الباب بشكل كامل ونهائي،فالمفاوضات ثبت بالملموس وبالدليل القاطع،أنها مفاوضات عبثية وتفاوض من اجل التفاوض،ويجري إستغلالها اسرائيليا من أجل قيام الإحتلال بتكريس حقائق ووقائع جديدة على الأرض، والإستمرار في مشروعه الإستيطاني،دون الإلتفات إلى هذه المفاوضات، كمفاوضات يراد لها منح الشعب الفلسطيني حريته ودولته المستقلة على مساحة 22%،ولسان حاله يقول،نفاوض ونبني مستوطنات ولا نقدم تنازلات،وبالتالي لم يعد من المجدي إستمرار "إجترار" الكلام والحديث عن هذا الخيار والنهج،فاوضاع شعبنا تتراجع، في المجالات الحياتية اقتصادياً وإجتماعياً وخدماتياً أوضاعه في تراجع مستمر،حيث العملية التعليمية،تدمر بسبب عدم قدرة السلطة على دفع رواتب المعلمين وتوفير العيش الكريم لهم ضمن الحد الأدنى،والمؤسسات الكبرى كمستشفى المقاصد وشركة الكهرباء مهددة بالإغلاق ووضع الإحتلال ليده عليها،بسبب عدم قدرة السلطة لتسديد إلتزاماتها المالية لتلك المؤسسات،وما يحدث من سرقات ونهب وفساد وغيره، هذا عدا عن الجانب السياسي القانوني للتراجع الحاصل.
إن المنخفضات السياسية التي تهب على قضيتنا وحقوقنا الوطنية،والتي يساهم فيها اكثر من طرف دولي وإقليمي وعربي،تستوجب منا كشعب فلسطيني واحزاب وفصائل وسلطة،أن نبني ونطور إستراتيجية جديدة،إستراتيجية تقوم على حماية حقوقنا وثوابتنا والإستماته في الدفاع عنها،عبر المقاومة والصمود،وهذا يتطلب أولاً تصليب وتمتين جبهتنا الداخلية،والعمل على إنهاء الإنقسام،عبر بناء وحدة وطنية حقيقية تشارك فيها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.والعمل على نقل القضية الفلسطينية بالكامل الى الهيئات الدولية لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بشأنها،وليس التفاوض حولها من جديد....وهذه العواصف السياسية اخطر بكثير من العواصف والمنخفضات الجوية،لكونها تلحق الضرر والكوارث بمشروعنا وثوابتنا الوطنية،وحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق