التلفزيونات و’الفضائيات’- أساساً- هي وليدة الخيال، والتخيُّل.. وكاتب السيناريو التلفزيوني (السيناريست) هو الشخص الذي يستطيع أن يتخيل كيف يمكن أن تسير الأحداث في مكان ما، وزمان ما..

أنا، مثلاً، ومن خلال متابعتي لما يُعرض على ‘الفضائيات’ المختلفة، أتخيل السوريين اليوم وهم يجهزون الأوراق الانتخابية، ويتفقدون هوياتهم، ويُجَلِّدونها إذا لزم الأمر، استعداداً للانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2014، ومن الممكن أن تؤخذ لهم لقطات وهم يكتبون على وريقاتهم جملة واحدة هي (سيادة الدكتور بشار الأسد)، ثم يطوونها ويضعونها في صناديق الاقتراع دون تردد، أو تذمر، أو خوف، أو وجل، وأما منافسوه (شانئوه)، الذين يَظهرون في هذا الميدان لأول مرة منذ 43 عاماً، فنراهم، بلقطات قريبة، وهم يجرضون بأرياقهم محزونين، لأن الشعب واقف مع السيد الرئيس بشار، ولا يريدهم!

إن أسباب هذه الوقفة الشجاعة تكاد أن لا تُعَدَّ ولا تحصى، منها أن ‘الفضائيات’ المتنوعة أظهرت لنا سيادته في الجزء الثاني من حواره الهادىء، المنقول عن قناة فوكس نيوز الأمريكية وهو يصول ويجول (بالإنكليزية) ويتصدى للمُذيعَيْن المخضرمين الكبيرين اللذين لا يشبه أيٌّ منهما المذيع السوري ذا الحاجبين الكثين ‘رجا فرزلي’ أو الفتى الوسيم ‘نزار الفرا’، ويُبعد عن نفسه الافتراء الذي وجهه إليه باراك أوباما وجون كيري بأنه كذابّ!.. ويقتل شعبه!.. مقدماً جواباً واضحاً ومنطقياً يتلخص بالسؤال البديهي التالي: هل يعقل أن يقوم رئيسُ دولة ما بقتل شعبه؟! طبعاً لا.

وإذا كنت أقتل شعبي- يتابع الرئيس استطراداً- ولو لم يكن شعبي معي، كيف استطعت الصمود طيلة هذه السنين والشهور في وجه الإرهاب وداعميه؟!.. لو كنت أقتله ما كان ليقر إعادة انتخابي رئيساً للبلاد في العام 2014!

قال أحدُ المذيعين (الأمريكييين) الذي لا يستطيع إخفاء كراهيته للشعب السوري ورئيس الشعب السوري: ولكن عدداً كبيراً من المدنيين قُتلوا على أيدي القوات الحكومية في سوريا، وبعلم سيادتك!!..

السيد الرئيس، من دون تلكؤ، أو تأتأة (حتى إنه لفظ حرف الـ S على نحو صحيح هذه المرة)، قال: شيء طبيعي، حينما يتسلل الإرهابيون بين الأهالي، فإنهم، أي الإرهابيون، يبدؤون بقتل الأهالي!!.. ثم تضطر القوات الحكومية، بغية تخليص الأهالي من براثنهم، لقتل البعض الآخر من الأهالي!!.. على كل حال، في الحروب يذهب ضحايا من المدنيين، هذا شيء طبيعي.

السارين المنزلي

ومن الأسباب التي تدفع المواطن السوري إلى انتظار سنة 2014، بفارغ الصبر، حتى يحقق حلمه بالذهاب إلى صندوق الاقتراع ويستمتع بانتخاب السيد الرئيس بشار هو هذا الجواب الرائع الذي قدمه لفوكس نيوز، المتعلق بكون العصابات الإجرامية المسلحة هي التي ضربت الغوطة بالكيماوي، فقال: إن غاز السارين هو غاز منزلي، يمكن صنعه في المطبخ!

الآن، وبينما يشاهدُ السوريون رئيسَهم الضليع في الشؤون العسكرية إلى درجة يقينه بأن العصابات تمتلك صواريخ ضخمة محملة برؤوس كيماوية، ومنصاتٍ خاصة بإطلاق الكيماوي شديدة الضخامة والتعقيد، وأنها يمكن أن تضرب المناطق التي تحتلها هي، ومستعدة لأن تقتل أهلَها وأطفالها لكي تثير نقمة المجتمع الدولي ضد قيادته الحكيمة! سوف يرجعون بذاكرتهم إلى سنة 2000، حينما شاهدوا (على الفضائية السورية) الرفيق عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السابق، يقدم إلى مجلس الشعب مرسوماً يقضي بترفيع بشار الأسد من رتبة نقيب إلى رتبة فريق!.. مختصراً ترفيعات تحتاج إلى ثلاثين سنة!.. وسوف يندمون على السباب الذي كالوه لخدام، وللقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشراكي، ولأعضاء مجلس الشعب، فبرأيهم، الآن، أن هذا الذكاء العسكري الموجود لدى السيد الرئيس كان يحتاج إلى رتبتين إضافيتين غير تلك التي تكرموا عليه بها!

من ديغول إلى أولاند

تندرج الأسباب التي عرضناها أعلاه، التي من شأنها ركض السوريين إلى صناديق الاقتراع في العام 2014 بقصد تأبيد حكم الدكتور الأسد!.. ضمن خانة الأسباب (الرئيسية)، وأما الأسباب الأخرى، فمع أنها (ثانوية)، إلا أنها- برأينا- بالغة الأهمية..

فالمواطن السوري المتردد، المشوش، المضطرب فكرياً، الذي يصدق الإشاعات التي ما فتئت ‘الفضائيات’ المغرضة تروجها منذ ثلاثين شهراً ومفادُها أن بشار الأسد هو وريث قسري وليس رئيساً شرعياً، وهو مجرم، مستبد، يسعى إلى تدمير سوريا قبل تسليمها على شكل لقمة سائغة لإسرائيل والأميركان، هو في أمس الحاجة لمشاهدة المقابلة الرائعة التي عرضها تلفزيون نبيه بري (N.B.N) ضمن برنامج ‘مختصر مفيد’ الذي يقدمه المذيع سعيد غريِّب، ليقتنع، أعني المواطن المشوش، بأن السوريين لا يمكنهم الاستغناء عن حكم بشار الأسد، ولا حتى عن حكم سلالته في المستقبل، فهذا الرئيس، لم يكتف بهزيمة فرنسا وأمريكا وإسرائيل والدول الداعمة لها في سوريا، بل إنه كشف أوراق رؤساء دول عظمى، وأظهرهم على حقيقتهم أمام (اللي يسوى، واللي ما يسواش)!

سيعرف هذا المواطن، من خلال تلك المقابلة، أن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، حينما قدم توضيحاته حول الحرب التي شنتها أمريكا على العراق 2003، لم يكن كلامه مفهوماً، وبدا ساذجاً (مغفلاً)!!!.. ومثله الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الذي يحارب الإرهابيين في مالي ويمولهم ويسلحهم في سوريا!

ملاحظة: نحن السوريين نسمع بهذا الأمر لأول مرة.. ولولا أن هذه المعلومة صدرت عن الأخ وئام لقلنا غنها كاذبة.

فجأة يقول وئام: انظر إلى سخريات القدر يا أستاذ سعيد.. فرنسا يحكمها ديجول، ثم يحكمها هذا (الساذج) أولاند؟!

باراك أوباما على المئذنة

اللقطة البارعة التي التقطها الأستاذ وئام، اللقطة التي جعلتني أفكر بأنني لو كنت مخرجاً لأي مسلسل كوميدي لاخترته نجماً للمسلسل، من دون منازع، وردت خلال حديثه عن المبادرة الروسية المتعلقة بنزع السلاح الكيماوي السوري..

قال وئام ما معناه إن هذه المبادرة هي التي أنزلت أوباما عن المئذنة، ويبدو أنه، أي أوباما، كان بحاجة لمن يُنزله.
(ههنا إشارة إلى مثل شعبي شامي يقول إن الشخص الذي يُصعد ‘الغزال’ إلى المئذنة هو المسؤول عن إنزاله!!).

احترامي لكل مَن (يعرف)..

الحقيقة أن السيد الدكتور علي حيدر رجل فهيم، و(عارف) بماجريات الأمور، ما ظهر منها وما خفي، وإلا ما كانت القيادةُ السورية الحكيمة كلفت نفسها وعينته وزيراً للمصالحة الوطنية.. وطلبت منه أن يصالح جماعة النظام من جهة، مع جماعة هيئة التنسيق، وجماعة تيار بناء الدولة، وجماعة الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير (جناح الدكتور قدري جميل) من جهة أخرى.. وأن يعتبرَ المجلس الوطني (أو: مجلس اسطنبول)، والائتلاف الوطني (أو: ائتلاف الدوحة) منظمتين إرهابيتين لا يجوز التصالح معهما، ولا تجوز محاورتهما أصلاً.

في ظهوره الأخير على قناة غسان بن جدو ‘الميادين’ ظهر الدكتور علي حيدر أنه (يعرف) سراً على قدر كبير من الإثارة، وهو أن الأستاذ الدكتور هيثم المناع (يعرف) مصير المعتقل والقيادي في هيئة التنسيق الدكتور عبد العزيز الخيَّر.

من خلال هذا التصريح الطريف، يتبين للسوريين أن المناع هو أيضاً من النوع الذي (يعرف)!.. ففي بداية الثورة صرح لإحدى الفضائيات بأنه (يعرف) أن الثوار كانوا يريدون التسلح ولكنه (هو) لم يوافق.. وبتاريخ 21 من آب (أغسطس).. وقبل أن يُجري أيُّ أحد في العالم أيَّ نوع من التحقيق أو التقصي (عرف) المناع أن جبهة النصرة هي التي ضربت الغوطة الشرقية بالكيماوي.. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com