في السادس من أيار 2013 أقرّت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، حكومة الاحتلال إقتراح ما يُسمى "قانون تنظيم توطين البدو في النقب" وهو إقتراح قانون برافر- بيغن، وقد تمّ عرضَهُ على الكنيست في 26 حزيران ومرّ بالقراءة الاولى، وسيُصبح قانوناً ساري المفعول بعد عرضهِ وإقراره في القراءة الثانية والثالثة في الكنيست.

هذا القانون يحملُ في طياته سياسة تطهير عرقي فاضحة للعرب في النقب، وهو عملياً استمرار لذات السياسة المتّبعة من قبل المؤسسة الصهيونية تجاه العرب الفلسطينيين في البلاد، وخطورة هذا المخطّط اليوم، أنَّهُ وبعدَ أن صادرت "اسرائيل" واستولت على أكثر من 79% من الأرض في الداخل الفلسطيني، أي المنطقة المحتلة عام 48، تنوي الآن الانقضاض على إحتياطي الارض المتبقي للعرب وهي في منطقة النقب، وقد عانت هذه المنطقة من سياسة الاهمال والتجهيل والسَلب والنهب والهدم والمصادرة على مدار ستة عقود وما يزيد، وجاءت الصحوة بعد هذه العقود العجاف، إن صحَّ التعبير، لتتحوّل النقب الى ساحة الاشتباك.

منذ بداية الألفية الثالثة سمعنا وقرأنا وشاهدنا مشاريع "تطوير الجليل والنقب" والتي كانَ مُفجّرها رجل السلام "شمعون بيريز"، وهي كما سُميت بحق "تهويد الجليل والنقب" فعشرات القُرى غير المعترف بها "إسرائيلياً" تم حرمانها من أبسط الحقوق الحياتية الانسانية، لا مياه ولا كهرباء ولا هاتف ولا انترنت، ولا صرف صحي ولا مدارس، هدم وتهجير والناس صامدون هُناك، على أرضهم التي تسكنُ في صدورهم، فَهم لم يأتوا إلى النقب مستوطنين ولم يدخلوا "اسرائيل" فهذه هي التي إقتحمت عليهم حياتهم ودسّت أنفها الكريه في فِراشهم وقوت يومهم وحُلمهم وترحالهم، صاحبة الأنف الكريه هذه، هي التي سرقت البسمة من أطفال النقب وزرعت الحزن في بيوتٍ لا تحلُمُ إلا بالحريّة والعيش الكريم، ولكنها رغم كلِّ ذلك لم تستطع أن تسلب الارادة من أناس خبزهم كرامة وماءهُم تحدي وهوائهم حريّة.
لم يستفد العرب من مشاريع بيريز ولن يستفيدوا غير الاقتلاع والتهجير والتغريب، فكان وما زال واجب المواجهة والمقاومة مُشرّعاً أمام العرب الفلسطينيين، وهذا ما حصل على مدار المواجهة والمقاومة مع "الدولة" ما بعدَ النكبة، فكانت المواجهة الشعبية هيَ الحامي للوجود وهي الضامن للبقاء، وهي المؤشر للحياة، خسرنا معارك كثيرة ولكننا ما زلنا في خضمّ الحرب، ولم نخسر أنفُسنا، وهذه هي المعادلة الأهم في الوضع الراهن.
فهل نستفيد من دروس الماضي؟ مظاهرات اليوم ليست كسراً لحاجزِ الخوف، فهذا الحاجز قد تحطَّم عام 1976 في يوم الأرض وقبل ذلك، عام 58 وبعدها الروحة وام السحالي وانتفاضة القدس والاقصى عام 2000، ما يحصل اليوم هو إرادة شعب يتمرّد على واقع إسمهُ "الأمر الواقع"، فقيادة الجماهير العربية من الحائط الى الحائط تعترف بحق اسرائيل في الوجود ككيان شرعي وتعبير عن حق تقرير المصير لليهود في فلسطين، ويخرج الشباب اليوم ولا يهم إلى أي حزب ينتمون، هم يريدون حقّهم في دولتهم المسلوبة، في وطنهم المنحور من الوريد الى الوريد، خرجَ الشباب يوماً بعدَ يوم إلى الشوارع ومفترقات الطرق ليسَ ليرفعوا شعاراً ويهتفوا أغنية ويعودوا الى البيت (وإن وجد مثل هؤلاء فهُم قلة) وإنّما خرجوا لأنَّ الوعي قد تجاوز وعي برامج الأحزاب، ولأن برافر مُخطط لإقتلاع الوطن من صدور هؤلاء الشباب، فكان يستحقُّ علينا أن نغلق الشارع ونهتفَ ضد من يريد أن يأخذ الآن فوق ما أخذ حوالي مليون دونم أرض وان يُهجّر أربعون ألف إنسان بعد أن هجَّر الملايين، وقرية تُهدم للمرة الثالة بعد الخمسين وقد تصبح الرابعة بعد الخمسين حين رؤية هذه الكلمات النور، قرية اسمها العراقيب، تستحق اليوم وبجدارة أن تُسمّى الاسم الحركي لفلسطين.

صَدَق الشباب في المظاهرات حين صرخوا بأعلى الصوت: " قولو للشاباك جاي جاي الإشتباك" بمعنى أنَّ الخوف انتقل من ماضينا الى مستقبلهم، وعلى هذه القاعدة نحنُ نتحرّك وهم يخططون، ولكن للأسف الشديد فإنّ لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ما زالت تلبس عباءة المُراوحة في المصالحة، والعفوية في الأداء والمُحاصصة في مقاعد المجلس المركزي، شي بضحك وببكي، تعلن الاضراب في 9/7 وتُؤجل الى 12/7 ومن ثُمّ الى 15/7، وكان إضراباً فاشلاً وذلك لغياب آليات انجاحه والدعوة والتجنيد لهُ، والأنكى من ذلك غياب رؤساء السلطات المحلية العرب، عن الاضراب والدعوة له وعن المشاركة في المظاهرات، ما عدا قلّة قليلة، وزد على ذلك إحتراب الأحزاب قيادات وكوادر على مفارق الطُرق وامام الكاميرات وهذا طبعاً يدُل على غياب استراتيجية نضالية موحّدة في القضايا المشتركة على الأقل، وبالتالي غياب المسؤولية الوطنية، وتبقى في هذا المعمعان نظرية "الكرسولوجيا" هي الحاضرة، تحية كبيرة الى نسائنا الماجدات اللواتي أغرقنَ المظاهرات بحناجرهُنّ وسواعدهُنّ، يا أيّها التافهون: صوت المرأة ثورة، فاخرسوا أنتُم، وتحية إلى صبايا وشباب فلسطين الذين هتفوا ضد برافر وضدّ أحزابهم وضدّ المتابعة وقد آن الأوان. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com