لم أكُن أعرف أنّ تلك الفتاة التي كانت في صَفّي لسنوات، تجلسُ في المقعد الخلفي.. الأكثرَ طولاً وطيبة، صديقة الجميع.. أنها نفسها شخصية شكران.

لم أكن أعرف أنَّ مَن يضعهُ الناس في الصف الخلفي، لطوله ووزنه ولونه،يجلسُ منتظماً أكثر من غيره، في الصف الأمامي حينَ يُبدِع.
لم أكن أعرف؟

حين تلتقي بمبدعٍ، هي شكران مرتجي.. وكأنّكَ لم تكُن تعرف، وأصبحتَ تعرف..
أراقب تطور شخصيتها منذُ كنتُ أكره أن أراها في (خان الحرير).. كانت حينها عروساً غير مرغوب بها، لفراس إبراهيم.. ينظر إليها بإشمئزاز، من على كرسيه.. منذُ حينها، واللهُ أعلم، رأيتُ في وجهها براءةَ وكبرياءً وجدّية مُبدِعة، من طراز "نجمة صف أول، وعملاقة جيل ".

شُكران، لم تُعامل كنجوم الصف الأول.. وللمفارقة، فإنَّ أكثر عمالقة الجيل، لا يكونون نجوم صف أول.. ومَن في الصف الأول، بعضهم، نجوم مبيعات، أرقام، وقوالب يطلبها الجمهور.. يأتي حضورهم، حسب الطلب، لا يفرضون حضوراً حسَب العرض.. والفارق كبير.
في جميع الأحوال، شكران مع كل التحولات، تطورت بتطوّر براعمَ ياسمين.. وكبُرَ معها آلَم، بألم غزّة.. كبُرَ وهَرِمَ.. وها هوَ يهتري حينَ وصلَ إلى دمشقها.

شكران يا إخوان، فنانة يسكنها وطنان.. فلسطين وسوريا. في حين بالكاد، يسكنُ بعض الفنانين وطنٌ واحد.. أو نصف وطن، أو أوطان بمقاسات.. أو دور تمثيلي وتجارة ونجومية تصبح بالنسبة لديهم.. هي الوطن.

أكثر ما أرهقني في رمضان 2013، أن أرى شكران تقف أمامَ الكاميرا، وحيدةً بين جميع الممثلين.. كي تُضحكنا.. لا يوجد ممثل سوري واحد هذا العام، إشتركَ في عملين يقدِّم الكوميديا، كما فعلت هي.. إقتصرت مشاركاتها في عملين: منبر الموتى، و حدود شقيقة.. قدّمت دورين، لتُضحِكنا في أيامنا العسيرة.. لأنهُ "لا فارق بين الضحكة والدمعة" كما تقول رفيقة دربها أمل عرفة.

هذا العام، ومن منبر الموتى، إعتلى منبر (أم الزين) أكثر.. يا إلهي كيفَ حوَّلتها شكران لشخصية، تُحفَر في ذاكرة النّاس.. بعدما كان الدور في الأجزاء الماضية، يسير في قطارٍ سريع.. أصبحَ بطيئاً، بمحطاتٍ واثقة، فتغلغلت فينا تفاصيل (إم الزين(.

حينَ سألتُ شكران قبل أشهر، عن دورها في (الولادة من الخاصرة)، لاحظتُ، أنهُ لم يكن يعنيها العمل وتسميته في الجزء الجديد (منبر الموتى).. بقدر ما تعنيها فقط (شخصية إم الزين) التي أصبحت عنصر معدِّل، لكُل الألم والوجع الموجود في المسلسل. فـ (شكران) في (منبر الموتى)، تغنّي على ليلاها، ترسم الإبتسامة، وتقدّم اللهجة الحلبيّة، أصعب لهجة في الدراما السورية.. والسوريون يعون خصوصية هذه اللهجة، في الكوميديا بشكلٍ خاص.

نعم، في الكوميديا، قد تكون (إم الزين) ثاني أهَم شخصية لشكران بعد (طرفة).. هذا لأنَّ الشخصية تنطبع في أذهان الناس.. لها مفرداتها وطريقة كلام ولباس.. هو إبداع شكران مرتجى.. والدليل في ترك البصمة لدى الجمهور، أننا نسمع الجميع يُكرِّر عبارات إم الزين (إم مسكرة و وبى تئشَّك..).. فـ يا للإبداع!

أما في حدود شقيقة، وهو العمل الثاني لشكران هذا العام.. تابعتُ بعض مشاهده.. دققتُ كيف الممثلون يقدّمون لهجة أهالي الحدود السورية- اللبنانيّة.. ثم أطلّت شكران بدور (خدّوج)، تقول لزوجها:

-هلأ إنت ليه كل ما طلعت وكل ما نزلت.. وكل ما رُحت وكُل ما جُيت بتحُب تهينّي؟
فوراً، إلتفتَ أخي وقال "دنيا أسعد سعيد".. ثمَّ من بعده قلتُ لهُ باسماً "تلكَ اللهجة واللكنه وطريقة الأداء المطلوبة لهذا العمل.. أمل وشكران فقط.. أكثر مَن تحترفان تقديمها كما يجب!"

هذا ما يتصل بالشأن العملي..
لكنهُ لا ينفصل عن الشخصي. أكثر النجوم يقدمون أدواراً حقيقية هذا العام من الواقع السوري.. أي يُفرّغون، يعيشون الواقع.. باستثناء شكران، التي ترسم البسمة وتقوم بمجهود تمثيلي إضافي، لا نعرف مع أية حالة نفسية يختلط، ومع أية مشاكل في ضوء كل المشاكل والضغوطات في الحبيبة سوريا.

والشخصي تمارسهُ شكران، بعطف واحترام.. عبر صفحتها وتواصلها مع الناس، تعيش شكران إنسانة من نوع لطيف.. لأنها نجمة من نوع (نجمة جيل).
هنيئاً.. كم من اختبار إجتزتيه شكران مرتجى؟

في حب سوريا والوطن والإحترام والتواضع والتمسك بالأرض والهوية والقضية..
كم من اختبار.. في تحويل أصغر تفصيل إلى أكثر شخصية تعلق في أذهان النّاس.
وتستمرين نجمة الوفاء.. تودّعين نضال يومياً منذُ رحل بعشرات الصِدق والتعابير..
في ما غيركِ يكتفي بكلمةٍ جامدة، بعبارةٍ موزونة.. ربما هكذا نجوم الصف الأول.. وربّما هكذا عملاقة الجيل..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com