ترددت كثيرا قبل الكتابة في هذا الموضوع ، لكن المواقف الأخيرة لحركة حماس و قيادتها الفارة من دمشق جعلتني أتخطى حواجز كثيرة وضعتها لنفسي عندما أكتب عن القضية العربية الأهم منذ عقود من الزمن ، و بحثت أن أكون موضوعيا أكثر من اللازم ، حتى لا تنفلت المشاعر الحزينة التي نؤرق الكثيرين في المنطقة العربية ممن خدعوا في حماس ، في قيادة حماس ، في مشروع حماس ، و في أهل القضية الفلسطينية ( حكاما أعنى ) الذين صار الحديث عنهم يثير كثيرا من الردود السلبية ، و من المواقف الحادة .

لم تعد فلسطين قضية عربية ، هذه حقيقة لم تعد خافية على أحد ، و لم تعد فلسطين العمق الاستراتيجي لمصر كما كان يقول الرئيس الشهيد جمال عبد الناصر ، هذه حقيقة يكتشفها المتابعون منذ تسلم السلطة الفلسطينية مقاليد الحكم في رام الله و خاصة بعد استفراد حماس بقطاع غزة لتقيم فيها الإمارة الاخوانية الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة و للمشروع الاخوانى الصهيوني في المنطقة العربية ، و إذا كان سماحة السيد حسن نصر الله ، يصر إلحاحا على حتمية المسارات بين المقاومة العربية و بين المقاومة الفلسطينية ، فان كل الشواهد و الوقائع على الأرض ، خاصة منذ تعمد قيادة فتح إقفال المجال أما انتفاضة الحجارة الثانية ، و إيداع المناضل الكبير مروان البرغوثى السجن ، تقود المتابع إلى غير ما يراه سيد المقاومة ، بدليل أن الاتفاق الأخير بين حماس و الصهاينة و مصر محمد مرسى و قطر قد أرسى قواعد جديدة للتعامل بين طرفي النزاع الأصليين ، و أصبح بالإمكان الحديث عن وجود تفاهمات خفية سطرتها بعض الدول الإقليمية بضغوط من الإدارة الأمريكية للتفرغ لضرب سوريا مع وعود واهية لحماس بمساعدتها على التخلص من القيادة الفتحاوية لتصبح اللاعب الوحيد الذي يملك الورقة الفلسطينية .

في واقع الأمر ، كانت القيادات الفلسطينية تلعب دائما على التناقضات و التجاذب العربي لتستفيد منه ، و كان هناك من الفصائل من هو مع النظام البعثى السابق في العراق ، و من هو مع سوريا البعثية أيضا ، و هناك من خير الانتقال إلى جماهيرية الكتاب الأخضر ، أو لبعض الدكاكين المؤقتة التي فتحتها المخابرات العربية لتدبير المؤامرات القذرة ضد هذا النظام العربي أو ذاك ، هذا اللعب على كل الحبال ، أضر مع الوقت بالقضية الفلسطينية نفسها ، و أبطل مفعول الحماس الزائد الذي كان مختزنا في الضمائر العربية ، بل زاد دخول السلطة في مفاوضات السلام العبثية و تنازلها عن الثوابت الفلسطينية في عزلة القضية خارجيا و داخليا من الوجدان العربي الذي أصبح يشتم روائح الخيانة ، و لعبة الأمم لغاية إسقاط القضية من أجندة التداول الدولية .

لم توفر قيادة حماس فرصة واحدة لطعن العرب ، و يكفى هنا تقديم دليلين اثنين ليفهم المتابع كيف خانت قيادة الإخوان العرب و طعنت شرفهم لتصبح منبوذة و متهمة بالتفريط في الحقوق الفلسطينية و في إسقاط مفهوم القومية العربية ، الأول ، ما يحصل في مصر من مشاركة هذه الحركة الإرهابية لبعض جماعات الإخوان في قتل و استهداف الجيش المصري ومؤسساته التي طالما كانت الدرع الحصين للقضية الفلسطينية ، و عندما يفرج الإعلام المصري عن كل وثائق و أدلة الخيانة التي تتحدث عن مشاركة حماس في هيجان الإخوان و إرهابهم في كل المدن المصرية ، و بكونها من ساعدت المجموعات الإرهابية على توريد و إدخال الأسلحة الليبية الخطيرة إلى مصر لقتل الشعب المصري ، فمن الواضح أن هذا التصرف ليس خبطا عشوائيا من القيادة ، بل هو نتاج لحالة “اندماج” و تشابك مصالح مع مشروع إسقاط سوريا و مصر الذي تنفذه و تشارك في تنفيذه أنظمة خليجية متآمرة.

الثاني ، أن قيادة حماس ، و رغم ما تجرعته سوريا من كؤوس مرة بسبب تواجد القيادات الفلسطينية في دمشق ، و كم العروض الغربية التي تسيل لعاب أي نظام متآمر ، قد فضلت أن تقفز إلى جانب العدوان على سوريا ، مع علمها السابق و المسبق ، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم و لن تكون يوما راعية لحقوق الإنسان العربية ، و لا سندا لتطلعات الشعوب العربية ، و لا باحثة عن الحرية لشعوب لطالما ساندت الإدارة الأمريكية قياداتها الديكتاتورية المستبدة و مولت سياستها القمعية و مدتها بالخبرات و العتاد لقمع إرادة شعوبها بكل الطرق المخالفة لقانون الدولي ، هذا الفرار ، البائس ، الحقير ، إلى عرين المؤامرة على سوريا ، هو العنوان الأبرز لمرحلة الخيانة ، إن لم نقل أحد الفصول المهمة في تاريخ خيانة حماس لسوريا و للأمة العربية ، و بالتالي فلم يعد بالإمكان بعد أن أختار الشعب الفلسطيني الذي تمثله فتح و حماس ، خيار التفاوض المهين و الصلح الانفرادي الحقير ، برغبة منفردة مع الكيان الصهيوني ، أن تكون سوريا ملكية أكثر من الملك ، أو أن تقبل دمشق على نفسها مواصلة استنزاف قدرات و مصالح الشعب السوري لمساعدة فئة ضالة عميلة ، طعنت الأمة العربية في الظهر في أحد أحلك الفترات العصيبة التي تمر بها القضية العربية.

على مدار ما يناهز القرن من الزمن ، سمعنا كل الأطروحات الملفقة ، و تداولت على القضية الفلسطينية قيادات فاشلة و فاسدة ، و على مدار عقود من الزمن تحملت الأمة العربية كل الضغوط الدولية لفك الارتباط مع القضية الفلسطينية دون جدوى ، و على مساحة ليست قصيرة من الزمن ، تابع الشعب العربي القضية و تفرعاتها و ارتداداتها لحظة بلحظة باعتبارها القضية العربية الأولى ، لكن هروب قيادة حماس من سوريا قد شكل صدمة مؤلمة لكل المتعاطفين الأحرار مع القضية ، و بات الجميع يعتبرون هذه القيادة أحد أعداء العرب الذين لا يستحقون مجرد ذكر هويتهم القذرة ، و إذا قتلوا بالأمس عناصر الجيش المصري ، و يشاركون اليوم الجماعات الإرهابية لإسقاط النظام السوري و قتل ما ” تيسر” من الشعب ، فضلا عن مشاركتهم الواضحة في التفجيرات التي طالت الساحة اللبنانية ، و في عمليات تسريب قطع الغيار الآدمية الإرهابية إلى الداخل السوري ، فان الواقعية السياسية ، و حكم المنطق ، يفترضان أن تعيد سوريا حساباتها و تفك ارتباطها نهائيا بكل خونة القضية الفلسطينية ، حتى لو أستوجب الأمر القيام بتضحيات أمنية مؤلمة ، لان هؤلاء الخونة لا يؤتمن لهم جانب.

* خاص بانوراما الشرق الاوسط 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com