"لم أختر تصميم الأزياء يومًا، بل هو من اختارني. هذا هو الشعور الذي كان يرتادني دائمًا، لا أذكر متى كانت المرة الأولى التي أُعجبتُ بها بهذا العالم، كل ما أنا واثقةٌ منه، أنه رافقني منذ نعومة أظفاري حتى اليوم. كل ما أذكره، هو ردّ فعلي المتفاجئ والفرح الكبير لإطراءات أهلي حين كنت أرسم الملابس على الأوراق، وأعرضها عليهم. وحدثوني عن محاولاتي الدائمة لصنع شيء من إبداعي من لا شيء، أبسط من أن يسميا فن وتصميم أزياء، محاولات طفلة تهوى الرسم، وتصميم الملابس، وتعشق الألوان. كانت هُناك دلائل تُشير إلى ملامح مهنة المُستقبل". هكذا افتتحت الطالبة والخريجة من الكلية الأكاديمية للتصميم والتربية "فيتسو"، رُلى جرايسي، من مدينة الناصرة، لقاءنا معها، وهي في سنتها الدراسية الرابعة والأخيرة، وقد حصلت على اللقب الأول في تصميم الأزياء والتربية.

مواهب إضافية...

بالإضافة إلى موهبة تصميم الأزياء، اندمجت رُلى بكُل ما يخص الفن، مثل الرسم بالرصاص، والفحم، والألوان الزيتية، بالإضافة إلى موهبة العزف على آلة القانون، التي تُشكل جزءً لا يتجزأ من حياتها، حسب ما أفادت خلال لقائنا معها.

وعن تشجيع الأهل ودعمهم، قالت: "لولا تشجيعهم التام والدعم النفسي والمعنوي والمادي لي بشكلٍ متواصل، سواء إن كان من الوالدين والأخوة، لما وصلت لما أناعليه اليوم"، وأكدتْ، أنها محظوظة جدًا بهم لأقصى الحدود.

وعن سؤالنا لها، هل استغربوا اختيارك لدراسة الموضوع، قالت: "من الواضح أن شغفي بالألوان والرسم كان واضحًا بالنسبة لهم، فكان رد فعلهم دعمي لاختيار موضوع دراستي، لكن، لا أنكر، أن لحظة اختياري الحاسمة والفعلية، كانت مرفقة بالتردد، لأنه للأسف في مجتمعنا لا يوجد قدر كافٍ من الانفتاح على مجال تصميم الأزياء فالخوف كان من البيئة العامة وليس المقربة، وكان سؤالهم لي يتكرر: " في لهذا الموضوع شُغل"؟!

صعوبات خلال التعليم..
رُلى:" ما لا يدركه الكثيرون، وخاصة من ليس لهم صلة بمجالات التصميم، أن دراسة هذا المجال تعتبر من المواضيع الصعبة التي تحتاج من الطالبة القوة والعزيمة والقدرة على تحمل العمل المتواصل، بالإضافة إلى أنه يتطلب قدرات جسدية وفكرية ومادية، فكم بالحري وأنا لم آت مع تخصص دراسي ( في المدرسة) بهذا المجال. للأسف في المدارس العربية، يصعب فكرة تقبل الفن كتخصص بحد ذاته، وهذا الأمر الذي يُضيع المواهب المكنونة في المجتمع العربي، ولا ينقصنا المواهب والموهبين"!

وتابعت: "من أبرز المصاعب التي واجهتني خلال دراستي، هو كوني طالبة عربية، تدرس مع أغلبية يهودية، لم نتعدَ ثلاثة طلاب عرب ضمن مجموعة الطلاب، وكان التعامل صعب مع فحوى المواضيع، ولكني تعلمت كيف لا أتخلى عن تراثي وأعتقد لو كنت في بيئة تعليمية أخرى لم أُدخل كل هذه العوامل التراثية خلال فترة تعليمي.

ولكني وجدت أن التصميم هو طريقتي لفرض نفسي ووجودي وتاريخي وطريقتي للتفريغ عن استيائي بمحاولات أسرلة كل ما يخص تراثنا الشعبي.
وما ساعدني ودعمني، هو وجود بعض الاشخاص من غير العرب اللذين سحروا بجمال تراثنا ودعموني على عدم التنازل عن خلفيتي. وأعتقد أن عدم قبول الطلاب العرب لهذه المواضيع هو أمر محزن وبرأيي جزء منه هو عدم تجهيز الطلاب العرب من ايام المدرسة لمتطلبات ومستوى هذا التعليم.
وما أود التنويه له، أن هُناك فكرة مُسبقة خاطئة جدًا، أن تصميم الأزياء يقتصر على الرسم والخياطة، والفن يقتصر على النحت والرسم، بينما الحقيقة أنه خلال أربع سنوات مكثفة للغاية من التعليم علينا أن نعمل على بناء شخصيه ونظرة ورؤية للعالم بشكل مميّز، ولكي تغدو مصمم أزياء عليك أن تبني رؤيا ونهج حياة خاص بك.

دعم للمصممين المحليين...

وعن سؤالنا لها حول الدعم الجماهيري لمصممي الأزياء المحليين قالت: " بدأنا نلمس بعض الدعم، ولكنه ليس كافٍ، وأعتقد أننا نخطو بعيدًا عن المسار الصحيح لتصميم الأزياء، على الرغم من أن هُناك من يقدرون مصممي الأزياء، يجب على المجتمع أن يُدرك، أن تصميم الأزياء لا يقتصر على تصميم فستان سهرة، بل يحمل في الكثير من الأحيان رسالة كغيره من الفنون الأخرى.
وأكدت خلال حديثه: " يجب التعمُق بمجال تصميم الأزياء، وعدم تناوله بشكل سطحي، ومجرد هواية للناس، وتكريس وقت كبير، من أجل الإبداع فيه".

وعن تأثرها بالمصممين المحليين قالت: " أنا متأثرة بكل مُصمم ما نسي شو أصله وشو تراثه"، وأعتبر التصميم وسيلة للتعبير عن فكرة حتى ولو كانت ضمن العمل التجاري. ولكن تأثري لا يقتصر على المصممين بل بالعكس الإيحاء والتجديد الأكبر يأتي بالدمج بين عوالم ليس لها علاقة ببعض وايجاد القاسم المشترك بينها ولذالك احب ان اطلّع دوما على اعمال الفنانين بشتى المجالات.


فكرة المشروع، والرسالة التي يحملها... وأهمية المحافظة على التراث الفلسطيني..

رُلى: " للطالب بالسنة الدراسية الأخيرة، الحرية التامة في اختيار موضوع المشروع النهائي، أردتُ أن ألقي الضوء على نهضة المرأة العربية، وإظهار نظرة نسوية لفن الأرابيسك الذي أصله من الفن والحضارة الإسلامية، والذي يتصل بطبيعة الحال مع الشرق بشكل عام،
واخذت هذا النوع من الفن "كمتافورا" – أي مجاز أو رمز" للشرق من جهة، ودمجه مع حاجة المرأة للحرية وحقوقها الأساسية بدون تناقضات.
ومثلما لمجتمعنا جوانب عديدة ووجوه متناقضة، رغبت أن أظهر جماليات معتم عليها من خلال نظرة وفكرة الغرب عن الشرق بأنه قاسي وموحش، أي اظهار قوة الجمالية الانوثية المكبوتة تحت كل مفاهيم الشرق الذي نعرفه اليوم.

وتابعت: " رغبت، أن أتوج مجموعتي الأخيرة بالتعليم بتصاميم، تحكي عني وتعكس شخصيتي، وأسلوبي. ودائما كان للتراث اثر موجود بتصاميمي خلال التعليم ولاني سبق واستعملت التطريز الفلسطيني بشكل مركزي خلال التعليم، - حتى في هذه المجموعة أدخلت التطريز بأحد التصميمات.

وبشكل لم أرغب بتكرير نفسي خلال التصاميم، بالإضافة إلى أنه من الواجب، أن ننمي الوعي والعلم لهذا العنصر من التراث ضمن تدخيله بتصاميم معاصرة ونشر ابحاث وافرة عنه والأهم أن لا نسمح للمحاولات المتواصلة لدمجه بطريقة تمحي اصله، وخاصة عند دمج ثقافات عديدة بدون ذكر الخلفية ويصبح مثل الوصف الدارج "سَلطة".

وتابعت: لقد لاحظت، كثيرًا، أن الكثيرون يتداولون وصف التطريز الفلسطيني بالبدوي، " حفي لساني"- (" هذه صفة تُقال عند تكرار تصحيح المعلومة للشخص دون أن يفهم أو يستوعب المعنى")، لا يوجد تطريز بدوي، التطريز ملك التراث الفلسطيني بشكل عام، وكل منطقة لها التطريز والألوان التي تُميزها، ولدي الكثير من المحاولات العالمية لإحياء التراث بشكله الصحيح، من خلال كتابة مقالات، وكان التطريز موضوع مشروعي الشخصي خلال سنتي الدراسية الثالثة.

مشروعي النهائي يتميز بلباسنا الفلسطيني الشعبي..

لقد حرصت أن يتميز عرضي النهائي، باستخدام تصاميم متنوعة من الزي الفلسطيني الشعبي، والتي لم يُلق عليها الضوء الكافي، مثل الحياكة بالأويا وهو من أجمل الحرف الآخذة بالإنقراض، والعقال الذي كان يعتمره الرجل على رأسه، لكن خلال عرضي استخدمته لزي المرأة، بالتصميم والقماش المخطط حسب زركشة الأرابسك.


ماذا بعد التعليم؟ وهل تحلمين بالعالمية؟

رُلى، أخطط أن لا أضع حدًَا لأحلامي، ولا أكتفي ولا أتوقف عن السعي وراء التجربة والتعليم واكتساب الخبرات، أحلم بالعالمية لكن ليس بهدف الشهرة، إنما كمقدرة لإيصال رسالتي من وراء التصاميم، للعالم، ويكون تراثنا مؤثرًا على الموضة العالمية، ووضع بصمة فيها، وطبعا أن يكون لأعمالي هدف بجانب العمل المهني لتصميم الأزياء.

شُكر خاص للأهل والأصدقاء..

وفي نهاية لقائنا معها، توجهت رُلى بالشُكر إلى والديها، الذين لولاهم كما أكدتْ، لما وصلت لهذا المرحلة، فالشكر الأول والأخير لهم، ولجميع من دعمها، من الأقارب والأصدقاء.

وقالت: أعتقد أن كل من يلمس مجال الفن والتصميم، يعلم أنه بحاجة إلى دعم من المقربين، إن أراد أن ينتج بشكل صحيح، ويُبدع.


 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك




 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com