بعد الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة "حماس" في قطاع غزة، وسيطرتها على السلطة في حزيران من العام 2007، سألت زميلاً "حمساوياً": من تفضّل، مواطناً فلسطينياً يصف نفسه بالعلماني أو الاشتراكي أم أندونيسياً يعتبر نفسه عضواً في جماعة الإخوان المسلمين؟ فلم يتردّد في الإجابة بأن الأقرب إليه هو الأندونيسي؛ لأن الأساس هو الالتزام الديني وليس البعد الوطني.

هذه الإجابة ربما لم تكن مفاجئة، لأنها تعبّر بالأساس عن فكر الإخوان المسلمين، حيث تعتبر حركة "حماس" نفسها امتداداً لهذه الحركة، وهذا ما يؤكده دستورها.

منذ اليوم الأول لسيطرتها على قطاع غزة، استخدمت الحركة نهجاً يقوم على اجتثاث ما لا يتوافق مع فكر الحركة وأدبياتها.. فقامت بإقصاء مئات الموظفين، وتوظيف عشرات الآلاف من أعضائها، كما أطبقت على كل مفاصل السلطة، وبالتالي أحكمت حلقات سيطرتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.

بعد الحرب العدوانية الأولى على قطاع غزة، والدمار الكبير الذي خلفته آلة الاحتلال الإجرامية، ومئات الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ الذين وصلت نسبتهم إلى ما يزيد على 90%، خرجت حركة حماس لتعلن النصر وتزداد تمسكاً بالسلطة، وأكثر تغولاً في شعورها بالقوة... حتى الحرب العدوانية الثانية، التي انتهت بتوقيع اتفاق التهدئة، وأصبح نظام الإخوان في مصر عراب الاتفاق الذي يطالب بوقف العمليات العدوانية من الطرفين، ولأول مرة نقبل كفلسطينيين وصف المقاومة بالعدوان.. وأصبحت الحركة حامية حقيقية للحدود، ونحن لسنا ضد التهدئة ولكن ضد ازدواجية المواقف.

الشعور بعظمة القوة أو كما يقال "السوبر باور" أي القوة المطلقة، جاء بعد بدايات الحراك في الدول العربية والذي أطلق عليه "الربيع العربي".. حيث اقتنصت جماعة الإخوان الأكثر تنظيماً حزبياً الفرصة وسيطرت على مقاليد الحكم في مصر وتونس، فاعتقدت حركة حماس أن عقد الوطنيات العربية انفرط لصالح الأحزاب والحركات الدينية.

شعورها بالقوة أبعدها كثيراً عن محادثات المصالحة التي لم ير فيها الكثير من قادة حماس سوى مضيعة للوقت، ولا حاجة لحركة حماس لهذه المصالحة التي ربما ستؤخر قيام مشروع الدولة الإسلامية وفق تصوراتها، وأصبح انتماء الحركة للتنظيم العالمي أكثر من مفهوم الوطنية الفلسطينية الجامعة.

الإستراتيجية الحمساوية التي بنيت على تقديرات خاطئة لم تثبت طويلاً بعد ظهور عمليات التصدع في قيادة الإخوان لمصر والتي فشلت فشلاً ذريعاً اقتصادياً، حيث زادت نسبة الفقر والبطالة وتدهور مستوى المعيشة. كما فشلت في إدارة أكبر بلد عربي، لأنها كانت قائمة على أساس إدارة الحزب، ومصر ليست حزباً.

ولعل مشكلة مصر هي في محاولة الإخوان استنساخ تجربة حماس في غزة من حيث الإقصاء والتوظيف والاستيلاء التدريجي على مفاصل السلطة، ولكنها غفلت عن أن هناك جيشاً هو المدافع الحقيقي عن الدولة المدنية.

بعد انهيار نظام الإخوان بالكامل وجدت حماس نفسها في مأزق حقيقي، لأن كل ما بنته خلال الفترة الماضية من جسور سياسية واقتصادية وأمنية مع نظام الإخوان انهار تماماً. حتى الأنفاق أصبحت قضية أمنية مصرية. وبالتالي بدأت عملية هدم وإغلاق حقيقية لها، وهذا أثر على مداخيل أكثر من 600 مليونير أنفاق... كما اضطر الإعلام الذي تموله حركة الإخوان المسلمين باسم القنوات الفضائية الفلسطينية إلى أن يكون بديلاً عن القنوات والمؤسسات التي أغلقها الجيش المصري والسلطة المصرية الجديدة، وهذا أعطى مبرراً للحملات الإعلامية الموجهة بحق الشعب الفلسطيني.

حماس اليوم تتصرف في قطاع غزة كالمذبوح الذي يتخبط في دمائه، غضب جارف، قرارات عبثية، تشكيك في كل شيء حتى في مجموعة من الأشخاص تتجمع في شارع ما.. وبناء على ذلك أغلقت المؤسسات الإعلامية، وأطلقت أوصاف العمالة والخيانة على مسؤوليها، وهي دعوة للقتل.

إن أكبر خطأ ترتكبه حماس هو السير في هذا الطريق المظلم والمقفل والذي سيؤدي إلى انهيارها عاجلاً أم آجلاً. على حماس أن تتخلص من تبعيتها للجماعة الدولية وتعود للحضن الوطني، أن تؤمن بشكل مطلق بأهمية المصالحة الحقيقية القائمة على المساواة والمواطنة الصالحة.. وأن تقبل بمفهوم التعددية وأن تقلع عن مفاهيم الإقصاء.

على حماس أن تدرك اليوم أن بعدها الأول والأخير هو البعد الفلسطيني، وأن الدين للجميع لا يمكن لإنسان أن يصنف ما في قلوب الناس، وفي علاقاتهم مع خالقهم. على حماس أن تعيد النظر بشكل كامل في ما يجري في المحيط العربي وأن الاعتماد على أوراق الخارج لا يمكن أن يكون مانعاً لما لا تتمناه.

على حماس أن تعيد تنظيم بيتها الداخلي على أساس الوطنية الفلسطينية وليس بناء على ارتباطات إقليمية لأن هذه الوصفة لم توصلها إلى الفشل.

إذن هي نصائح ودعوات للحركة التي تؤكد أنها جزء من الشعب الفلسطيني إلاّ إذا رغبت في أن تخرج عن هذه المعادلة وتواصل سياسة الإقصاء والتبعية للمرشد والخارج، والتصرف على أساس الإمارة، لأن هذا فعلاً سيخلق يوماً ما حركة تمرد فلسطينية، في قطاع غزة وهذا لن يحتاج إلى مقدمات.. ولعل الانتفاضة الأولى والثانية شاهدتان على ذلك.
هل تستطيع حماس تغيير نهجها وأفكارها وأن تندمج مع الواقع الجديد أم أنها ستواصل طريقها المغلق؟!.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com