قبيل أيام من أمسيته في الناصرة، بإطار مهرجان فلسطين الدولي للثقافة والفنون الـ14، أعرب لي الشاعر المبدع مروان مخول عن قلقه من الأجواء التي ستسود هذه الأمسية خاصة وأنه كان مسافرًا في رحلة إلى "مالطا" ولم يرجع إلى البلاد إلا قبيل موعد أمسيته بساعات قليلة، وقد أشار لي مخول، خلال حديثنا، أن قلقه ينبع من ضيق الوقت المتاح أمامه للتسويق لأمسيته بالقدر الذي يستحقه محبوا كلمته وحسّه الشعري المتفرد وذلك بسبب انشغاله بالسفر طبعًا...
حينها لا أذكر بماذا علقت على قلقه، لكنني أذكر جيدًا أنني فكرت بيني وبيني أن أمسية لشاعر بقامة مروان وموهبته لا يمكن إلا أن يكتب لها النجاح لأن قصائده، وبكل تجرد، لا تقبل أن تُخذل...!
وصل موعد الأمسية، فتركت كل انشغالي وراء ظهري وهرولت نحو قاعة مركز محمود درويش في المدينة لأجد الناس يقفون أمام الباب منتظرين أن يشرع فيدخلون إلى عالم سينفض عنهم غبار البراغماتية التي رافقتهم طوال يوم عمل ويمنحهم فسحة من التفكير والتحليق في ابداع ما صنعت يد مروان اليمنى وأيديولوجيته الشعرية...
جلسنا، لنترك المنصة لعريف الحفل الممثل الضاحك والمضحك عدي خليفة الذي انطلق ليكسر نمطية الأمسيات الثقافية والشعرية بفقرة كوميدية خفيفة الظل ألقى خلالها نصًا قولبه على نمط قصيدة مروان "عربي في مطار بن غوريون" وقد عنونها خليفة بـ" أشكنازي في سوق الأحد" ولكم أن تتخيلوا ما منحه العنوان وحده للحاضرين من قهقهات...
بعدها، دعى خليفة، الفنان المبدع بموسيقاه وغناءه، علاء عزام، ليرافق مروان موسيقيًا خلال أمسية امتزجت بها موسيقى آلة العود بموسيقى القصيدة...
دخل مروان، بعد دقائق، بهيبته المعهودة وابتسامته الواثقة تعلو محياه ليهز رأسه بهدوء كتحية منه لنا، نحن الحاضرون، فينطلق بعدها بإلقاء قصيدته الأولى:"مسائية"...
بعد التصفيق الذي دوى في القاعة فور انتهائها تابع مروان بإلقاء إبداعه بذات الأسلوب الذي ميزه منذ سطع وذات البحة التي تضفي على صوت القصيدة وقوتها عمقًا ووقارًا، نقل لنا مروان "صورة آل غزة" هذه القصيدة اللوحة لينشد بعدها "نشيد الحذاء الوطني" ثم يبدع بإلقاءه تلك الأبيات التي نسيتها القصائد معه...
مخول كان، وبالإضافة إلى كل ما وصفت أعلاه، كان مضحكًا، فخفة ظله التي تجلت بإلقاءه بعض القصائد، التي احتملت خفة الظل طبعًا، نجحت بمنحنا ضحكة واضحة خلال أمسية ثقافية شعرية، حتى أن عدي خليفة، الذي كان يجلس قربي همس لي قائلاً:"سأطلب من مروان أن يكتب لي النصوص الكوميدية لعروضي المقبلة"، في إشارة منه إلى خفة ظله وبراعته في خلق التوازن بأن يكون وقورًا ومضحكًا في آن واحد...
"ألو بيت حانون"، "في قطار تل أبيب"، "أبيات يتيمة"، "قصيدة تحية لسميح القاسم" و"عربي في مطار بن غوريون" كلها قصائد كانت قادرة أن تفرض حضورها في الأمسية لذا لم أستعجب عندما وقف الجمهور الحاضر في القاعة مصفقًا عند الختام وبالرغم من سعادتي لنجاح مروان بأمسيته إلا أن سعادتي الحقيقية كانت بسبب اعتقادي أنني، لربما، كنتُ الشخص الوحيد في القاعة الذي كان يعرف سر ابتسامة مروان الهادئة التي ارتسمت على محيّاه بينما كان ينحني، بكبر وثقة، أمام الجمهور والقصيدة، وهما العنصران اللذان لن يخذلاه يومًا...
حمدًا لله على سلامتك مروان...
نوّرت البلد بكَ، بموهبتك وبأمسيتك...
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق