عند الحديث عن المساواة، لا بد من المقارنة بين مجموعتين مختلفتين. ولمّا يكون الحديث عن المساواة بين العرب واليهود، و "الدو كيوم" (التعايش) في هذه الدولة، فيجب التأكيد معنويا ولفظيا، وكتابيا وتطبيقيا على المساواة التامة، والعيش المشترك. خلال استماعي لكلمة السيد المحترم الذي أصر إلحاحا، وباستعمال المفاعيل المطلقة والمصادر ونوّابها أجمعين، وبعد أن عجزت بالبحث عن كلمة عربية تليق بحجم "الدو كيوم" الذي طرحه سيدنا الموقّر، كان على مخيلتي أن تشرد قليلا، لتتضارب التحليلات باستنتاج الطريقة الخاصة والمميزة لهذا "الدو كيوم".

ولربما في هذا الخطاب الديماغوغي، اخترعت مخيلتي للوهلة الاولى نوعا جديدا من التعايش المشترك – والأفكار كثيرة، وهو "تعايش غصب". فعندما فُرضت "مسجاف" مجلسا إقليميا بمساحة أكثر من 21 الف دونم (نهبت الآلاف منها من أراضي بلداتنا العربية المجاورة خاصة سخنين)، لسكان لا يتجاوز عددهم الـ 20 ألفا، ولأنّ المقارنة عيب وحرام في الأخلاق والدين والإنسانية، فلن أقارن بينها وبين سخنين وتعداد سكانها الذي شارف على الـ 30 الفا، يعيشون على مساحة لا تتعدى الـ 9000 دونم. وطبعا لن أحسب الفرق، ليس فقط من منطلق تحريم الحسد في عاداتنا، بل لأن الحساب كان عدوّا لي منذ الطفولة، إلا أنها - أي سخنين - تعيش جنبا الى جنب مع مجلس إقليمي مسجاف غصبا، بقوة القانون الإسرائيلي الذي فرض التعايش المشترك.

ولإني استنتجت أن التعايش المشترك الذي قصده سيدنا لا يتعلق بالبلدات المجاورة، تذكرت أن هنالك إحتمال آخر يستوجب التفكير فيه، وهو التعايش الداخلي بين يهود وعرب مجلس إقليمي مسجاف، وهنا تعقدت الأمور أكثر وأكثر، ولربما كانت الحاجة لتدخل محلل سياسي لربط قضية التعايش المشترك بين العرب واليهود داخليا، وارتباط هذا التعايش بقانون لجان القبول! وللتذكير فقط، فإن لجان القبول تتشكل بقرار حكومي أثير في الكنيست وتم تحويله لقانون بطلب من المجلس الاقليمي "مسجاف" من أجل منع إسكان العرب هناك. واستدعت هذه المشكلة العويصة تفكيرا جديّا، ومع إنفصام الشخصيات المختلفة التي خلقت لتلخيص هذه الحالة الاستثنائية للتفكير المعقّد، وتلخيصا للنقاش، أقرّ أن التحليل الصحيح هو منع اي "عنصري" عربي من الدخول الى المجلس الإقليمي "سرطانا" أو "وباءً"، وكان الدليل القاطع لهذه النظرية الصحيحة هي أنّ البدو – بحسب التقسيم الحكومي لجماهيرنا العربية والذين يعيشون تحت رحمة هذا المجلس الإقليمي ينعمون بالراحة وينامون قريري العين حيث يسهر الساهرون لخدمتهم، إلا أنهم هم من رفضوا فتح مؤسسات تربوية أو صحية في الحسينية مثلا، وإن أهالي الحسينية وبدافع النخوة العربية فضلّوا تعبيد الشارع الموصل الى البلدة على حسابهم الخاص ومن جيبوهم، ومن منطلق عاداتنا وتقاليدنا الجليلة أيضا تنازل عدد من مواطني رأس العين عن الدونمات الزراعية لصالح الضيف (المنهال) فاحترام الضيف واجب. لكني لم أجد السبب المناسب لعدم وصول سيارة جمع القمامة الى بيوت عديدة في رأس العين..

هذه الافكار التي راودتني أثناء تناولي وجبة عشاء تلخيصا لمشروع "مشاركة إقليمية في الجليل" الذي نظمه المركز العربي اليهودي للسلام (جفعات حبيبة)، بعد ان استمعت الى كلمة رئيس مجلس إقليمي مسجاف، رون شيني، وكان قد تطرق خلال كلمته للـ"دو كيوم" ومشتقاتها بهدف التوكيد المعنوي واللفظي!!!.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com