منذ أسابيع عبرتنا مناسبة يوم الصحفي الفلسطيني التي لم نشعر بها إلا من خلال مظاهر خجولة اقتصرت على ما قامت به نقابة الصحفيين من تصدير بيان في هذه المناسبة وما نشره بعض العاملين في المهنة عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لم تشتمل على أي مظهر فعلي لافت يتناغم مع هذه المناسبة والتي وجدت من اجل التضامن مع الصحفي ولتسليط الضوء على معاناته وما يتعرض له الصحفي من مخالفات تمتهن انسانيته وتهدد حياته وتحد من نشاطه وإبداعه في عمله إضافة إلى ما يقابله من عقبات ومشكلات في المهنة وتسلط الضوء على حقوقه ومطالباته ولو في يوم من أيام السنة التي هو مطالب خلالها بالكثير من الواجبات .

إن اللافت في الامر ان فلسطين رغم شح الامكانات والأدوات الإعلامية فيها إلا ان هذا لا ينفي عنها صفة امتلاك العديد من المؤسسات الاعلامية المؤثرة والتي استطاعت تثبيت وجودها والإعلان عن نفسها كأدوات فاعلة في المجال الاعلامي وان هذه الأدوات لم يأتي تميزها بناء على ما تملكه من ادوات مادية بقدر ما جاء بفضل تميز الكادر البشري وتفانيه وإصراره على تقديم كل ما يملك وعلى الرغم من ذلك لم نرى أي من هذه المؤسسات تقوم بتكريم منتسبيها وإعطائهم حقهم في هذا الابداع والتميز .

الصحفي الفلسطيني عندما يترك له المجال في العمل بحرية يستطيع ان يبدع ويعمل ليظهر عمله مهني محترف تفوح منه رائحة الوطن بشرط توفر المناخ الوطني العام لهذا الابداع عندما تغور الحزبية ويندفع الانتماء الوطني الاصيل والجميع رأى ما تمكن من انتاجه الصحفي الفلسطيني خلال العدوان الاخير على غزة الذي لم يكن فيه فقط ناقل للحقيقية بفدائية ومهنية عالية وإنما أيضا كان فاعل في توجيه الرأي العام الفلسطيني ومساند للمقاوم من خلال اطلاع العالم على الانتهاكات والتجاوزات التي يمارسها الاحتلال ولم يكن هذا هو المشهد الوحيد الذي تفوق فيه الصحفي الفلسطيني على نفسه ولكن كثيرة هي المواقع التي خاضها منها موقعة الاسرى والاستيطان والقدس وغيرها .

لوحظ مؤخرا على عدد كبير من وسائل الاعلام الفلسطينية ميلها لعرض عدد من الموضوعات السطحية والتي تعتمد على الاثارة والتي تشبه صناعة العري وتغيب فيها المهنية وليس لها هدف اجتماعي او نفعي بقدر ما تهدف الى جذب المتابعين او جلب الانتباه وفيها تضخيم متعمد لأحداث ليس لها اصل في مجتمعنا او انها غير ملفتة فيه .

هو نفسه الصحفي الذي كتب عن الفداء والتضحية والدم النازف من تناول موضوعات تحمل اسفاف وبها ما بها من السخافة والسطحية ترى كيف يكون هذا التناقض ؟ ما الذي دفع الصحفي والإعلامي الفلسطيني لهذا الاتجاه رغم ان مجتمعنا يحمل مئات الموضوعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تستحق تناولها والكتابة فيها ؟؟ ظاهرة اخرى تجتاح عدد كبير من وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهي الاعلام الاصفر ترى هل هناك ارتباط بين هذه الظاهرة وسابقتها وهل الاسباب الدافعة لهذه الظواهر مترابطة ؟؟ .

كثير ما نسمع القيادة السياسية والحكومات في فلسطين والقيادات الحزبية والتنظيمات تتحدث عن حرية الرأي وحرية التعبير ما مدى حقيقة احترام هذا الحق الدستوري ؟؟ باعتقادي ان حرية الرأي مكفولة في فلسطين ولكن بشكل نسبي بمعنى انه لدى الفرد الحرية في التعبير عن رأيه بحرية طالما ان هذا الفرد لا يمس بالقدسية والهالة التي صنعها حوله النظام الحاكم فالحق مكفول طالما انه يمتدح الحاكم فمن حق الصحفي أن ينتقد فقط معارضي النظام فنلمس في غزة إسهاب في الحرية طالما أننا نتقد الضفة والعكس صيحي فالصحفي له الحرية المطلقة في انتقاد غزة "فنستطيع أن نرى بان الانقسام أيضا أرخى بسدوله على العمل الصحفي وبشكل ظاهر ولافت ".

إن الصحفي الذي يجد نفسه مطارد وقلمه مكبل وانه سيدفع ضريبة كبيرة قد تصل إلى حد الاعتداء الجسدي أو الاعتقال والحبس من الطبيعي انه سيلجأ إلى احد الأمور أما انه سيطرق باب الموضوعات الهابطة والتي تشبه صناعة العري من اجل جذب المتابعين أو انه سيلجأ إلى الحزبية والتماشي مع يرضي النظام الحاكم ويطيب له سمعه أو انه سيلجأ إلى الصحافة الصفراء و كل الخيارات المتاحة تحرم المجتمع من التنوير وتحرم الصحفي من قدرة التأثير في المجتمع وتفقده الثقة في نفسه وتحد من إبداعه وتفقد المجتمع الثقة بالصحافة الوطنية .

وهذا بالطبع لا يعني أن المجتمع الصحفي ليس فيه أقلام جريئة وتعكس رغبة المجتمع وتعرض همومه وتتحمل العبء نتيجة لمواقفها ولكنها أقلام تحارب وغاليا ما تدفع ضريبة عالية نتيجة لتشوه المفاهيم وعدم استيعاب نبل القضية .

لم يعد الإعلام والصحافة والصحافيين قطيع يسوقه الحاكم أينما أراد ولكنه أصبح احد الأدوات الهامة التي يمتلكها المجتمع لعكس إرادته ورؤيته ورغباته فإما أن تعبر الصحافة عن المجتمع وإما أن تكون عامل مفجر للمجتمع وان العصر الحديث بكل ما فيه من وسائل اتصال أصبح السيطرة على الإعلام وحجب المعلومة والحقائق درب من الخيال ولم يعد بالإمكان السيطرة على الإعلام ليكون ذات طابع أو لون واحد وإلا سيكون إعلام بدون مصداقية ومهجور لصالح أدوات الإعلام الأجنبية التي توجه من أصحابها لخدمة أهدافهم هم وليس أهداف وطنية فلإعلام الجيش الثاني لأي كيان اجتماعي منظم .

على الدولة إيجاد آلية تسمح فها باندماج الإعلام بما يخدم الأهداف الوطنية العامة دون قمعه ودون تركه ليستطيع أن يكون سلطة رقابية حقيقية ويكون رقيبه الوحيد هو القضاء والتشريعات القانونية التي يجب أن توضع بمشاركة المجتمع الصحفي بما يحفظ حقوق المجتمع وترك الحرية للإعلاميين .

نقابة الصحفيين هي إطار يخص الصحفيين ويدافع عنهم وعن مشكلاتهم تسييسها وإخضاعها لأهواء البعض الذي يرائي الدولة يفقدها معناها وأهميتها فان قيمة النقابة بقيمة أعضائها و المنتسبين فيها وليس برضا الدولة عنها ,والمجتمع الصحفي عليه أن يكون متراص يسهم في الدفاع عن بعضه البعض ويرفع بعضه البعض كي ينال احترام المجتمع والآخرين بغض النظر عن الاختلاف الفكري والأيدلوجي فليس مطلوب من المجتمع الصحفي أن يكون كربون واستنساخ من بعضه لكنه مطالب بالمهنية واحترام أخلاق المهنة .

الشباب طموح واندفاع يحتاج إلى الخبرة لان تمد له يد العون والمساعدة والإرشاد لتكتمل المنظومة الصحفية في تناغم محمود وتكون بحق صوت الحق والفضيلة وكلمة شكرا على ورقة بقروش تحفز لمزيد من الجهد والارتقاء بالعمل المهني ومزيد من الحرية تحد من الاحتقان وتسهم في التنفيس عن المجتمع والتراص حائط سد منيع امام الاعتداءات المتكررة على الصحفيين والاختلاف فضيلة وتنوع في المجتمع يجب الحفاظ عليها ومداهنة الحاكم لن تصنع قضية او تخلق قيم .

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com