أثار مصطلح "جهاد النِّكاح" الكثير من الجدل منذ أطلقه صحفي مقرب من النظام السوري، متهماً معارضي النظام باستخدامه كنوع من أنواع الدَّعَارَةِ المُقَنَّعَةِ لمقاتليها، ونسب ما قال أنها فتوى لشيخ معروف تبيح هذا النوع من العلاقة بين الرجل والأنثى.

الغريب أنّه بعد ثبوت كذب هذه الاشاعة، إلا أنها انتقلت إلى تونس ومن ثم إلى القاهرة، واتُّهِمَ بها المعتصمون في رابعة العدوية، واستقر أمر أعداء المقاومة الفلسطينية لاتهامها بممارستها في قطاع غزة المحاصر؟!!.

عبور هذا المصطلح للحدود العربية، واستخدامه من قِبَل أعداء الثورات مُلفِت، وأكَّد لي أنّه لم يكن ردّاً على متهمي حلفاء بشار بما يسمى " زواج المتعة" فقط، بل وراء المصطلح ما وراءه، خاصةً وأنّه يُستخدم الآن في مناطق أخرى في العالم العربي، ويوجَّه في نسخته الأخيرة ضد المقاومة الفلسطينية.

استُخدِمَ المصطلح ضد متدينين، وعاملين في الحقل الاسلامي، وأصحاب رسالة تدعوا لقيام دولة الاسلام، ومن أطلقوا المصطلح في غالبيتهم معارضين ومعادين لتلك الحركات، ولذلك كان دمج مصطلحين إسلاميين خالصين، لهما من القداسة والاحترام والشرعية الدينية والأخلاقية، ووضعهما معاً في صيغةٍ و في سياقٍ استفزازي مُنَفِّر، يهدف لتسويق إيماءات معادية صراحة لدلالات هذين المصطلحين الدينية والأخلاقية.

فالجهاد مصطلح إسلامي مرتبط بالفداء والدفاع عن المال والعِرض والأرض والدِّين، والنِّكاح هو التنظيم الشرعي للعلاقة الجنسية بين الرجل والأنثى في الاسلام، وعندما يُدمجان بِهذه الطريقة الخبيثة، فهذه محاولةٌ لضرب جوهرهما ومعانيهما السامية.

يدل استخدام هذا المصطلح على محاولةٍ لتسخيف قيم الزواج والجهاد، وإظهارهما بطريقة تثير الاشمئزاز والسخرية من المستمعين، وخاصة عندما يطلقان على من هم أكثر الناس حرصاً على الزواج الشرعي، والجهاد في سبيل الأوطان والاسلام، وبالتالي يصبحان مادَّةً للتَّنَدُّر والسُّخرية، ويفقدان ما يحظيان به من هالة واحترام بين العامَّة.

عند البحث في خلفيات الكثير من مُرَدِّدِي هذا المصطلح، نجد أنّهم من اللادينيين والشيوعيين والليبراليين الذين يدعون لترخيص بيوت الدعارة، وشيوع الاباحية بأشكالها المختلفة، وهم مرتبطون أخلاقياً وثقافياً وقيمياً بالغرب وقوى الاستعمار، التي تعادي أي نهوض للاسلام الحضاري، وتسعى لمنعه بأيِّ ثمن، ولذلك يشكل المقدس الديني والاخلاقي و الاجتماعي هدفاً للتدمير والاستئصال بالنسبة لهم، ولتبرير السقوط الاخلاقي والخياني لا بدَّ من تحطيم الأخلاق والمقدسات والقيم التي تمثل جوهر نهضة المجتمعات الاسلامية وجهاز مناعتها ضد القوى الاستعمارية.

يهدف مُطلقوا هذا المصطلح إلى ضرب مصداقيّة وصورة الثائرين والمقاومين للاحتلال والاستبداد ونزع الانسانية عنهم، تمهيداً لقتلهم وحرقهم، وكما يقول الخبراء في مجال علم النفس و الاعلام:

"يسبق كل مجزرة حملة إعلامية لنزع الانسانية عن الضحايا"

ولذلك حرص هؤلاء على صبغ خصومهم السياسيين بالحيوانية والغرائزية، وأنّهم لا يفكرون إلا في الجنس والقتل، بطريقة تثير الحَنَق عليهم، وتنزع الانسانية من صفاتهم، تمهيداً لتسويغ التنكيل بهم و قتلهم في نهاية المطاف، وهو ما يجري بأبشع صوره على أرض الواقع.

اتهام المقاومة الفلسطينية مؤخراً بممارسة هذا الشكل من "جهاد النِّكاح" يأتي في سياق الحرب التي تُشَنُّ عليها منذ فترة طويلة، وفي إطار الحرب الحالية لخنقها وتركيعها للقبول بشروط الرباعية الدّولية والاستسلام للاحتلال الاسرائيلي، وتهدف تلك الاتهامات – وغيرها- لضرب عِفَّتها الثورية، وقداسة القضيَّة الفلسطينية، وتسويغ محاصرتها ومحاربتها من قبل أدوات الاستعمار، فقطاع غزة رمز للعِفَّةِ والخُصُوبَة، ونسب الزواج والولادة فيه تُعتبَرُ الأعلى عالمياً، وهذا ما يؤرق الاحتلال وأعوانه.

يرتبط هذا المصطلح بمصطلح " التجارة في الدين" الذي يُتَّهَمُ به الاسلاميون عموماً، ومن خلال تعميم مصطلح " جهاد النكاح" يتم الايحاء للمتلقِّي أنّ هذا دليل على المتاجرة في الدِّين، وأنّ هؤلاء الناس يُطَوِّعُون الدِّين لخدمة نزواتهم في أطهر معنى للتضحية، وهو الجهاد، وفي هذه الحالة يظهر المُعادي والمحارب للاسلام حريصاً على الدِّين في وجه "المتدثرين والمتاجرين به" وبهذا تتحقق محاربة الاسلام وأهله والتنكيل بهم وإبادتهم تحت لافتة محاربة المتاجرين به.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com