منذ الانقلاب العسكري التي شهدته مصر يقف الشرق الاوسط مجددا على حافة الهاوية منذرا بالمزيد من اراقه الدماء والفوضى التي بإمكانها اعادة مصر (وربما تونس و ليبيا أيضا)إلى مستنقع الاستبداد من جديد. المثير للأمر هو ان الكثيرين تقبلوا الاحداث وكأنها مفاجئه بالرغم من ان المكتوب يقرأ من عنوانه كما نقول.

فمنذ الإعلان عن إسقاطنظام حسني مبارك في شباط 2011 وحتى عزل مرسي في يوليو 2013 والثورة المصريه تتخبط وتفقد من انجازاتها الأولى. العيب لم يكن بالثورة او الثوريين وإنما بالقيادة السياسيه المعارضه انذاك المتمثله بالقوميين واليساريين و الاخوان المسلمين بالاضافه إلى قيادات العسكر ايضا. منذ تنحي مبارك تم بناء نظام بديل بشكل متحفز مبنيا على الحرية السياسيه لكن من دون اليات ديمقراطيه حقه. فالنظام الجديد بني دون مشاورة الشعب و الثوار كما تم تأسيس لجنه دستوريه بشكل غير مهنيه ولم تعطى الفرصه لتيارات اجتماعيه وسياسيه بالتبلور حتى يتم بناء نظام حزبي متين.

المهم الان هو ان تتعلم هذه القوى من اخطائها وتعلن بشكل وحدوي عن تشبثها بالديمقراطية كي تسحب البساط من المنتفعين المعنيين بإعادةانتاج النظام ألسابق وما اكثرهم. وبعدما يتم اقصاء القوى الغير معنية بتبلور حكم الشعب في مصر تكمن حاجه في الانتقاد الذاتي والبحث عن المسببات الذاتيه لسقوط الجمهورية المصرية الثانيه.

اولا على المعارضه خصيصا بتياراتها والقوميةواليسارية والإسلاميةأن تعترف بأنها هي ايضا ليست ديمقراطيه. ان هذه التيارات الثلاث في صميمها هي تيارات تنظر إلى العالم بنظره شموليه ولم تتفهم بعد تعقيدات عالمنا المتعولم والحديث. فحكم المرشد كحكم ما يسمى البروليتاريون كحكم القائد كلها انظمه استبداديه الجوهر معاديه للانتخابات الديمقراطيةو تمرير السلطةللأخر. وتضع بشكل عام أفكارها وايديلوجيتها فوق الديمقراطية.منذ انهيار الاتحاد السوفيتي يعيش العالم الديمقراطي في عصر ما بعد الايدولوجيا, وبدلا من الافكار المتخاصمة هنالك المشاريع المتخاصمة, حيث تطرح الأحزاب في العصر الحديث مشاريع اقتصاديه – اجتماعيه – دوليه مختلفة كلها تحت سقف الدستور.

ان اكبر الاخطاء التي وقع فيها السياسيين المصريين هي كتابه الدستور ألمصري. فقد تم كتابه الدستور بشكل متحفز دون التعلم من التجارب الدستوريه السابقه كدستور عام 1923 الذي كان يعتبر في حينه اكثر ديمقراطيه وتقدميا من اغلب الدساتير الغربيه . الاخطر من ذالك هو تأثر تركيبه اعضاء اللجنةالتأسيسية للدستور بالانتخابات النيابيه التي تمت عام 2011, وبذالك صاغت دستور يتلاءم مع أفكار التيار الإسلامي وليس جموع الشعب المصري. فبعكس ألتركيبهالبرلمانية التي تتغير كل اربع سنوات الدستور امر ثابت لا تتغير بنودهإلا نادرا. ويبقى الدستور الحكم والفيصل بين جميع الاحزاب و القوى السياسيه. يجب التنويه بأنه في العلوم السياسيه شرعيه الدستور هي بالإجماع الوطني وليس بانتخاب الغالبية نظرا لحياده الدستور والفترةالطويلة التي يتوقع أن يستمر العمل به. عبر التاريخ لا يصاغ او يعدل دستور إلابموافقة غالبيه ساحقه من الشعب تتراوح بين الثلثين وثلاثة ارباع شرط تصويت اكثر من ثلثي الشعب بأقل تقدير. نسبه المصوتونللإعلان الدستوري المصري في ديسمبر الماضي بالكاد تعدت الثلث. و قد قاطعت المعارضه التصويت وبالرغم من ذالك قرر الرئيس المعزول اصدار الاعلان الدستوري ضاربا بعرض الحائط كل المفاهيم الديمقراطيه.

هنالك حاجه لكتابه دستور جديد تشارك جموع فئات الشعب المصري بصياغته , على اللجنةالتأسيسية الجديدة للدستور ان تتكون من مهنيين و حقوقيين وممثلي مجتمع مدني بالاضافه لممثلي مؤسسات كبرى كالجيش والأزهروالكنيسةالقبطية. بإمكان الاحزاب السياسيه ان تلعب دورا استشاريا لهذه اللجنة لكن لا يجوز اقحامهم في صياغة القوانين التي من المفروض ان يتبعوها لاحقا. كما وعلى اعضاء اللجنة ان يمتنعوا عن ممارسه العمل الحزبي والسياسي لسنين طويلة لمنع تعدد المصالح.

أخيرا هنالك حاجه لتعزيزالهوية الوطنيه على حساب الهوية الحزبيه او الدينيه في مرحله تبلور النظام الديمقراطي. فمصر اكبر من الجميع ولا يستطيع أي توجه فكري لوحدةأن يتحكم بحضارة عمرها سبعه ألاف عام. حبذا لو ابتعد رجال السياسة عن كرسي رئيس الجمهوريه والتفرغ للعمل البرلماني لأول عقد من عمر الجمهوريه الوليدة وإعطاء الفرصه للبيروقراطيين والمهنيين من رجال ونساء العلم والعمل بادراه دفه الحكم حتى تضح معالم الجمهوريه . الالتفاف حول شخصيات حياديه هو مطلب الساعةلإخراج مصر من المستنقع التي وصلت اليه ولمواجهه الازمات التي تنتظر الجمهوريه المصريه الثالثه والتي بقيد البناء.

مصر تقف امام أزمات سياسيه و استراتيجيه كبيره في السنوات المقبلة فكميه تدفق مياه النيل في خطر, شبه جزيرة سيناء تعتبر خارج سيطرة ألدوله, الشعب المصري يتكاثر بشكل سريع دون إيجاد حلول للضائقة السكنية وسوء التغذيه لملايين المواطنين,وألانأصبحت قناة السويس في خطر بعد الاعلان عن الخطه الاسرائيليه بتطوير قطارات سريعة تربط بين ميناء ايلات على البحر الأحمر وميناء اشدود على البحر الأبيض المتوسط لتكون بديل عن القناة التي تربط بين اوروبا واسيا.

ان هذه المشاكل كلها تخص مصر وحدها لكنها تمس بالأمن القومي العربي ككل كون مصر قلب الوطن العربي و التي بسقوطها سنقف امام مفترق تاريخي اكثر خطورة من قدوم الصليبيين في العصور الوسطى او الاحتلال الإسرائيلي وقيام دوله اسرائيل عام 1948. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com