يمثل ما حدث في مصر نكسة للتيارات الإسلامية، رغم محاولة بعضها كالدعوة السلفية وحزب النور التعامل مع الأمر بواقعية أكثر من غيرها، غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» نظرت إلى الدولة على أنها غنيمة حرب، وفي المقابل خسرت المعركة أمام الجيش والشرطة والقضاء وموظفي الدولة الكبار قبل الصغار، ودفعت بأنصارها في أتون معركة نتائجها هي الصدام، ليس فقط مع الدولة بمؤسساتها وعلى رأسها الجيش، لكن أيضاً مع تيارات فكرية ومع مساحة كبيرة من الطبقة الوسطى في مصر.

وفي مواجهة الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، اهتز المشروع الإسلامي وباتت الثقة فيه وفي الإسلاميين محل تساؤلات كثيرة، هل السلطة هي الهدف؟ أم إعلاء كلمة الله والعدل والحق؟ هل الهدف هو إرساء شراكة مع المعارضين أم إقصاؤهم؟

إن التباكي على كرسي الرئاسة بل الاقتتال عليه، يجعل من المشروع الإسلامي مشروع سلطة، ولكن لأن «الإخوان» لم يستحوذوا سوى على 35 في المئة من مقاعد آخر انتخابات برلمانية، وخسروا حلفاء الطريق، كالدعوة السلفية، أدركوا أن كرسي الرئاسة وما يستتبعه من الاستحواذ على الدولة هو الفرصة الأخيرة للاستحواذ على مصر وعلى شركاء الطريق الذين مهدوا لهم طريق الوصول إلى كرسي الرئاسة.

بدأ الأخوان عامهم الرئاسي بخطاب غير تصالحي مع معتصمي «ميدان التحرير»، ألقاه الرئيس السابق محمد مرسي وجاء فيه «الستينات وما أدراك ما الستينات؟»، فكأنه يرسخ فكرة الانتقام من تلك الحقبة. فضلاً عن أن افتقاد «الإخوان المسلمين» لكوادر ذات مستوى رفيع لإدارة الدولة جعل إدارتهم مرتبكة وغير حاسمة وغير قادرة على اتخاذ القرار، فترتب على ذلك فقدانهم سريعاً تعاطف شرائح كبيرة من المصريين، ولم يدركوا أن المرحلة الانتقالية الصعبة يجب أن تدار بالشراكة لكي يتحمل الجميع تبعاتها، فهمشوا كثيرين ممن كانوا سيساندونهم.

لم يتعلموا من دروس تركيا. لم يدخل نجم الدين أربكان تركيا في صراعات حادة عندما أسقطه الجيش التركي بل عاد بحزب جديد، وعندما أدرك رجب طيب أردوغان أن أربكان صاحب فكر جامد انشق عنه ليؤسس حزباً يجمع الإسلاميين وعناصر من تيارات أخرى. حاول أردوغان أن يجعل من الدولة بقواعدها جزءاً من مشروعه لا أن يدمج الدولة ضمن مشروعه، ولم يصطدم بالجيش إلا بعد أن حقق إنجازات على الأرض واكتسب إلى صفه شرائح من الطبقة الوسطى.

لم تدرك جماعة «الإخوان المسلمين» أن القوات المسلحة هي أكبر معبر عن الطبقة الوسطى في مصر، هذه الطبقة التي توسعت قاعدتها بفضل سياسات الثورة المصرية الاقتصادية والاجتماعية. وهم سارعوا إلى التصادم مع الإعلام مع عدم امتلاكهم كوادر إعلامية جيدة وخطاباً يتناسب مع الحاضر لا الماضي. وعلى مدى عام من الحكم لم يضع الرئيس الإخواني محمد مرسي حجر أساس مشروع كبير يبين أن هناك إنجازاً يفتح الأمل للمصريين، ففقدوا معه الأمل.

لقد ظلم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي حين رشحوه للرئاسة وظلموا أنفسهم، فقد يكون كفاءة قيادية في التنظيم وخطيباً إسلامياً مفوهاً، لكن شخصيته لا تتلاءم مع منصب الرئاسة في مصر. إن مراجعة التيارات الإسلامية لسياستها وخطابها باتت أمراً ملحاً، وصولاً إلى التفرقة القاطعة بين الدين والسياسة.

* كاتب مصري

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com