هناك آباء أشقياء، يتلذذون بضرب أبنائهم او أبناء الجيران، لا تتوفر الاسباب دائما لاشباع هذه الرغبة، فاذا ما سقطت كرة القدم في حديقة منزل احدهم، وأصابت إحدى النباتات، فان السبب للضرب يكون قد توفر، مهما كان اللاعب الذي يقع عليه اعتداء الضرب.

هذا هو حال الغرب وسوريا اليوم.. منذ عامين وهم ينتظرون الفرصة لضرب سوريا، الاسباب التي توفرت لم تكن كافية، فسكتوا خانعين، حتى جاء ما أُسمي بالكيماوي، لم يتم الحديث عن الضحايا ولا عن مصيرهم ولا عن علاجهم وإنقاذهم، لم يتم التحدث عن أي شيء إنساني، كل هذا ليس مهما، المهم هو السبب، فها هي الكرة سقطت في الحديقة، ان لم نَضرب اليوم فمن يعرف متى تأتي الفرصة القادمة.

لا يُعرف حتى اللحظة فيما إذا كان المضروب هو مادة كيماوية أو مجرد غاز للأعصاب، لا يُعرف حتى الآن من هو الضارب، نظام الحكم أم معارضيه، لا يُعرف عدد الضحايا هل هم 3000 أو عدة مئات أو أقل أو اكثر، لا يعرف على وجه الدقة عدد المصابين والقتلى ليتبين حجم الجريمة، لم يتم فحص الصور للتأكد أنها فعلا صور قتلى أو مصابين أو مجرد ممثلين في بلد تستعمل به كل الوسائل لتجريم الخصم. هل يستطيع احد أن يؤكد كم جثة دفنت؟ هل تطوع احد لإرسال معونات طبية لإسعاف المصابين مثل ما يتم التطوع لإرسال قاذفات القنابل وحصد مزيد من الأرواح، هل فحص احد قدرة المستشفيات على الاستيعاب لإرسال مزيد من الأسرة والأطباء بدلا من إرسال المزيد من الضحايا الجدد إلى مستشفيات مكتظة؟.

الغموض يكتنف كل شيء، ويتصرف المنتظرون وكأنهم هم الذين أصيبوا بغاز الأعصاب وفقدوا أعصابهم وتركوا تحركاتهم الإرادية واللا إرادية للعمل دون تفكير، دون روية، دون تمحيص، دون تحقيق، وكما شبههم مسؤول روسي يتصرفون "كقرد يحمل قنبلة". الضرب ممكن في أي لحظة إذا كان ذلك ضروريا وهادفا، ولكن بعد التيقن وبعد الادانة، هل اجهزة المخابرات وأقمار التجسس الصناعية والمراقبين الاجانب والجواسيس المحليين عاجزين عن اكتشاف الحقيقة واعلانها، وهم الذين لا يقف حائل بينهم وبين ما يريدون معرفته.

لماذا تكرر الأخطاء؟، لقد ضُربت العراق بناء على ادعاءات كاذبة من قبل أعلى المسؤولين الامريكيين، هل تذكرون تأكيدات "بوش" الابن وشاحنات "كولين باول" المحملة بأسلحة الدمار الشامل الذين عرضهم في مجلس الامن، ولم يتبين اثرهم بعد احتلال العراق؟... لماذا تُضرب سوريا بناء على أكاذيب لم يثبت صحتها؟. وماذا إذا اتضح لاحقا أن المسؤول عن الكيماوي هم أعداء النظام، هل تضرب سورية مرة اخرى ولكن بسبب لاعب آخر. تقول المعارضة السورية أنها تسيطر على ثلثي الاراضي السورية، لماذا يفترض أن الكيماوي يوجد فقط في ثلث الاراضي التي ما زالت تحت سيطرة النظام، الم تعلن المعارضة أنها احتلت مطارات عسكرية وقواعد للمدفعية المضادة للطائرات، وان جُل أسلحتها استولت عليها من ترسانة النظام ومعسكرات الجيش، هل بلغت الاستقامة بالمعارضة أن تَترك مخازن الكيماوي في جزر معزولة تحت سيطرة النظام؟.

هل فكر احد، كم سيكون عدد الضحايا عند ضرب سوريا، ومن هم هؤلاء الضحايا، كم من الابرياء منهم... كم من الاطفال منهم، كم مرةً عددهم اكثر من ضحايا غاز الاعصاب او الكيماوي؟

لا دفاعاً عن النظام السوري المُستبد وحتى الغبي، ولكن هل فكر احد أن درجة غباء النظام السوري يمكن أن تصل إلى الحد الذي يلقون به بالكرة دون هدف منتظرين تلقي الضربة. النظام السوري يسعى من نحو عام لاستدعاء لجنة دولية للتحقيق في ما يشاع من استعماله الكيماوي، هل يُعقل انه وبعد وصول هذه اللجنة التي طال انتظارها، يقوم بإهداء الدليل لادانته والتي طالما أمل من وصول اللجنة اثبات العكس.

الى كل المنتظرين والمتهيئين لضرب سوريا، ساعدونا لان ندعمكم ونؤيدكم ونقف معكم، اعطونا مبررات واضحة، ولا تتصرفوا بشكل يفوق غباء النظام السوري. لا ترتكبوا الجريمة، التي ستكون اكبر من جريمة الكيماوي حتى لو افترضنا أن النظام السوري هو الفاعل.

إن تصرفتم دون التيقن، لن ينظر الى ذلك باعتباره غباء، بل جريمة مكتملة الاركان تُرتكب مع سبق الإصرار والترًصُد.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com