يعيش المجتمع الفلسطيني حالة من التخبط في وسائل الإعلام المسيسة منها والتجارية، باحثاً عن حلول جذرية وفورية لمشكلاته اليومية في وقت وصل فيه الموطن في بحثه عن اساليب متعددة لاعلاء صوته الى أدنى وأعلى المستويات.

في بلادنا يشتكي المواطن لذاته شح المياه تارة، أو يصرخ من خلال وسائل التواصل الإجتماعي عن انقطاع الكهرباء تارة أخرى، مشكلات متعددة يعاني منها ذاك الموظف او هذا العامل الفلسطيني، فطالما اعتاد على ان صوته هو نغمة فارغة لا صدى لها.

المساءلة المجتمعية ووسائل التواصل الاجتماعي

وسيلة التواصل الاجتماعي ” فيسبوك ” الأكثر رواجاً في فلسطين، لعبت دوراً كبيراً في مجتمعنا، ولكن ليس دائماً نحو الأفضل، ففي بعض المناطق الفلسطينية استغلها الكثيرون لإصلاح مجتمعهم ولإنهاض بلدهم، في مناطق أخرى تم استعمال هذا المنبر بشكل خاطئ في مساءلة المؤسسات والمجالس البلدية من خلال القذف والذم واستعمال الألفاظ غير اللائقة في المطالبة بحل المشكلات.

ملفات مختلفة يريد المواطن الفلسطيني أن يعرف ماهيتها ويسائل الجهة المسؤولة عنها، والمواطن هنا يجد ان المجلس البلدي هو المسؤول الأقرب عن حلها ويستوجب عليه ايجاد الحلول لعدم استمرارها.

قد تقتصر العلاقة في بعض المناطق بين المجلس البلدي والمواطنين على عبارات تكتب في مواقع التواصل الاجتماعي او صور يتم ارفاقها، مجالس متعددة أصبحت تراقب هذا المنبر وتجعل منه طريقة للتعرف على احتياجات المواطنين وتلبيتها، وهذا يعتبر نجاحاً للمسائلة المجتمعية الإلكترونية في بعض المجالس، أما باقيها فيعتبر أن رأي من يشتكي على وسائل التواصل الاجتماعي ليس بالناضج الكافي، فيتعكر مزاج طاقمها من تداعيات الفاظ المشتكين وإلحاحهم لإغلاق ملفاتهم.

حتى موقع “اليوتيوب” لعب مستخدميه دوراً في المساءلة المجتمعية للمجالس البلدية الفلسطينية، فتوجه بعضهم لعمل لقطات مصورة متعددة الأشكال تهدف لمساءلة أعضاء بالمجالس البلدية أو الموظفين إلا أن جزء منها طغى عليه طابع الشخصنة على المساءلة المجتمعية .

اعلام يستغل مشكلات المواطنين للتجارة او الترويج

هنا لا يزال صوت المواطن مكتوماً، غير واضح ، فمد هذا الصامت يده للإعلام ليتكلم عن قضاياه العالقة والأخرى البسيطة، إلا أن وسائل الإعلام الربحية استغلت ذلك لجذب الجمهور ولزيادة عدد المشتكين بدل من المساهمة في انهاء الشكوى، هي النظرة الربحية لهذا الإعلام والبعيدة كل البعد عن العمل المجتمعي.

تستقبل الإذاعات الفلسطينية يومياً كماً هائلاً من الإتصالات والرسائل التي تناشد مؤسسات الوطن لحل بعض القضايا، كون الإذاعة هي الأسهل ضمن وسائل الإعلام للحديث عن المشاكل اليومية في فلسطين، تتركز بمجملها على مطالبة المجالس البلدية بتوفير احتياجات هذا المواطن البسيطة، والتي لا تعلم بها بعض المجالس، وبعضها الاخر لا يستطيع التعامل مع هذه الشكاوى.

وسائل اعلامية اخرى تنتهج الترويج الحزبي من خلال اصدار الوعود من المسؤولين والتي تتلفظ بلغة الخشب حتى هذا الوقت، تستقبل الوزراء والمسؤولين والمحافظين ورؤساء البلديات للحديث عن الإنجازات والطموح وتنسى المواطن الذي له رأي وله صوت، والذي بحث كثيراً عن منبر يناقشها ويحلها ولكنه لم يجد .

بعض الصحفيين يملكون النفوذ انهوا بعض المشكلات التي يعانيها المواطن ولكن تبقى الحلقة مفقودة.

الإعلام المجتمعي وسيلة جديدة يستريح لها المواطن الفلسطيني

في أقصى الجنوب الفلسطيني صدح صوت المواطن لأول مرة رفضاً للتهميش، وشارك المجالس البلدية في ايجاد حل للمشكلات بعد انشاء اذاعة مجتمعية في الظاهرية جنوب الخليل، ساهمت بشكل كبير في المساءلة المجتمعية فقام طاقمها بطرح قضايا متعددة على الهواء مباشرة، واتاح الفرصة للمواطن ليكون جزء من حل المشكلة وعدم اقتصاره على ان يكون ” مشتكي ” فقام الطاقم بأخذ الشكوى والتوجه مع المشتكي الى البلديات لحلها فلم تكتفي هذه البلديات على اصدار الوعود بل وصل بها الأمر للتوقيع على حلول فورية وجذرية بهذه الطريقة.

ايضاً قامت هذه الإذاعة من خلال برامجها بجمع المواطن والمجلس البلدي على طاولة واحدة لمناقشة المشكلات والتساؤل عن حلها، احياناً كانت تستمر المناقشات بين اعضاء المجلس البلدي والموظفين من جانب، والمواطنين من جانب اخر خارج استوديوهات الاذاعة باشراف الطاقم الذي يبحث عن حلول وليس عن شهرة او ترويج او ربح مادي.

في مناطق الوسط الفلسطيني ايضاً تم انشاء وسيلة اعلامية مجتمعية تعنى بشؤون المواطن بالقدس واتخذت الطابع المجتمعي بكافة اعمالها .
بدأت الحقيبة الإعلامية الفلسطينية مؤخراً بعد تجربة الجنوب الفلسطيني بإحتواء الإعلام المجتمعي، حيث ولدت في فلسطين أيضاً ست اذاعات مجتمعية تحمل الطابع ذاته وتسعى لإعلاء صوت المواطن وايصاله لمن سينهي مشكلاته، والتي غالباً ما تكون البلديات والمجالس القروية.

المجالس البلدية ترحب بالمساءلة المجتمعية وتساهم بتطويرها

المجالس البلدية والقروية الفلسطينية رحبت بالمسائلة المجتمعية، وبدأت بايجاد حل يأتي من النقد البناء والموضوعي من قبل المواطن، حتى ان بعضها توجه لتبني مثل هذه الوسائل الاعلامية المجتمعية، حيث يمكن لاي مجلس بلدي دعم الوسيلة الاعلامية المجتمعية في منطقته مادياً او حتى بايجاد مشاريع مشتركة، كون الجهتين لهما سلطات مختلفة يمكن بها حل القضايا ، فتستعمل الوسائل الاعامية منبرها للبحث عن المشاكل وطرح وجهات النظر، وتعمل البلديات على حلها بالطرق القانونية .

طورت بعض البلديات نظام المساءلة المجتمعية من خلال جذب المشتكين لمقراتها والاستماع لهم من خلال طرح الأسألة و الإقتراحات، فنتج أن المواطن هو جزء من المجتمع وجزء من المجلس البلدي وله تأثيره الموضوعي والمهني في قضايا بلده .

ميزان المجالس البلدية هو من يملك القرار

حين يستقبل رئيس بلدية فلسطينية مشتكي في مكتبه فإن واجبه أن يستمع له ويحول شكواه للقسم المختص لحلها، وان كانت قضية ضخمة فانها تتحول الى وزارة الحكم المحلي الذي يوصي بإنصاف المواطن وكذلك للمحافظين او الوزراء القادرين على ايجاد حل.

يميل ميزان هذه المجالس حيال ذلك فيشعر المواطن بالقيمة التي يعطيها اياه هذه العمل المجتمعي، فمساءلته لم تذهب هباء منثوراً، فيساهم هذا الميزان في خلق صديق جديد للمجلس ولوزارة الحكم المحلي ومن يساهم في انصاف هذا المواطن.

نماذج حية لدور المساءلة المجتمعية بخلق ود بين المجلس البلدي والمواطن

في بلدة الظاهرية جنوب الخليل جلس رئيس البلدية مع مجموعة من شبان البلدة لتنظيم نشاط تطوعي فتفاجأ رئيس البلدية بوجود أحد الأشخاص الذين يكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أخطاء المجلس البلدي فطلب منه ان يساءله شخصياً مستفسراً عن هذه الأخطاء، وأوضح رئيس البلدية موقفه بوضوح فأدخل بذلك هذا المواطن في اجواء القضايا والمشاريع التي تنفذها البلدية فما لبث أن أصبح المواطن صديقاً للبلدية يسارع في البحث عن حلول لمشاكلها وتقصيرها في بعض الأحيان.

تكررت هذه اللقاءات مع مجموعة أكبر من الشباب والنتيجة ذاتها، مواطنين ينتقدون بمهنية للمساهمة في الحل وليس فقط الحديث عن المشكلات.
الهيئة الاستشارية الفلسطينية لتطوير المؤسسات غير الحكومية بمدينة جنين دربت لجان تعمل على المساءلة المجتمعية، ضمن مشروع “تعزيز المساءلة المجتمعية في السلطات المحلية الفلسطينية”، المدعوم من التعاون الإنمائي الألماني .

أوجدت من خلال ذلك لجان من المواطنين في مناطق فلسطينية مختلفة منها بيتونيا وعرابة وسعير للبدء بالعمل على تعزيز دور المواطن في المساءلة المجتمعية حيث أكد رؤساء البلديات لوسائل اعلامية ان تواصل المواطنين مع البلديات بشكل مباشر سيساهم في تطوير المناطق وتنميتها بصورة سلسة وسريعة .

في دورا جنوب الخليل كذلك الأمر حيث قدمت البلدية مشروعاً لإعداد بطاقات التقييم المجتمعي من قبل المواطنين بهدف دمج المواطن مع المجلس البلدي في حل المشكلات العالقة.

علاقة وطيدة تبنيها المساءلة المجتمعية بين المواطن والسلطات المحلية من خلال استماع الأخيرة لصوت المواطن وإحكام ميزانها في تلبية احتياجاته، وعلاقة أقوى تربط البلديات بالإعلاميين المجتمعيين الغيورين على مصلحة المواطن الفلسطيني وعدم تهميشه ليتم اقفال القيد على كل الثغرات التي قد تخلق أجواء سلبية بين أطراف المعادلة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com