ان ما يصادفه المرء في دولتنا هذه ، أحيانا ، لا بد أن يثير في ذهنه الكثير من الأسئلة والتي تتمحور في البحث عن المظاهر التي تتكرر لتعكس صورة مقيتة تساهم في شحن الأجواء وترفع من مستوى الجفاء بين أبناء الشعبين اللذين يقطنان هذه البلاد جنبا الى جنب .

حيث أني قدمت لمقالي لهذا الأسبوع في هذا المدخل فان مرد ذلك يرجع الى اني وككل مواطن صادفت بعضا من هذه المظاهر. مع ذلك فان اشغالي لمنصب رئيس لبلدية يهودية – عربية لعقود أضحت تقترب من العقد الرابع ، يضاف اليه مسؤوليتي القطرية كرئيس للحكم المحلي نيف وثلاث سنوات فان مظهر ، بعينه، يجعلني أتساءل : ما هي الصيغة التي نريد العيش بها في هذه الدولة ؟ أهي صيغة العيش المشترك ، جنبا الى جنب أم أننا نريد العيش في صيغة تحكمها مظاهر الجفاء وصولا الى البغضاء؟؟

لا شك أن الاجابة على هذا التساؤل تقودني الى الاشارة الى هذه المظاهر والخوض في نوعيتها ومحاولة تقييم وقياس أبعاد تأثيراتها على نسيجنا الاجتماعي كمواطنين يهودا وعربا وما يسببه هذا التأثير حسن أو سوء العلاقة بين أبناء الشعبين.

تحديدا لمظهر من بعض هذه المظاهر هو ما اصادفه أحيانا من مجموعة شبان يقفون على مدخل قرية ما يحملون أعلاما فلسطينية لكنهم يستثنون من بينها العلم الاسرائيلي ! في تلك اللحظة يتبادر الى ذهني سؤال محير: ما هو الذي يريد هؤلاء التعبير عنه طالما أنهم لا يحملون ولو شعارا واحدا يعبر عن مطالبهم أو يعنون مظاهرتهم هذه ؟ لنعلم بعد فحص الروزنامة أن هذه المظاهرة هي احياء ليوم الأرض أو " النكبة ".

لكن الأسوأ من كل هذا أن معظم السيارات الاسرائيلية التي يصادف مرورها خلال قيام المظاهرة ما يلبث أن يتفوه ركابها بعبارات مثل : اذهبوا الى دولة فلسطين ! أو " أنتم مخربون!" ...

من المؤسف أن تكون هذه العبارات هي السائدة اليوم بين بعض اليهود وبعض العرب لتعكس صورة قد يعتبرها البعض أنها صورة عامة لمجمل العلاقة بين أبناء الشعبين على الرغم من عدم صحة هذه الصورة .

لكن السؤال الذي يجب أن يتبادر الى ذهن كل مواطن هو لماذا لا نشاهد في هذه المظاهرات شعارات تنادي شركة الكهرباء بالتعامل مع العرب واليهود على أساس من المساواة في أحقية التشغيل ؟ أو مطالبة شركة سلكوم ، على سبيل المثال ، باستيعاب مهندسين عرب أسوة بالمهندسين اليهود ؟ بل لماذا لا نرى هؤلاء الشبان ، جيل المستقبل يرفعون شعارات فيها مسائلة لأعضاء الكنيست العرب عن إهمالهم لموضوع تشغيل الشباب العربي وخاصة الأكاديميين من بينهم وايجاد حلول لموضوع السكن للأزواج العربية الشابة ؟! أو حتى مطالبتهم في ادراج موضوع الفقر والفاقة التي يعاني منها المواطنين العرب والذين باتوا يشكلون السواد الأعظم من الجمهور الذي يقبع في ظل خط الفقر !

لا شك أن المرارة تعتصرني وأنا أتناول هذه المظاهر لكن التخوف من استمرار هذه المظاهر هو الذي دفعني الى الاشارة اليها بالصيغة التي أوردتها طالما نعيش كلنا في كنف دولة اسرائيل وما علينا الا أن نقرر الصيغة التي يجب أن نتبناها للعيش : أهي صيغة التعايش معا وجنبا الى جنب أو العيش بأجواء تميزها البغضاء والكراهية ؟

لكن السؤال الأهم هو ما أوردته صحيفة معاريف والذي تذكر فيه ان أحد الأحزاب العربية يبادر الى سن تشريع يتم من خلاله الاعتراف بالأقلية العربية كأقلية قومية تستحق منحها استقلالية اجتماعية وثقافية لها مؤسساتها الخاصة . لكن الأنكى من كل هذا أن مشروع القرار ينص على منح الأقلية العربية حقوقا قومية وسياسية!

لقد أن الأوان أن أسألكم ، اخواتي واخوتي ، المواطنين العرب : هل سمعتم عن دولة من دول المعمورة قبلت أو تقبل منح اقلية حكما ذاتيا دون أن تعيش هذه الأقلية في منطقة محددة خاصة بها؟!

كيف يمكن لمثل هذا الاقتراح أن يساهم في بناء جسور التفاهم أو تعزيز مبادرات التآخي بين اليهود والعرب خاصة اذا كان هذا الاقتراح أو أمثاله يسعون الى توسيع الشق بين ابناء الشعبين خاصة وأن هذا الحزب وغيره يعيب على بعض الأحزاب أو الحكومة مطالبتها الاعتراف بيهودية الدولة؟!
مع ذلك فرب سائل يسأل هل قام هذا الحزب باستفتاء الشارع العربي اذا ما كان يؤيد مثل هذا التوجه الانعزالي ؟ الجواب بكل تأكيد لا! كما أستطيع أن أؤكد أن اقتراح سن قانون من هذا القبيل سيسقط في القراءة الأولى .

ان مصلحة المواطن الاسرائيلي ، يهوديا كان أم عربيا تقتضي بذل كل جهد مستطاع للتقارب بين أبناء الشعبين ، وهنا يبرز الدور الايجابي الذي يجب ان يقوم به أعضاء الكنيست العرب هم وكوادرهم الحزبية في نبذ كل ما من شأنه تعكير الأجواء بين أبناء الشعبين وتبني نهجا يعزز أواصر العلاقات البناءة بين ابناء الشعبين والبحث عما يوحد طموحاتهم وتثبيت المشترك في امانيهم وآمالهم!

تراني لا ابالغ في القول بأن صوت النواب العرب يجب ان يشق عنان السماء وليس فقط سقف بناء الكنيست خلال مطالبتهم يوميا في تحقيق المساواة بين العرب واليهود في مجالات التشغيل ، التعليم ، الاسكان وحتى الخدمة المدنية ، وعلى وجه الخصوص تصنيع القرية العربية وتطويرها اقتصاديا. حينها لن يتفاجئوا في مدى تأييد معظم النواب من الأحزاب اليهودية لمطالبهم المحقة .

ان هذه المطالب هي العلم الذي يجب أن يرفعه المواطن العربي وممثلوه في الأحزاب السياسية خاصة أعضاء الكنيست كممثلين عن هذه الأحزاب بالتعاون مع الائتلاف الحكومي .

اخي القارئ ،

يوما بعد يوم نقترب معركة الانتخابات للسلطات المحلية وهي معركة لا تقل ، برأيي ، أهمية عن معركة الانتخابات البرلمانية بل قد تفوقها أهمية من حيث أنها في المحصلة هي التي تقرر وتبلور أوضاع البلدة التي نسكنها وعلى جميع الأصعدة : اجتماعيا وتعليميا ، بيئيا وجماليا ولعل الوضع الاقتصادي والتشغيلي يتقدم على باقي المجالات .

وعلية اختاروا من تجدوه مناسبا لتحمل مسؤولية بلدتكم وامنحوه ما استطعتم من تأييد يزيده قوة وثباتا في نضالاته مع الوزارات المختلفة خلال سعيه لتطوير بلدته – بلدتكم . فالاستقرار السياسي في السلطة المحلية هو من أهم مفاتيح التطور ان لم يكن المفتاح الرئيسي .

لقد أثبتت التجارب ان تغيير رئيس السلطة المحلية في كل جولة لا يصب في مصلحة القرية أو المدينة التي تبدل رئيس سلطتها مرة كل 5 سنوات بل العكس هو الصحيح فان مجرد تبديل الرئيس في كل جولة لا تمكنه من اكتساب التجربة اللازمة واستغلال علاقاته مع الوزراء والوزارات لما فيه صالح بلدته ومواطنيها.

كما وأناشد السيدات والشباب الترشح وخوض الانتخابات بهدف اشراك السيدات والأجيال الشابة ، صاحبة المستقبل في اتخاذ القرارات والعمل على تحقيق ما تراه ضروريا لتأمين مستقبل بلداتهم ومستقبلهم الشخصي .

ان تجربتي الغنية والممتدة الى أكثر من ثلاثة عقود أثبتت أن نجاح السلطة المحلية يتطلب انتخاب أعضاء مناسبين وفي سن الشباب وهم من سيضمنون التغيير المنشود في المدن والقرى العربية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com