"انفَخَت الدَّف وتفرّق العشاق" بهذا المثل الشعبي أفتتح مقالي، لأنه بعد إعلان النتائج عاد الناخبون إلى بيوتهم، واستيقظوا صباح اليوم التالي بهمة ونشاط وذهبوا إلى أعمالهم، فما حصل في بعض مدُن وقُرى مجتمعنا العربي ليس تغييرًا أو انقلابًا بل تبديل... التغيير يعني استلام رئيس ذلك الحزب السّياسي لمقاليد الحكم في البلاد، الذي يؤمن بمبادئ حزبه، فيُطبّق رؤيته السّياسية على عمل الحكومة، فيشعُر الشّعب بعد فترة قصيرة أن الأولويّات الاقتصاديّة والخدماتيّة قد تغيّرت جذريًا.

في مجتمعنا العربي أراد المواطن تبديل الرّئيس لتغيير نهج عمل البلديّة الذي لم يرُق له، لأنه سواء الرّؤساء السّابقون أو الجدد، يحملون ذات السّياسة المعهودة التي نعرفها منذ عشرات السّنين، التي تستند على ثلاثة أسس وهي 1) المحافظة على وحدة البلد... 2) العمل من أجل مصلحة البلد... 3) تطوير الخدمات البلديّة التي يستحقها السكّان، التّغيير الذي سيحصل هو في حال حدوث تقصير ما.

برأيي حققت كلمة "تبديل" رؤيا المؤمنين بها! حتّى غدت واقعًا ملموسًا، ما زالوا منتشين من خمرة النصر الذي حققوه في بعض المدن والقرى العربية... ما زال يتعاملون مع وعود الرّئيس المنتخب من منطلق دعائي فقط، لأن خميرة التبديل لم تختمر بعد، لأن الرّئيس المنتخب سيجلس أمام تنّور الإصلاحات مدة طويلةً حتّى تتوهّج فاعليّتها.

إذا أراد الرّؤساء الجدد كشف الفساد في أقسام بلديّاتهم، عليهم أن يتقمصوا عدة شخصيات مختلفة، وأن يدخلوا جميع الأقسام، لكي يكشفوا تلاعب بعض الموظّفين، كما فعل الفنان أيمن زيدان في مسلسل "يوميات مدير عام". يقع على عاتق رؤساء البلديات مهمّة صعبة، وهي القضاء على المحسوبيات، وعدم الرّضوخ للضغوطات الخارجيّة... وشطب التعيينات "من تحت الطاولة"!

المهم ما بعد التبديل، لذا أطلب من الرؤساء المنتخبين أن يهتموا بتقديم التّسهيلات للمواطنين، من خلال تخفيف هرم البيروقراطيّات المقيت، الذي يتذمّرون منه، ويجب على الرّؤساء المنتخبين أن يوفّروا فرص عمل للعاطلين عن العمل، أن يهتمّوا برفع مستوى التعليم، وأن تحافظ إدارات البلديات في وسطنا العربي على نظافة البيئة... أن تحارب ظاهرة العنف.

أمر هام يجب ألاّ يتغاضوه رؤساء البلديات، هو شريحة المعاقين، الذين لا يستطيعون الوصول إلى البلديّات لتلقّي خدماتهم المستحقّة، لعدم توفّر موقف خاص لسيّاراتهم ومدخل خاص يدخلونه بأمان، لأن مباني البلديات في الوسطَين العربي واليهودي غير مهيّأة لهُم، رغم سن قانون حق الوصول الذي يفرض على البلديات أن تلائم مبانيها لشريحة المعاقين. أمام الرّؤساء العمل الكثير في ظل العجز في الميزانيّات، نتيجة سياسة التمييز التي تنتهجها الحكومة مع الوسط العربي، لذلك أقول لهُم: المهم ما بعد التبديل وليس التبديل بعينه.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com