في عصرنا الصّاخب، تُعتبر السيّارة وسيلة النقل، سواء العامّة أو الخاصّة، إذ تنقل النّاس إلى حيث يشاءون، تخدمهم بأمان... يتحكّمون بها بمهارة وإتقان، تريحهم من عناء السّير... تُغريهم بتصاميمها العصرية المميّزة، فيقتني المقتدرون سيارةً جديدةً أو مستعملةً حسب ميزانيّتهم. بعض السيّدات اللاتي كنّ مناهضات للسياقة، بدأن يدرسنها نظريًا، قبل أن يتعلّمنها عمليًا، وذلك كي يحصلن لاحقًا على شرف رخصة السياقة! وليستمتعن أيضًا بمتعة قيادة السيّارات، كحق شرعي لهن. لكن مع الأسف الشّديد نجد بعض السّائقات الحديثات، قد ابتكرنَ لهنّ خريطة طريق يسرن حسبها، دون أن يلتزمن أبدًا بقوانين المرور الرسميّة التي تعلّمنها لدى معلّمي السّياقة، وهي بالتالي خريطة نسائيّة خاصّة لتعطيل عمليّة مرور السيّارات! 

من أهم معالم هذه الخريطة، العبارة الشّهيرة جدًا Ladies First، الأسبقية للسيدات، أي أنَّ لهن حق الأولوية في كل شيء، وفي المناسبات الاجتماعية المخمليّة الرّاقيّة، كنوع من الأناقة الأخلاقيّة، والشهامة التلقائيّة اللبقة من الرّجل، إذا صح التعبير... مع العِلْم أنَّ بعضهن فهمنها بشكل خاطئ، فظننَّ أن لهن حق الأولويّة أيضًا على طرقات المدن والقرى العربية الضيّقة، ولكن دون استئذان أو ذوق، إنّما بكل جرأة وجسارة غير مسبوقَين، لم نعهدهما في الماضي.

أثناء تلقّي بعض الفتيات لدروس السياقة... كنت أراهُنَّ يقُدن السيارة ببطء مثل السلحفاة، يتّبعن نُظُم السير الحديثة، بكل دقّة، منصاعات لإرشادات وإملاءات معلّم السياقة الدكتاتوريّة بنظرهن، متحكّمًا بهنّ... لكن بعد تحرّرهن من عبوديّته، ينطلقن بسياراتهن بدون قيد، مع أنّي لا أنكر وجود سائقات ماهرات في قيادة السيّارات، بعد أن اكتسبن خبرة وتجربة.
بعض الفتيات والسيّدات يُرِدن إثبات حضورهن ومهارتهن من خلال تعريض سياراتهن وسيّارات الآخرين لحوادث الطرق، وفي حال وقوع صدام صغير، نراهنَّ يصرّخن ويتمرّدن على الطّرف الآخر، فيُصبح هو الجاني، وهن الضّحايا البريئات من أي ذنب، لا يعترفن بخطئهنّ! والأدهى أن بعضهن لا يُحسنَّ التّصرف في مثل هذه المواقف الصعبة.

اليوم انضمت المرأة السّائقة أيضًا إلى قافلة الزّحام، بعض السيدات والفتيات، بِتن يُسبّبن أزمة مروريّة خانقة، بعضهن يقُدن السيارة بشكل جنوني، دون الحفاظ على آداب القيادة، مندفعات متهوّرات، فيُزاحمن السّائقين بكل صفاقة، لا يتروّين أبدًا عند وصولهن إلى المنعطفات ومفترقات الطرق... بعضهن يوقفن سياراتهن كما يحلو لهن!!.

بعضهن لسن متمرّسات بالسياقة، فيداهمننا بشكل فجائي... يصارعننا على حق المرور... يتحدّيننا يوميًا بنظراتهن الاستعلائيّة، وذلك نتيجة ذعرهن، لعدم ثقتهن من سيطرتهن على السيّارة، غير مصدّقات أنهن يقُدن السيارة لوحدهن بدون مرافق. إن هذا النّهج غير المسئول، يفقد المرأة أناقتها.

بعض الفتيات الطّائشات متمرّسات بحمل جهاز البيلفون على آذانهن خلال قيادتهن للسيّارة، وهنّ مبتسمات من الفرح!!... ولا يكترثن لِما يحدث على الطريق من طارئ... وترى بعض السيدات مسرعات لتوصيل أولادهن إلى المدرسة صباحًا... بعضهن متسرّعات بقيادتهن للسيّارات الميدانيّة الضخمة، التي نسميها "جيب"، يحسِبنَ أنهن ملكات الشّوارع، يعتبرن بقيّة السّائقين مَوكِبًا تابِعًا لهن، وعندما تباغتهن عجقة السّير، يتلبّكن، فيتصرّفن بطيش ودون أدنى انتباه، فقط يُردن الوصول إلى المكان المطلوب بأي ثمن وبشكل التفافي.

ازدياد عدد السّائقات من الفتيات الصّغار وبعض السيّدات البالغات، ناجم من اعتبارات خاطئة، إذ يعتبرن قيادة السيّارة، نزهة ترفيهيّة، يعتقدن أن رخصة السياقة تمنحهن رتبة اجتماعيّة عالية، لتزيدهن قدرًا وقيمةً!!! ينسَين أو يتجاهلن أن مسألة قيادة السيّارة هي بند أساسي هام في دستور الأخلاقيات أيضًا.

ينشأ في أعماق السيدات صراع داخلي بين كبريائهنّ غير المبرّر، أنه لزام عليهن قيادة السيّارة مهما كلّفهن الأمر، وبين خوفهنّ من ملامسة المقود وليس هيكل السيّارة فقط، لاعتبارات شخصية مترسّبة في تفكيرهن، ويعتبرن السياقة حقًّا طبيعيًّا لهن يجب أن تمارسنه، لتشعرن أنهن حقّقن إنجازًا رياديًا في المجتمع.

لا مانع لدي أن تقود المرأة السيّارة، إنّما حسب أصول العقلانيّة، بحيث تتلاءم مع هيكليّة الشوارع، لا أن يلائمنها مع غوغائيّة خريطة طريق أنثويّة مسترجلة، غير لطيفة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com