في الاسبوع الاخير تلقت الجماهير العربية ضربتين حاسمتين من قبل السلطات الاسرائيلية. يوم الخميس الماضي قررت المحكمة المركزية في حيفا ارسال ابنائنا من شفاعمرو الى السجن لمدة عامين "لمقتل" الارهابي نتان زادة عام 2005. في يوم السبت الماضي تم اعتقال العشرات من الفتيات والشباب في مظاهرات "يوم الغضب" المناهضة لمخطط برافروالتي تسعى الى تهجير عشرات الالف من عرب النقب ومصادرة اراضيهم.

في شفاعمرو, دخل الارهابي نتان زادة الى حافلة باص ممتلئة بالأبرياء وقام بأطلاق النار العشوائي, حيث استشهد اربعة مواطنين وجرح العشرات. وقد كان جزاء الشباب الذين اوقفوا الارهابي ومنعوا كارثة كبرى, ثمن سنوات من المحاكم, ادانة علنية من قبل وسائل الاعلام والسلطة وفي يوم الخميس الماضي قررت المحكمة المركزية في حيفا القائهم بالسجن بتهمة محاولة القتل. هذا القرار جائر وغير منطقي, فمن غير المعقول ان يتلقى المواطنون اليهود الاوسمة وتكتب فيهم الامجاد, اما على العرب ان يقبعوا بالسجن على نفس العمل.

الحكم في قضية شباب شفاعمرو لم يكن مفاجأة بتاتا, فجميع الاوساط القضائية المهتمة بالأمر توقعت هذا الحكم الجائر بالرغم من سريالية الموضوع. مجموعة من الشباب قامت بالدفاع عن نفسها وبلدها من خطر ارهابي اراد مقتل اكبر عدد ممكن من الابرياء. المثير للاشمئزاز هو ان عددا من الاحداث المشابهة حدثت في المدن اليهودية, حيث قام رجال الامن الاسرائيليين بقتل فلسطينيين, واشهرها "حادث التراكتور" في القدس العام الماضي. بعد ان ازيل الستار عن تلك العملية, تبين ان ضابط الامن الاسرائيلي قام بأطلاق عشرات الرصاصات على جثة الشاب الفلسطيني الذي مكث في داخل الجرارة بعد ان لم يعد يشكل خطر على احد. نتيجة عمله "البطولي" تلقى ضابط الامن الاسرائيلي العديد من الاوسمة منها من رئيس الدولة و من المفتش العام للشرطة.

من جهة اخرى من المتوقع ان يشرعن القضاء مخطط برافر في حال وصل المخطط الى الاروقة القضائية بعد مروره بالقراءة الثالثة في الكنيست. وبسبب انحياز القضاء الواضح لسياسات الدولة كانت اهمية قصوة لإنجاح اضراب الغضب يوم السبت الماضي. لقد رأينا الجماهير تلبي النداء بكل أصقاع الوطن من حيفا حتى حورة عبورا بيافا والقدس وعشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن العربية في الجليل والمثلث. اكثر ما اثلج الصدر في مظاهرات الاسبوع الاخير هو الاعداد الهائلة من الشباب, نحن امام جيل ثائر, مجابه وغير اب برد فعل السلطة وهذا اكبر انجاز.
احداث الاسبوع الاخير تؤكد ان القضاء الاسرائيلي غير مستقل ومتأثر من سياسات الدولة والتي تنظر الينا بأفضل الاحوال كمواطنين من الدرجة الثانية. هناك تطابق بين السياسة التي ترسم في الحكومة وبين قرارات المحاكم وقد اتضح ذلك جليا في قرار تشريع مدينة "حيران" اليهودية على انقاض قرية ام الحيران العربية.

ان العنف السلطوي الذي واجة الشباب لم يكن مفاجئا على الاطلاق, فما شاهدناه يوم السبت المنصرم اعاد الى اذهاننا جميعا احداث اكتوبر 2000, نحن المجتمع العربي الفلسطيني كنا وما زلنا بنظر السلطة الحاكمة , الخطر الاول على سياساتها العنصرية.

بالرغم من الايجابيات الكثيرة التي رأيناها الاسبوع الماضي الا انه من المهم ان نتذكر باننا لم ننجز شيء بعد. فشباب شفاعمرو ذاهبين الى السجن في الاسابيع القادمة ومخطط برافر حتى كتابة هذه السطور يحظى بأغلبية داخل الكنيست وكل تقديرات السياسية تؤكد بان المخطط سيمر. ومع هذه المعطيات علينا جميعا ان نفكر باستراتيجيات لمجابهه هذه الخطط. الاستراتيجية الاولى يجب ان تكون الوحدة الوطنية بيننا نحن العرب الفلسطينيين في اسرائيل.

علينا جميعا ان نقف امام احداث الاسبوع المنصرم وان نسأل انفسنا بكل صراحة, هل نحن شعب وان كنا شعب فهل نتصرف كشعب؟
السلطات الإسرائيلية, سواء كانت التنفيذية او التشريعية او القضائية تميز ضدنا كأقلية فلسطينية ولذلك لا يمكننا ان نواجه هذا التمييز الا كشعب موحد. الخلافات بين الاحزاب والاطر السياسية العربية, التي عادة تكون خلافات ذو خلفية شخصية او هامشية تمنع منا تفعيل اطرنا الوطنية لما فيه مصلحة لشعبنا.

نحن اليوم امام مجتمع عربي متشرذم, قيادتنا لم تعد تتفق على شيء والكل يغني على ليلاه. الربيع العربي زاد من شرذمتنا ايضا. هناك احزاب وحركات سياسية لها وزنها الكمي والسياسي في مجتمعنا تكثر في الحديث عن امور لا تأثير لنا عليها مثل الاوضاع في مصر وسوريا بدلا من ان الاهتمام عن احتياجات فسوطة اوكسيفة مثلا.

العلة الاساسية التي يعاني منها مجتمعنا هي تراجع الفكر السياسي وتقدم شخصنة الفكر. هذا الامر له انعكاسه على العمل الوحدوي وزاد التنافس بين القيادات العربية القطرية والذي ادى الى انحسار عملنا الجماعي كأقلية فلسطينية مضطهدة و عزز ثقافة القطيع بين بيننا. و قد عكست انتخابات السلطات المحلية الاخيرة هذا الشرخ الخطير في مجتمعنا.

الهجوم على المجتمع العربي يستوجب بناء خطط عملية, الخطة الاولى هي اعادة هيكلة لجنة المتابعة عن طريق انتخابات عامة تنتخب بها لجنة قطرية ولجان عمل مختصة كلجنة علاقات دولية تمثل قضايانا امام المجتمع الدولي, لجنة تخطيط اقتصادي تعمل على بلورة خطط عملية لبناء اقتصاد وطني ذاتي, لجنة لبناء مؤسسات وطنية كبرى مستقلة كجامعة عربية ومستشفيات عربية اضافة للجنة تربية وتعليم تعلم على تعزيز فكرة الحكم الذاتي التربوي.

علينا تعزيز الوحدة والعمل المشترك بين مؤسساتنا وحركاتنا السياسية وبناء مؤسساتنا العربية وحل قضايانا المصيرية. عدم وحدتنا, على المستوى القيادي والشعبي هو اكثر ما يحفز السلطات الاسرائيلية على الاستمرار في نهجها العنصري والتمييزي. ان بلورة وطرح خطة عمل جامعة تأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة الفئات والمشارب الاجتماعية والسياسية والدينية بالمجتمع هو الكفيل الوحيد لافشال الخطط الحكومية مثل مخطط براف ومخططات اخرى لا تريد الخير لشعبنا.

الوضع في اسرائيل يتدهور, حيث اصبحت العنصرية وجهت نظر مشروعة, اليمين الفاشي يقوى بوتيرة ثابتة والطبقة الحاكمة لا تكل بعدائها لكل ما هو عربي وفلسطيني في هذه البلاد. بالمقابل, وضع المجتمع العربي يتدهور. هناك تدهور مستمرا بمكانتنا السياسية حيث نسمع كل يوم عن اقتراحات قوانين تضر بكياننا ووجودنا في بلادنا. ما يثير الريبة هو اننا نتصرف بطريقة مشابهه جدا لطريقة تصرف اجدادنا ابان النكبة وان لم نغير من سلوكياتنا سنواجه مستقبلا لا يحمد عقباه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com