نِمْنَا ليلة أمس واستيقظنا صباح اليوم الأحد 1.9.2013 على أخبار كارثتين جديدتين ومذبحتين مخيفتين في بلدتي كفر قرع ودبورية ، سقط بسببها أبناء وبنات وزوجات في عمر الورود على يد آباء أصابهم جنون العنف فأصابوا بناره مَنْ مِنَ المفروض أن يكونوا فلذات الأكباد وقِطَعًا من النفس والروح ... 

يندهش الواحد منا مرة بعد مرة بسبب استفحال العنف وازدياده بشكل أصبح الحليم فيه حيران ... في كل يوم وبعد كل نشاط جماهيري يعالج قضية العنف وأثرها المدمر على المجتمع ، يُمَنِّي الواحد منا نفسه بالأمل في أن يكون هذا النشاط أو ذاك بداية العد التنازلي لهذا المرض العضال الذي يوشك أن يفتك بالجميع ، وأن يحرق الأخضر واليابس ، وأن يُحِيلَ كل قطعة خضراء جميلة في حياتنا إلى صحراء قاحلة وقطعةٍ جرداء لا حياة فيها ...

لكن الواقع يأتي ليصدمنا بمعطياته المذهلة وإحصائياته الصاعقة ... لا يكاد يمر أسبوع إلا وتمتلئ الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية بأحداث العنف ، والتي وصلت حد القتل والاغتيال للأبرياء في وضح النهار ، ولأسباب أقل ما يمكن أن يُقال فيها أنها أتفه من تافهة ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون سببا في إراقة الدماء الزكية وإزهاق الأرواح البريئة ، مع ما يترتب عليها من ارتباك خطير للبنى الاجتماعية التي تعاني ابتداء من شبه انهيار في كثير من المجالات ...

من المستهجن جدا أن يقبل قِطاعٌ من أبنائنا أن يكونوا النار التي تحرقنا وتهدنا من الداخل ، بينما نار السياسة العنصرية الإسرائيلية تحرقنا من الخارج ، وتكاد تقضي على البقية الباقية من عوامل التماسك في جسدنا الاجتماعي ، وقوة الصمود في وجه تحدياتها ومخاطرها ... قد تقوى جماهيرنا على النهوض في وجه العنصرية حتى لو ملكت كل أسباب القوة الهمجية ، إن هي حافظت على متانتها وصلابتها الذاتية ، لكنها أبدا لن تصمد إن هي أكلتها الصراعات الداخلية ، وفتكت بخلاياها الحية سموم زعاف تنتجها مصانع الانتحار الذاتي وبأيدي أبنائنا وفلذات أكبادنا ...

المتتبع لردود الفعل لدى الأغلبية الصامتة في مجتمعنا حيال العنف وأخباره وبالذات عمليات القتل التي تجاوزت كل حد ، وآخرها مذبحتا كفرقرع ودبورية ، والتي استفزت كمثيلاتها السابقة مشاعر كل شريف ، سيلمس مدى الاستياء العارم والغضب الجارف الذي يجتاح هذه الغالبية المسالمة ، ولكن هذا المشاعر ترفض أن تتجاوز النفوس إلى الميدان ، أو أن تتحول من موجات عاطفية طاهرة إلى خطط ميدانية وبرامج عمل تشكل إعلانا رسميا لحرب حقيقة على إرهاب العنف والجريمة التي تكاد تصل إلى كل بيت ...

هذا هو التحدي الكبير ... لن تنفعنا منذ الآن كل بيانات التنديد والاستنكار ، ولا المؤتمرات الأكاديمية لبحث الظاهرة وتحليلها ، على أهمية كل ذلك وضرورته .... نعتقد أننا تجاوزنا بسنين مرحلة التشخيص ، ومن العدل مع أنفسنا ومع مجتمعنا ألا نبقى رهائن هذه المرحلة على أهميتها ، وأن ننتقل وبالسرعة الممكنة إلى مرحلة التنفيذ لأنها الوحيدة الكفيلة – بإذن الله – بوقف التدهور الرهيب الذي تشهده مجتمعاتنا كهدف أول ، ثم تجفيف هذا المستنقع بكل ما أوتينا من قوة ... القوة بكل أشكالها ومعانيها ، فإنه – كما هو معروف – لا يفل الحديد إلا الحديد ، وعلى الباغي تدور الدوائر ... 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com