الشاعر الدكتور جمال قعوار 19/12 1930 -24/6/2013 ،راحل باقٍ في كلّ ركن من اْركان فلسطين والوطن العربي معاً،تحاول ان تسبر اْغواره ،اْو تلج الدّرج المؤدّي الى اغواره،كما يقول قريبه الشّاعر :ميشيل حداد 1919 -1999 ،وزميله في النّسب والحسب ،المجتمع والبشارة ،العين والقفزة ،كان واْخواتها ،واْنّ واخواتها ،الاْوزان والقوافي مع الخليل بن اْحمد وبحوره ،ناهيك عن الهموم وابتلاع السّموم عنوة للعيش مع الوعد المشؤوم الموهوم،ثمّ الحنين الهادئ والوطنيّة الصّادقة ،بعيداً عن المزايدات والمتاهات في عصر الاضطهاد والظلمات.
جمال الشاعر المعطاء والنّاثر بسخاء دون رياء وكبرياء ،ترك ارثاً روحيّاً ،اْدبيّاً،وطنيّاً وانسانيّاً،تزخر به المكتبة العربيّة ،رغم الجنوح والعزوف عن المطالعة لدى اْغلبيّة اُْمّة :اْقْرَاْْ !يكفيه فخراً وعزّة اْنّ رسالته للحصول على لقب الدكتوراة كانت :اعراب القرآن الكريم وعلاقته بعِلْمَي التّفسير والنّحو 1987 .
لن اْثقل على القرّاء الكرام في استعراض اصداراته المتعدّدة في ثمرات المطابع ،بل ساحاول التّوقّف في بعض محطّات فلسطينيّة ،كما تجلّت في ديوانه :زينب 1989 ،في قصيدة العنوان الجديد يؤكّد:
جدّدي يا قدس عهداً/واكتبي في الكون مجدا/وانشري في اْضلع المُحْتَل رعباً/ليس يهدا/واتركيه مثخناً من ثوره في اْثر ثوره/لتعود القدس حرّة/ ولتبقى اْبداً في جبهة التّاريخ غُرّة .
اْمّا في قصيدة :الاْرض تموج فقد كتب بصدق والاْلم يعتصر قلبه النّازف دما اْحمر قانيا!كجروح النّاصري المصلوب ،وعلى راْسه اْكليل من الشّوك :
دُرْ يا دولاب الاْيّام وجدّد تاريخ اْباة/من نهر النّيل الى دجلة قبر غُزاة/والاْرض تموج /وفلسطين هدير هادر/تتحدّث عن حجر ثائر /ورياح هوج.
فلسطين الجريحة تبقى اْمام ناظرَيْه ماثلة شاخصة ،شاهدة على هول نكبة وطن وشعب واْمّة،لكنّه لن يفقد الاْمل رغم الاْلم من ملوك ورؤساء" االخمم "الذين تآمروا وقبضوا الثّمن عدّاً ونقداً سلفاً وبالدّولار كما يقول نزار ،وجمال يقول :يا فلسطين اطمئنّي،فغدا /يكتب الصّبح بماء التّبر/اْو بالدّم/ تاريخ الحضارة ..../يا ظلام السّجن!/يا سيل دماء الشّهداء !/ضاءت الدّرب /وقد غامت ْدروب الدّخلاء .
اْمّا في قصيدة الحب والحجارة ،فيحلّق جمال مع الثّوار الصّغار الذين صنعوا المعجزات من مفاخر وبطولات وتصدٍّ للآليّات المجنزرات والمروحيّات:
قلبي على طفل تعاوره الجنود.../قلبي على شيخ/اْحاطوا بيته بالغاز /قلبي على حبلى/على الطّرقات /اْجهضها الغُزاة .../يا اْيّها الاْطفال!/يا اْبطال /مُرّوا بالذين غفَوا/ولم يستيقظوا /الاّ على وقع الحجارة ..../حطِّموا هذا الذي/يدّعونه عصر الحضارة / واسترجِعوا عصر الحجارة .
في قصيدة : الصّحو ، يمضي جمال في مشواره الطّويل ،مستعيداً اْمجاد صلاح الدّين ،صمود بيروت والقدس الجريحة النّازفة،ليبقى بصيص من الاْمل مع فسحة الاْمل :
فلسطين لا تاْسي/ سيحترق الدّجى /ويغدو هباءً في الجهات مبدّدا/...وتحيا فلسطين العروبة /حرّة / وتزرعها الاْجيال/ مجداً وسؤددا .
جمال يعدّ ليالي الاحتلال/الاختلال الدّهماء ،مع الاْرق والدّوار بلا حوار موعود موهوم ،بعد عشرين سنة على احتلال القدس يقول :
نحن شعب فلسطين /عزائمنا/لا تنثني رغم تشريد وابعاد/...فلن نهون ،ولن ننقاد مثل دمى/فليس شعب فلسطين بمنقاد....
ها هو في قصيدته :لا يا فجور، يقول بكلّ عزم واصرار للطّغاة الفاجرين :
لا يا فجور!/دم الفلسطينيّ/ليس النّفط/يُهْدَرُ في سبيل الشّهوة الحمراء /...لا يا فجور/دم الفلسطينيّ/ثاْر العزم لم يفقد زمانه// لا يا فجور /فليس للجاني حصانة.
اْمّا في قصيدته :صلاة الى الصّباح ، ، فيعود الى السّيّد المسيح ليقول :
صلبوا في سورة الحقد المسيح/ فاْذا القيصر في روما يصلّي/عند اْقدام المسيح/....اْيصِحُ الدّمع في الدّرب العصيب /اَْوَتَرْضاني فلسطينُ/اذا لم اْسكب الحرف لهيب/....يا فلسطين واْرض القدس، والقتلى /على اْرواحهم خير صلاة /فهنا قبر الطّغاة/ حفرته بسمة الاْصرار/ في ثغر الحياة .
في قصيدة :اْخبارنا يعود لفلسطين الجريحة معرّجاً على بلد المليوني شهيد /الجزائر/ وقدس العروبة فيقول :
ظنّوا فلسطين بعضاً من غنائمهم/لكننا النار لا يخبو لها وهج/
اْمّا في قصيدة : الوعد ،فيصدح بصوته الشّجي رغم الحشرجة والبحّة والاْلم :
وننادي يا فلسطين اسعدي/بعد صدق العزم ياْتي الظفر/يا فلسطين اْدّلي وافخري/اْنتِ في الهول سنان مُشْهَر/...فروابي القدس لمّا انتفضتْ/وثب الطّفل وهبّ الحجر/...لا تراعي يا فلسطين اذا /كثر الاْعداء ..مهما كثروا...ورجال نذروا اْرواحهم / ووفوا بالعهد لما نذروا /عاقدين العزم اْن يستشهدوا/ في سبيل القدس اْو
ينتصروا .
الشاعر مولع بتراث آبائه واْجداده الزّاخر بالرّموز والقِيَم ،ففي قصيدة :جفرا يقول:
اْنا بين الاْسى والصّمود /ما استقرّت على الجراح حدودي/فاطلبي المجد يا فلسطين درباً / وردى العز ّمستطاب الورود / يا فلسطين يا سجلاّ مجيداً/لفعال تليق بالتّمجيد /جفرا ويا هالرّبع تتجلّىببلادي/واخضر يا نادي الزّرع و عَ احبابنا نادي/وامسح جواري الدّمع ع َتراب اْجدادي مِن حدّ بير السّبع لحدود سوريا .
يوم الاْرض الخالد في الثلاثين من آذار 1976 ،الذي فجّرته جماهيرنا العربيّة الاْبيّة في :يركا ،شفاعمرو ، سخنين ، النّاصرة وبقيّة الشّقيقات والرّفيقات في طول البلاد وعرضها ، رغم الحصار والبطش والنّهش :قال جمال :
يوم الثلاثين من آذار..يرتقب/فيا فلسطين.. نحن النّار واللهب /
الشّهيد فهد القواسمي ابن خليل الرّحمن ،خاطبه جمال قائلاً :
على قدر اْهل العزم..قدر العزائم/عطاءُعظيم في سِجِلِ العظائم /فلسطين !ما غالي الدّماء عزيزة /على مُهج تسعى لدفع المظالم...فلسطين! غنّي!لا يرعك مذابح/فنحن صمود فاجئ كلّ واهِم/وكلّ فتىفينا شفاراْسنّةٍ/وكلّ كمي ّروح فهد القواسمي.
نواصل مسيرتنا مع مراثي جمال ومآثره في بكاء شركاء الدّرب والمسيرة الحافلة ،فلن ينسى شريكه في مجلّة المواكب ،الشاعر فوزي عبد الله 1942-1988 الذي رحل على حين غرّة ،وهو في اْوج العطاء والتّدفّق السّخي ،نظم جمال قائلاً في رحيل الاْحباب :
قدر الاْهل يا فلسطين ان يعطوا/ واْن يبذلوا،واْن لا يبالوا/اْيه فوزي!وكنتَ رمز نضال /ليس يرقى الى علاه النّضال /في المآسي دمع الرّجولة عيب/حين يبكي النّساء والاْطفال/كيف نعتزّ بالصّمو د اذا لم/تتكسّر على النّصال النّصالُ.
في قصيدة اْخرى : بعد فوزي/ في ذكرى الاْربعين ،قال جمال :
في كلّ منطلق الى العلياء/كان الفارس الماضي المغامر/ من للمواكب بعد اْن غادرتها / ويح الهوى/وما كنت غادر /من للمواقف /والمجالس/ والمحافل/ والمنابر/
كانت فلسطين البشائر/ وبقيتْ فلسطين البشائر .
رفيق درب آخر ،هو الدّكتور سامي مرعي 1940-1986 ،بكاه جمال قائلاً :
اْين سامي ؟جروح قلبي دوامي/ودموع الجفاف غير هوامي/لفلسطين كم بذلنا حبيباً/
وكم ارتجّ في الرّثاء كلامي ...لفلسطين والهوى جد مضنٍ/ لنفوسٍ عرفن صدق الغرام .
الشاعر راشد حسين رحل هو الآخر على حين غرّة 1936- ،1977 قال جمال :
فيا فلسطين يا اْغلى عرائسنا/كم ذا يكلّفنا المَهْر الذي وجبا /وراشدُ-لهف قلبي-صاغ مهجته شعراً / واْجرى شذى اْعرافها ا ْدبا.
الشّاعر الشّهيد عبد الرّحيم محمود 1913- 1948 ،خاض غمار المعركة مقاتلاً مجاهداً،رثاه جمال قائلاً :
عبد الرّحيم! اْنا اْدعو اْتَسْمعُني/اْنا الجراح التي تسقي ثرى وطني/اْنا جراحك يا عبد الرّحيم ،فَاْنْ/ في حلية الرّوع هان النّاس لم تهن/اْنا فلسطين لا تنسى اْحبّتها /اذا فلسطين لم تذكر همو فَمَن ؟...يا صاحبي واْنا من اْهل ناصرة/لم تجزِ بعدُ جزيل الفضل والمنن/ شربتَ من مائها من عين مريمها /وشاركوك كفاف الخبز واللبن .
يختتم جمال رثائيّاته الوجدانيّة مع الفلسطينيين وفلسطين بقصيدة اْخرى لنفس الشّهيد :عن المجد ...والشّهيد الثّاوي في النّاصرة ،فيقول :
فيا فلسطين ما اْغلاك في مهج/لم تدّخر
في الفدا جهداً ولا عرقاً/سقياً شهيد فلسطي واْضلعه/ضمّتْ فؤاداً بغير الحُبّ ما خفقا...هذا وليدك في اْرض الكنانة قد /رعى حقوق فلسطين بها ووفى ...عهداً اْبا الطّيّب الثاوي بناصرة/عهد الوفاء فعزم المنتمي صدقا /اْن لا تغيب عن الآفاق رايتنا/حتى لو الشّرق فوق المغرب انطبقا .
بعد هذه الجولة المقتضبة في ربوع فلسطين الجريحة النّازفة ،يريدنا الغُزاة الجدد اْن ننسى ،نهجر ،نرحل ،نُسَلّم باْمر طارئ ، وكاْنّ شيئاً لم يكن ،خليل الرّحمن ،كنيسة البشارة،عين مريم العذراء ، البيت العتيق ،جبل القفزة ،كنيسة المهد ،كنيسة القيامة ، الصّخرة والعمري ، العهدة العمريّة ،حطّين ، نهر الاْردن الذي سيمحو آثار القدم الهمجية / مع اعتذارنا لفيروزتنا النّادرة ،هذه هي فلسطيننا !جمال قعوار المُخَلِّّّّّّد المُخَلَّد،هو سجل فلسطين ، والتّين والزّيتون وطور سينين وهذا البلد الاْمين ،وليلة الاْسراء ودرب مَن مرّوا الى السّماء ،كاْنّنا عشرون مستحيل ....هنا على صدورهم باقون ، شاء مَن شاء واْبى من اْبى ،لجمال فلسطيننا وسجلّها الخالد الرّحمة ،لاْسرته المقلّصة والموسّعة ولشعبنا طول البقاء ، ومن آمن بي ولو مات فسوف يحيا !
وجمال النّاصرة وجمال فلسطين من جَمالِ جمال اْبي الرّبيع الدّائم الخُضرة والعطاء كوطننا فلسطين.. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com