هذه القصة ومنذ البداية لا يتحمل مسؤولية القصور فيها طبيب أو ممرض ، بل أن غالبيتهم العظمى من بين الكوادر الفلسطينية التي تستحق كل احترام، فهم يبذلون جهودا مهمة في ظل الأدوات المتوافرة، ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق وزارة الصحة لأنها المسؤولة أمام الله وأمام مجلس الوزراء وامام الرئيس والمجلس التشريعي وامام الشعب عن توفير متطلبات القطاع الصحي.

أضع بين يديكم قصة صديقي، قصته هي قصة "مواطن"، ربما أكون أنا أو أنت في المستقبل، وربما كان آخرون في مثل هذا الموقف ولم نسمع روايتهم، أضع هذه القصة على لسان صديقي أمام وزارة الصحة لتتحمل مسؤوليتها إتجاه شعبها :

لم اكن اتخيل مطلقا ان زوجتي ستصاب بتسمم حمل وضغط حمل سيجعلها تنجب طفلتها بعد مضي يومين من دخولها الشهر الثامن من الحمل، لتنجب طفلة بوزن كيلو غرام واحد وبرئتين قويتين وصوت خافت لكنه مشاكس ويعكس رغبة وارادة وتعلق بالحياة. دخلت المستشفى (مجمع فلسطين الطبي)، والكل كان تقريبا يمهد ان الجنين سوف يموت او هكذا فهمت من تلميحات الاطباء والممرضين.

امام غرفة العمليات في قسم الولادة تقبع امرأة كالغولة شكلا ومضمونا(موظفة تعمل كحارس او مراسل او لا ادري وتقف امام قسم الولادة) ، ولا تمل ولا تكل من ترديد عبارة ( انا اكره النساء ولا اطيق ولا وحدة منهم)، هذه الموظفة الغولة كانت تقود سرير العمليات وزوجتي ممددة عليه، وهي تجرها لتصعد بها المصعد الكهرباء باتجاه غرفة العمليات، وحدث نقاش ما بين هذه الموظفة الغولة وما بين اخت زوجتي، فما كان من الموظفة الا وتركت المريضة "أي زوجتي" امام المصعد وذهبت دون اي اكتراث ، وقمت انا بالمهمة ودفعت السرير نحو المصعد وصولا الى غرفة العمليات.المهم رزقنا بطفلة جميلة وكانت صحتة زوجتي بخير والحمد لله.

في كل زوايا المجمع الطبي يوجد مشكلتان رئيستان:
1_ لا يوجد ادارة حقيقية.
2_ مشكلة اتصال ما بين الموظفين والمواطنين ( لا احد الا من رحم ربي يعلم كيف يتعامل مع الناس والمراجعبن والمرضى)

احدى الليالي اتصلت زوجتي تشكو ألما جراء العملية وهي بالمشفى ، قالت لي ارجو ان تتصل على المستشفى وتخبر الطبيب او الممرضة المناوبة انها تشكو من الم وتريد ان يفحصوا وضعها ...اتصلت بالمشفى وتم تحويلي للقسم، رد على الهاتف صوت نائم او هكذا بدى لي، قلت لها ان زوجتي تتألم وهي بغرفة رقم كذا وكذا، فردت الممرضة : ولماذا لم تخبرني ؟؟ قلت لها هي لا تستطيع الحركة ولم تستطع المشي لغرفتك !! قالت الممرضة: لالا انا اقوم بزيارة الغرف كل فترة لماذا لم تخبرني ؟؟؟ قلت لها بعد ان تمالكت اعصابي: "احنا غلطنا وبنطلب منك السماح بس ممكن تروحي تشوفي زوجتي شو مالها".

من المفترض انني موظف حكومي اي ان جميع الفحوصات والادوية والخدمة يغطيها تأميني الصحي الحكومي لكن للاسف هذا على سبيل الافتراض فقط ، كل يوم تقريبا يطلب مني:
* احضار ادوية من الصيدليات الخارجية.
* جهاز لفحص السكري.
* اغطية للطفل.
* محارم مبللة وفوط
* واجراء فحوصات في مختبرات خارج المستشفى.

المصيبة الكبرى ان المستشفى البارحة صباحا(يوم الجمعة 14-6-2013) اتصلوا بي في تمام الساعة 8 صباحا من اجل الحضور للحضانة والعمل على (1) ارسال عينات الدم والبول الى مختبر خارج المستشفى لعمل فحوصات تخص الطفل وان هذه الفحوصات لا يمكن ان تجري داخل المستشفى (2) طلب احضار ابرة غير متوفرة في المجمع الطبي الحكومي وهذه الابرة ضرورية لانها تعمل على رفع السكر لدى الطفلة التي تشكوا نقصا وانخفاضا بالسكر واسم الدواء (الابرة (Glucagon، يوم الجمعة يوم خطير، ذهبت لمختبرات مديكير، وسلمتهم عينات الدم البول، وهناك اخبرني الموظف ان هذه الفحوصات لا يمكن ان يبدأ العمل بها بدون ان تدفع شيء مقدما وكضمانه ، قلت له ان المستشفى اتصلوا بكم واخبروكم بان هناك تغطية من الحكومة ويوم الاحد سوف تحصلون على التغطية، المهم دفعت مبلغا من المال (جزء من تكلفة الفحوصات المخبرية) وبعد المختبر بدأت رحلة العذاب على الصيدليات للبحث عن الابرة Glucagon زرت الكثير من الصيداليات واحدة وراء اخرى والغالبية العظمى مغلقة، وكلما سألت عن الابرة قالوا غير متوفرة، واخيرا قال لي صيدلاني في صيدلية رام الله التحتا (بعد ان مررت وسألت على اكثر من 10 صيدليات) قال لي هذه الابرة من المستحيل ان تكون بالصيداليات العادية ، فقط يمكن ان تجدها في صيداليات المستشفيات.

فورا توجهت الى مستشفى خالد بشارع الارسال ، اخبروني ان الصيدلية مغلقة لان اليوم الجمعة عطلة والصيدالانية لا تداوم اليوم (معقول يا عالم طيب لو اضطر المشفى لاي نوع من الادوية شو رح يعمل ؟؟)، توجهت الى مستشفى الرعاية ، كان مغلقا ، كل الابواب مغلقة ، وامام مدخل المشفى وجدت موظفا يرتدي ملابس المستشفى وشعاره سالته فقال لي الصيدلية مغلقة .. اليوم عطلة.. وبعد اكثر من ساعتين من البحث وجدت الابرة لدى مستشفى الهلال الاحمر الفلسطيني في البيرة.

اليوم طلب مني ابرة اخرى Glucagon ذهبت للهلال الاحمر لم اجد الابرة ، والرعاية والمستقبل لم اجد فيها ، بدأت الاتصالات على مشافي نابلس والخليل لم نجد الابرة ، تم الاتصال على اصدقاء يعملوا في المجال الصحي في اراضي 48 ، واخيرا تم الاتصال من احدى صيدليات رام الله التحتا مع مندوب شركة ادوية الذي بدوره بدأ البحث واخيرا حصلنا على الابرة بعد بحث استمر من الساعة السادسة مساءً وحتى العاشرة ليلا.

(اشتريت ابرتين واحدة للاستخدام واخرى احتياطا )
المهم كذلك ذهبت الى المختبر اليوم للحصول على نتائج جزء من الفحوصات ، اخبرني الموظف بالمختبر بانه لا يستطيع ان يعطيني النتائج قبل وجود تغطية ، صرخت بوجهه وقلت له: يعني معقول بدك تغطية واليوم عطلة ؟؟ فطلب مبلغا اضافيا كضمانة فاعطيته مبلغ اخر للمرة الثانية ليصبح مجموع ما دفعت نصف المبلغ المقرر للفحوصات (1000 شيكل تقريبا)

هل يعقل ان يبقى مجمع فلسطيني الطبي- قسم الاطفال والخدج بلا :
*** اجهزة لاجراء الفحوصات الضرورية.
*** بلا ادوية يحتاجها الاطفال الخدج .

تخيل معي لو ان احد الاطفال الخدج اهله يسكنون في جنين مثلا هل سينتظرون من الاهل ان يحضروا ومن ثمة يعطونهم العينات ليذهبوا بها الى المختبر الخارجي .

طيب تخيل ان الطفل الموجود بالحاضنة طفل مجهول النسب لا اب ولا ام له معرفان .. من سيقوم بارسال العينات الى المختبر الخارجي .. من سيذهب برحلة بحث لمدة ساعات عن ابرة Glucagon لهذا الطفل".

لا أعلم إن انتهت قصة صديقي، أم هي البداية.... قصته هي رواية فلسطينية معاصرة بجدارة، هي بحاجة للوقوف وأخذ إجراءات حقيقية، لأن "المواطن الفلسطيني أغلى ما نملك". معالي الوزير أتمنى عليك أخذ الإجراءات التي تراها مناسبة للخروج من هذه القصة بدروس وعبر، تعالج القضايا المستقبلية للمواطنين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com