هذه المرّة الحملة الانتخابيّة اختلفت عن سابقاتها، من حيث الدّعايات الانتخابية، مع أن اجتماعات الأحياء جرت كالعادة... مقار المرشّحين، ما زالت تعِجّ بالوافدين إليها، ولكنّ مضمونها الدّعائي اختلف، رغم أنّي قرأت ما كُتِبَ عن الهدوء الغريب الذي ساد الانتخابات هذه المرّة، هناك من يعزوه إلى انعدام وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، آخرون يعتقدون أن قسمًا كبيرًا من جمهور النّاخبين بات لا يعنيه أمر الانتخابات بتاتًا، لانشغاله بالحفاظ على باب رزقه، الذي يعيل أسرته. 

الانتخابات لم تكُن هادئة أبدًا كما ادّعى البعض، بل كانت ساخنَة جدًا، ودارت رحاها عبر ميادين الإنترنت التي علَّقت على هامش صفحاتها الرّئيسيّة دعايات وصور المرشّحين... لاحظ المرشّحون أن استخدامهم للإنترنت كان موفّقًا جدًّا، إذ خدم أفكارهم، ونشر بين النّاس برامجهم الانتخابيّة بسرعة، فارتادوا هذا المجمّع المعلوماتي الواسع يوميًا، ومَدّهم بشكل متواصل بِكمٍّ هائل من المعلومات الحقيقية، وأحيانًا المغلوطة أو المفبركة، ولم يعُد يعتمدُ النّاخبين فقط على معلوماتيّة الأقاويل، بل اعتمدوا أيضًا على عصر المعلوماتيّة الإلكترونيّة.

كان موقع اليوتيوب الشّهير ورشة عمل مثيرة، بهرَ عيون النّاخبين بتقاريره المصوّرة عن تحرّكات المرشّحين، إذ استطاع النّاس دخوله من بيوتهم أو من خلال هواتفهم الذّكية، حتّى الذين يعوم صوتهم في بحر الحيرة استفادوا منه، فتسلّوا بنقارش الاجتماعات والدّعايات الانتخابية التي عُرضت من خلاله... فاجأ اليوتيوب النّاس بعرض التصريحات الدّرامية للمرشّحين ولداعميهم، فواكبوا تحركاتهم السّياسية، هذه الوسيلة المجّانية عوّضت نوعًا عن حاجتنا إلى وسيلة إعلاميّة مرئيّة، بعد إغلاق قناة "هلا" المحليّة، ولم يُعرَف مصيرها إلى الآن.

لهفة غالبية القوائم ومرشّحو الرّئاسة، دفعتهم أن ينضموا إلى موقع التواصل الانتخابي... عفوًا الاجتماعي "الفيس بوك"! ورشة معلوماتيّة أخرى متطورة، استندت على دعم الجمهور لهم، فَحوّله إلى منبرٍ مفتوحٍ للنّقاش!! وكل منتسب كتب ما يشاء على حائطه... أو كَتَبَ جملةً يعبّر بها بصورة أدبية غير جارحة عن رأيه، هكذا عَرِف نُشطاء المرشّحين الوجهة الحقيقيّة لبعض روّاد الفيس بوك، كما دارت بين المعسكرات المؤيّدة والمعارضة مواجهات كلاميّة لاذعة وأحيانًا بذيئة، ويقولون المعركة الانتخابيّة كانت هادئة!!

خلال هذه الانتخابات، اكتشفت المواقع المحليّة ورشة عمل "جديدة طخ" وهي تركيب مجَسًا خاصًا للاستطلاع رأي الجمهور، كي يُظهروا مرشّح الرّئاسة الأقوى من بين المرشّحين المطروحين فيه، وللأسف يستطيع المواطن أن يتلاعب بنتائج هذه الاستطلاعات، بأن يُطفئ الجهاز الموزّع للإنترنت المعروف باسم "راوتر" وأن يشغله ثانيةً، فيصوّت مرةً أخرى، وقد قُمت بهذه التجربة ونجحتُ في التّصويت ثانيةً، يعني نتائج استطلاعات الرّأي عبر الإنترنت، لا تعكس وجهة نظر الجمهور.

لعبة استطلاعات الرّأي عبر الإنترنت كانت مجرّد حب استطلاع لا غير، لأن استطلاع الرأي الحقيقي، يجب أن يستند إلى أسس علميّة صحيحة، يحتاج إلى أخصّائيين في علم الإحصائيّات، وإلى طاقم محلّلين يحلّل النتائج المعطاة بشكل منطقي، تموّله مؤسّسات إعلامية ضخمة، بينما ما أجرته المواقع المحليّة من استطلاعات، فإنها تُعتبر مجرد ورشة عمل أخرى لأصحاب المواقع، لزيادة نسبة الإقبال على مواقعهم.

استطلاعات الرّأي الهاتفية التي جرَت، كانت سخيفة، افتقرت إلى المصداقيّة، وكانت عبارة عن استجوابات، لأن المتصّل لم يقُل لنا من قِبَل أي شركة استطلاعات اتّصَل، وأمر آخر أن الرّقم كان مكشوفًا على جهاز الهاتف، ويستطيع المواطن أن يرجع إلى المتّصل، والمتعارف عليه أن تكون الأسئلة محدّدة حول موضوعٍ معيّن، دون الاستفسار عن عائلة المواطن، وفي أي منطقة يسكن، وهذا ما حصل فعلاً.

جميع ورشات العمل الانتخابية، التي أفرزها الإنترنت ألهَت الجمهور، وكانت صاخبة جدًا وغير هادئة، مع أن بعض الشخصيات التقليديّة في مجتمعنا ما زالت تفضّل الطريقة التقليديّة للانتخابات، التي فقدت ميزتها، فالنّاس دائمًا تبحث عن التجديد في حياتها اليوميّة، تحبُ تطوير مفاهيمها، لتندمج عاداتها بشكل فعلي مع عصر العولمة، الذي فتح أمامهم آفاقًا فكريّةً حديثة، أسّس لهم بنية اجتماعية عصريّة جدًّا، واليوم يقف النّاس على شرفة قرب نهاية المعركة الانتخابية، ينتظرون يوم الحسم وفرز الأصوات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com