ليس من الواضح حتى الآن ما هي المعلومات التي لم يكن القاضي الجنوب إفريقي، ريتشارد جولدستون، يعرفها خلال تحقيقه بأحداث الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008/2009، وأصبح الآن يعرفها فجأة. كما أنه ليس من الواضح أيضا، كيف عرف جولدستون هذه "المعلومات الجديدة" بعد أن قدّم تقريره للأمم المتحدة وأقرته الأخيرة بأغلبية أعضائها، دون أن يقوم بالمزيد من التحقيقات في الأمر. كل ما نعرفه نحن، وقاله هو، إنه " لو كان يعرف حينها ما يعرفه اليوم، لكان تقريره مختلفا".

الواضح أن هذا التقرير، شأنه شأن عشرات التقارير التي سبقته، ومئات القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، بقي طي النسيان منذ إقراره، وحظي بذات القدر من التجاهل الإسرائيلي الذي حظيت به التقارير والقرارات السابقة. كما أنه لم يغير أي شيء من الواقع البائس لغزة المحاصرة منذ سنوات، ولم يـُعد طفلا أو مدنيا شهيدا واحدا ممن قتلتهم طائرات إسرائيل وقنابلها التقليدية أو المحرمة... كل ما هنالك أنه كان فعلا مرميا في سلة مهملات هيئة الأمم (أو مزبلة التاريخ كما عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو)، غير أنه سبّب القليل من "وجع الرأس" لإسرائيل، وتطلب جهدا أكبر بقليل مما كانت الأخيرة تتوقع، من أجل صرف نظر العالم عنه وتكذيب صاحبه.

لقد عملت إسرائيل جاهدة بعد صدور هذا التقرير على تنظيف صورتها، ليس من خلال إثبات حقائق مغايرة لما شاهده الملايين عبر شاشات الفضائيات من فظائع أنتجتها آلة الحرب الإسرائيلية (ولم يغير التقرير من تفاصيلها شيئا)، بل من خلال تلطيخ سمعة القاضي اليهودي بادعاء أنه كان يحاكم السود في بلده (جنوب إفريقيا) وفق قوانين الأبرتهايد. كما أنها (إسرائيل) قامت بجهود أخرى لا نعرف حجمها ولا أسلوبها من أجل تغيير ما ورد في هذا التقرير. كل ما نعرفه، هو ما قاله وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، حين صرّح أن إسرائيل، وعلى امتداد الفترة السابقة، دفعت ثمنا باهظا لهذا التقرير.

السؤال المركزي الذي يجب أن يشغل بالنا، لا يتعلق بالثمن الذي دفعته إسرائيل مقابل هذا التقرير. إنما الأهم من ذلك أن نسأل أنفسنا: ما هو الثمن الذي قبضه القاضي جولدستون مقابل تغيير موقفه وأقواله؟! وهل كان يستحق التضحية إلى الأبد بسمعته الدولية كقاض؟!!!

قد ننتظر الإجابة دهرا دون أن نتلقاها، كما ننتظر منذ سنوات، تنفيذ ولو قرار واحد من قرارات الأمم المتحدة المتخذة بحق إسرائيل.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com