افتقد الوسط الأدبي والثقافي في بلادنا الأسبوع الماضي ، أحد روّاد الحركة الثقافية والأدبية ، الكاتب والشاعر جمال قعوار، الذي غادرنا عن عمر ناهز ال 82 عاماً ، حيث شُيّع جثمانه يوم الاثنين الماضي من كنيسة البشارة للروم الارثوذكس في مدينة الناصرة الى مثواه الأخير في مقبرة الروم الارثوذكس في الناصرة. يعتبر الشاعر الراحل من رعيل الشعراء الأوائل الذين برزوا في بلادنا في الستينات ، تميز بغزارة انتاجه الشعري، الأمر الذي دعا بعض النقاد والباحثين الى الاهتمام الخاص بشعره الذي يتميز بالغنائية وسهولة اللفظ وجمالية المعاني ، الأمر الذي جعله رافدا هاماُ في الشعر الفلسطيني خاصة والشعر العربي عامة. ساهم في نشر ثقافتنا وأدبنا المحلي من خلال اصداره وتحريره
لمجلة "المواكب" ونشاطه الأدبي والثقافي من خلال مؤسسة المواكب وهو يعتبر من أحد أبرز الأسماء الأدبية في ثقافتنا وبرحيله ينضم جمال قعوار لقافلة من الأدباء الراحلين الذين ساهموا في حركتنا الأدبية والثقافية ، فامتدت مسيرته الأدبية نحو أربعين عاماً في مجال نظم الشعر واعداد الدراسات الأدبية وكتابة النقد الأدبي ، هذا ناهيك عن اعداده لبرنامج تلفزيوني في مجال الثقافة والأدب .
للحقيقة أحدث الشاعر جمال قعوار في شعرنا المحلي اتجاهاً خاصاً ومميزاً غير أنه لم يحظ بالأضواء بما يتلاءم مع قيمة نصوصه الشعرية ، وهو ليس بالشاعر الأول والأخير أو الكاتب الذي لم يحظ أدبه بالأضواء الذي يستحقها ، وهذا موضوع قائم بحد ذاته لا مجال في هذه العجالة أن نتناوله ، فالشعر في بلادنا مرتبط بالحياة ارتباطاً وثيقاً كما انه مرتبط بالسياسة والأحزاب ، فان الأحزاب التي بيدها تسليط الضوء لا تعني بتسليطه على من لا يساعد في إكسابها بعض الأصوات ، لهذا شاعرنا الراحل وقع ضحية هذا الوضع والذي لم يسلم منه العديد من شعرائنا وأدبائنا.
يتميز شعر جمال قعوار بالوضوح والشفافية وتدفق الصور ، فشعره ينمّ عن شخصيته بوضوح دون محاولة لإخفاء أمر أو صبغ أمر آخر بغير لونه الحقيقي . اعتبر الشاعر جمال قعوار من عشاق اللغة العربية ، فقال عنها في احدى اللقاءات التي أجريت معه :" يصح القول أن اللغة كائن حي تتطور مع العصور كما تتطور مختلف الكائنات الحية، ونحن نعرف أن لغة الجاهليين كانت أقرب إلى خشونة الصحراء من لغة الحضر في دمشق أو بغداد التي أصبحت أكثر رقة، فكانوا يفاضلون بين جرير والفرزدق فيصفون شعر الفرزدق بأنه أقرب إلى البادية خصوصاً وأنه أحيا الألفاظ المستهجنة بالنسبة للحضر فقالوا: لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة، بينما يصفون "جرير" بأنه أقرب إلى الحضارة الحديثة.
أما نحن اليوم فقد فقدنا السليقة اللغوية السليمة وأصبح أهلنا يجهلون الكثير من مفردات اللغة وقواعدها وأساليبها، وأصبح التحدث بلغة العصور القديمة مستهجناً، وأنا لا أرى غباراً في ذلك ما دامت أصول اللغة محفوظة وقواعدها سليمة، لأن الخروج عن علم المعاني أو علم النحو يفقدنا الوسيلة الصحيحة للاتصال.
اللغة العربية ليست مقدسة بالطبع ولكن المقدس هو لغة القرآن الكريم التي لا يجوز انتهاك حرمتها وتغيير كلماتها أو حروفها أو حركات إعرابها. ومن حرص العرب على لغة القرآن الكريم اهتموا باللغة بصورة عامة وحافظوا على أساليب استعمالها وقواعدها وأنا أعتقد أنه لا يجوز التلاعب باللغة كيفما شاء الأديب أو الكاتب باعتبار التغيير الذي يحدثه نوعاً من التجديد، إن هذا المنطق الجديد الذي سيحدث تغييراً جذرياً في اللغة مرفوض، لأنه ما دامت اللغة وسيلة الاتصال فيجب أن تبقى مفهومة لدى المتلقي أو المخاطب فإذا غيرت في قواعدها فقد غيرت في المعاني التي يمكن أن يفهمها المخاطب فيصبح الفاعل مفعولاً به أو المفعول به فاعلاً. أما ما عدا ذلك فيجب أن تمر اللغة بمراحل التطور والتجديد بشرط أن لا تفقد كونها وسيلة اتصال يفهم بها المتلقي ما يريده الكاتب أو المتحدث".

ولد الشاعر د. جمال قعوار في مدينة الناصرة في العام 1930م ، حاز على شهادته الجامعية الأولى من جامعة حيفا وحصل على إجازة الماجستير من الجامعة العبرية في القدس، ثم حصل على إجازة الدكتوراه من جامعة تل أبيب. عمل مدرساً للغة العربية وآدابها في كلية إعداد المعلمين العرب في حيفا وفي جامعة حيفا ، وكان لي شرف دراسة بحور الشعر لديه في جامعة حيفا .
من مؤلفاته الشعرية : "سلمى" ، مجموعته الشعرية الأولى التي صدرت في العام 1956 . "أغنيات من الجليل" و"غبار السفر" و"ليلى المريضة" و"عبير الياسمين" و" أقمار في دروب الليل" و "بيروت" و "زينب" . أصدر بالمشاركة مع الشاعر جورج نجيب خليل مجموعة أناشيد مدرسية بعنوان " ألحان الطالب " ، وأصدر بمشاركة الدكتور محمود عباسي مجموعة من قصص الشعوب والفولكلور والتراث العربي أُعِدَّت للأحداث وعددها (20) كتاباً .
فوداعاً للشاعر الراحل جمال قعوار ، وداعاً لعاشق اللغة العربية ، وكلي أمل أن تحسن مؤسساتنا الثقافية ذكراه ، وأن نلتفت لشعره مجدداً ، فربما نكتشف في أدبه بعد مماته أموراً لم يكن بوسعنا أن نلتفت إليها أو ندركها في حياته. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com