أقرأ أحياناً عن التعيينات في بلادنا ، وعن عدم اكتفاء أصحاب القرار بتعييناتهم الوقحة ، فأصبحوا يفاخرون في وسائل الاعلام بهذه التعيينات بدون خجل ، وهل الزانية تخجل بما تفعل ، فكيف يخجلون ؟ّ! أما الطامة الكبرى فهي من يتم تعيينهم ، فهم يقعون بالفخ فيكذبون الكذبة ويصدقوها ، فيطلقوا التصريحات المثيرة للسخرية "الرجل المناسب في المكان المناسب" ، ويكيلون المديح لأسيادهم وأولياء نعمتهم . 

لا أدري لماذا عندما أقرأ ما أقرأه تذكرت قصة حصلت منذ زمن طويل ، منذ فترة إنشاء الدولة الأموية في الأندلس ، قصة ثلاثة شبان كانوا يعملون حمّارين ، حيث كانوا يعتاشون من عملية نقل البضائع للناس بواسطة الحمير ، لهذا سُميوا بالحمّارين . وفي إحدى الليالي جلس الثلاثة حمّارين بعد إنهاء عملهم يتسامرون ، فافترض أحدهم واسمه محمد ابن أبي عامر أنه سيصبح خليفة وطلب من الحمّارين الآخرين أن يطلبان منه أمنية ، فأعربا عن دهشتهما من تصرفه هذا وأخبراه أن هذا الأمر لن يحصل على الإطلاق ، إلا أن صاحبنا أصّر على طلبه ، وحلم بأنه أصبح خليفة بالفعل ، وأنه يجلس على عرش الخلافة ، وقال لأحدهما :"ماذا تتمنى أيها الرجل؟". فقال : "أريد حدائق غنّاء" , "وماذا بعد ؟" ، قال الرجل : "إسطبلاً من الخيل" , "وماذا بعد ؟" , قال الرجل : " أريد مائة جارية " ، "وماذا بعد ؟" , قال "مائة ألف دينار ذهب" ، "ثم ماذا بعد ؟" , فأجابه " ذلك يكفي يا أمير المؤمنين " . وكان محمد ابن أبي عامر في أثناء ذلك يسبح في خياله الطموح ويرى نفسه على عرش الخلافة , ويسمع نفسه وهو يُعطي العطاءات الكبيرة ويشعر بالسعادة ، كيف لا وهو أصبح يعطي بعد أن كان يأخذ , وهو ينفق بعد أن كان يطلب , وهو يأمر بعد أن كان ينفذ . وبينما هو على هذا الحال التفت إلى صاحبه الآخر وقال :" وأنت ماذا تريد أيها الرجل ". ففاجأه صاحبنا بقوله " ما أنت إلا حمّار , والحمّار لا يصلح أن يكون خليفة".

إلا أن محمد ابن أبي عامر أصّر على طلبه ، الأمر الذي أدى الى غضب صاحبنا حيث قال له :" أن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة ". نعم ، هذا ما قاله الرجل الآخر لمحمد بن أبي عامر ، وما أحوجنا اليوم لمثل هذا الرجل وإصراره على قول الحق وعدم النفاق والتزلف ، كم نحن بحاجة في هذا العصر الى من يوقف حمّاري هذا العصر وأسيادهم عند حدهم ، حتى يعرفوا حق قدرهم ، ويكتفون بالمحافظة على مناصبهم التي اختلسوها بغير حق ، ليحتفلوا بهذا المكسب بخجل ودون التفاخر على الملأ "بحقهم"!!! في هذا المنصب ، ويرددون ببلاهة مقززة " أن الرجل المناسب في المكان المناسب".

ومن أغبياء الحمّارين الى تاريخ الحكام الأغبياء ، فإذا قرأنا في كتاب "الغباء السياسي.. كيف يصل الغبي إلى كرسي الحكم؟" للكاتب والصحفي المصري محمد توفيق ، والذي يستعرض في كتابه تاريخ الغباء السياسي في مصر منذ أيام الفراعنة ، ذاكراً الملك بيبي الثاني، من أبرز الحكام الأغبياء في عهد الفراعنة والذي أعتبر أول أغبى حاكم في العالم ، تولى الحكم عندما كان عمره ست سنوات ، واستمر في حكم مصر 94 عاماًً ، 94 عاماً من الغباء والانحلال والفساد والانقلابات والحروب ، وجاء في الكتاب : "الأنظمة الساقطة في تاريخ الفراعنة بعضها كان مستبدًا، وبعضها كان ضعيفًا، لكن الثابت الوحيد أن هذه الأنظمة أو الدول قد وصلت إلى خط النهاية عندما بلغ الغباء السياسي مداه والضعف منتهاه، وهذا ما حدث مع ثلاثة ملوك تعاقبوا على كرسي مصر بعد الملك بيبي الغبي، هم الملك ساكرع، وتوت، وآي.. كلهم كانوا لعبة في أيدى الكهنة". ويضيف الكاتب محللاً : "لا يوجد حاكم يصل إلى حد الغباء إلا إذا كان بصحبته رجل يرتدي عباءة الدين، يروج لخرافاته، ويخلع عليه صفة القداسة".

أعتقد أنه على مؤلف هذا الكتاب أن يصدر طبعة مزيدة ومنقحة من هذا الكتاب ليشمل أسماء زعماء ورؤساء عرب معاصرين لا يقلون قدراً ولا منزلة في الغباء عن ملوك الفراعنة الأغبياء ، بل ليسمح لي مؤلف هذا الكتاب أن أوضح له بأن بعض الرؤساء العرب يتفوقون على ملوك الفراعنة في غبائهم ، أصلاً لا مجال للمقارنة ، فلما هذا الإجحاف بحقهم ؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com