كنّا اعتقدنا أنّ القوى والفعّاليّات السياسيّة في المدينة ستأخذ بعين الاعتبار النّداء الّذي وجّهه مجلس الأحياء العربيّة والمشتركة وقوى مجتمعيّة أخرى بالذّهاب إلى الانتخابات البلديّة في قائمة ائتلافيّة واحدة. بل مقابل الدّعوات الطّالعة من الحقل ومن الأحياء ومن حناجر النّاس إلى الائتلاف نرى الأمور تسير باتّجاه معاكس!

فـ«الجبهة» و«التجمّع» يضعان اللّمسات الأخيرة على قائمتين منفردتين؛ وهناك حراك جديد في مبادرات انتخابيّة جديدة في الأحياء وفي قوائم انتخابيّة جديدة، تموضع مرشّحين عرب في أماكن متقدّمة طمعًا في أصوات النّاخب العربيّ(!!). تحرّكات تسهم في تشتيت قوّة الصّوت العربي في المدينة وتُضعف «السياسة» العربيّة السّاعية إلى التّأثير. بهذا الشّكل من الانتظام لا نحقّق تأثيرًا يُذكَر. بهذا الشّكل من الذّهاب إلى الانتخابات يكثر المرشّحون وتتراجع إمكانيّة التّغيير.

إنّنا أمام التّساؤل الّذي لا بدّ أن يُطرح بصراحة: لماذا كلّما اتّسعت المطالبة بالوحدة والائتلاف انتخابيّـًا يزداد التفكّك والتّشتيت؟ إنّه سؤال ملحّ في ضوء التّجربة الحيفاويّة تحديدًا، وتجربة مجتمعنا في هذه البلاد. التّعاون انتخابيّـًا من خلال قائمة ائتلافيّة لا يتناقض مع تعددّية حزبيّة وسياسيّة وفكريّة قائمة. الاتّفاق والوفاق في شكل خوض الانتخابات ليس دمجًا للأطر أو قضاء على تمايزاتها. الائتلاف عشيّة الانتخابات هو تطوير لشكل انتظام المجتمع العربيّ وحلفائه في الشّارع اليهوديّ لتحقيق قوة انتخابيّة مؤثّرة وقادرة على التّغيير. الائتلاف هنا حول هدف محدّد وواضح يرقى بالعمل السّياسي من الجهويّة والفئويّة، وتكريس الاختلافات و«الهُويّات» إلى مرحلة أكثر إشراقًا، ترى المجتمع ومصالحه كأساس للعمل السّياسيّ.

بل أنّنا من موقعنا وتجربتنا لأكثر من ثلاثين عامًا في العمل المدني نؤكّد ضرورة أن يضع السّياسيون عندنا نصب أعينهم تجميع الشّمل والقوى وبناء تحالفات وائتلافات لغرض بناء النّسيج الاجتماعيّ من جديد على التّعاون والتّعاضد والتّضامن. بل يصير هذا واجبًا في ضوء التمزّق والحراك الهُويّاتي والطّائفي البغيض. العمل على تحقيق نوع من الوحدة والتّآلف ضروري بحدّ ذاته في وجه العصبيّات وعوامل التّمزيق القائمة. ونُشير بقلق إلى أنّ عزوف القوى السّياسيّة عن القيام بذلك واستمرارها في تغذية التّمزّق والاستفادة منه لا يضعفنا انتخابيّـًا فحسب، بل مجتمعيّـًا أيضًا.

استمرار النّهج ذاته من تكريس الاصطفاف الطّائفي أو الحاراتي واستثماره من شأنه أن يُفضي بنا إلى المهالك في حال نشوء أزمة - لا سمح الله - أو في الأوقات الحرجة. واسمحوا لي هنا أن أشير إلى النّموذج البديل. لقد كنّا جميعًا في المظاهرة الحيفاويّة الجبّارة احتجاجًا على مقتل الشّاب محروس زبيدات. إنّ تعليق التّحزّبات وتركها جانبًا والذّهاب إلى هدف محدّد قد يجمع وراءَه كلّ أطياف مجتمعنا ومركّباته دون استثناء. وهذا دليل على حيويّة فكرة الوحدة والتّآلف انتخابيّـًا أو أهليّـًا، أو لأيّ غرض كان.

في كلّ مرّة استطلعنا فيها رأي النّاس في عملنا ومسوحنا الميدانيّة وأبحاثنا كجمعيّة برزت لنا بوضوح رغبة النّاس في وحدة قوى المجتمع السياسيّة والاجتماعيّة. وأنا واثق من أنّ كلّ استطلاع قد نُجريه مستقبلًا سيخلص إلى النتيجة ذاتها: النّاس تريد الوحدة معنويّـًا وعمليّـًا. وأتمنى على القيادات جميعها أن تلتفت إلى هذا النّداء وهذا التّطلّع. أن تأخذ في حساباتها رغبات النّاخبين وصالح المجتمع كوحدة واحدة، وأهميّة تكريس مفاهيم التّآلف والتّكامل والتّضامن لتحلّ مكان أفكار التّمزيق وعوامله.

للمؤمنين بالوحدة والتّآلف فرصةً لتغيير الوضع الانتخابيّ العربيّ حتّى آخر هذا الشّهر. من ناحيتنا سنظلّ على العهد مع أهلنا، ننقل تطلّعاتهم ورغباتهم بإخلاص وأمانة آملين أن نؤثّر بهذا الاتّجاه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com