هي الصدفة وحدها التي جعلتني أفتح مذياع سيارتي (الراديو)، وأحرك المؤشر (الرقمي – الديجيتال) إلى حيث تقع محطة الإذاعة "الحرّة، الغنية، والعصرية"، كما يصفها القائمون عليها، ويضيفون أنها الإذاعة العربية التي تمثل ملح هذه الأرض من عرب فلسطينيين يعيشون داخل حدود الدولة الإسرائيلية. لم أستمع إليها رغبة، بل من باب عدم توفر البديل الأفضل! فـ"هذا الموجود"، على الأقل إلى حين نحقق الأفضل المنشود.

1. أعانها الله...
خلال الأسبوع الأخير، أسعفني الحظ بالاستماع إلى إذاعتنا العربية تلك مرتين. في المرة الأولى، قدّر لي الله أن أستمع لبرنامج يـُعنى بأمور الصحة والطب، تقدمه شابة لطيفة، لا تشوب مهنيتها شائبة، إلا أنها لا تتقن الحديث باللغة العربية الفصحى (كما اعترفت هي بلسانها). فخلال حديثها الذي كان أغلبه بالعربية العامية (المحكية) انتبهت صديقتنا إلى أنها تواجه صعوبة بالحديث باللغة العربية الفصحى، فاعتذرت للمستمعين عن هذا، مؤكدة أنها تحاول فعل ذلك بقدر ما يعينها الله... ولكنه لا يعينها كثيرا في هذا المجال!!!
وتابعت مقدمة البرنامج حديثها، مؤكدة أن اللقاء التالي سيكون مع طبيب مختص حول إقرار السماح لأطباء العائلة بوصف دواء ما لمرضاهم (أو زبائنهم كما عبّرت هي)، كانوا ممنوعين حتى وقت قصير من وصفه لهم، مؤكدة أنها ستسأل الطبيب إن كان من المسموح لطبيب العائلة أن "يتطبل" بمريضه بواسطة هذا الدواء!
و"يتطبل" هذه أيها القراء الأعزاء، كلمة تـُقصد الإشارة من خلالها إلى العلاج، وبالعبرية (ييطابيل – יטפל) بمعنى يعالج!!! فهل هذا هو أقصى ما استطاعت الإذاعة "العربية" الوصول إليه بمستوى اللغة العربية؟! إن لم يكن لديك أيتها المذيعة العزيزة ما يكفي من القدرة على الحديث بلغتك أنت، فمن الأفضل لك الجلوس في البيت أو البحث عن عمل آخر... على الأقل رحمة بالمستمعين.

 

2. مرجع لغوي جديد!!!
أما المرة الثانية، فهي تلك التي استمعت فيها إلى برنامج الصباح الذي يقدمه أحد "جهابذة" الإعلام العربي في السنوات الأخيرة، وهو الذي لمع نجمه بعد أن قرر الانتقال إلى وسائل الإعلام العربية بعد عمر أمضاه في التلفزيون الإسرائيلي بالعبرية، معلقا رياضيا بالأساس.
لقد خرج علينا الإعلامي المذكور قبل أسابيع معدودة، وخلال اجتماع لمجمع اللغة العربية التابع للوزارة الإسرائيلية، بالقول إن مواقع الإنترنت الإخبارية هي المسؤولة عن تدني مستوى اللغة العربية في البلاد، وشريكة في تسفيهها!!!
كان من الممكن القبول بهذا الادعاء (الذي فيه شيء من الصحة إن كان يرمي للإشارة إلى مواقع بعينها وليس التعميم – فهنالك فروق كبيرة بمستويات المواقع المختلفة)، لو لم يكن صاحبه مساهما من الدرجة الأولى بتسفيه اللغة العربية، بل وإهانتها في أكثر من مناسبة ومكان.
فخلال لقاء أجراه الجهبذ المذكور مع الناطق بلسان قوات الإطفاء في "الخضيرة" حول انفجار وقع في منزل في المدينة، حاول أن يترجم ما قاله الأخير بالعبرية. فطالعنا قائلا إنه "لا بد من الانتباه بشكل دائم إلى أنابيب الغاز المصنوعة من (الجومي) للتأكد من أنها غير مشققة ولا تدلف"!!!
يبدو من الصعب فهم هذه الجملة، فقد قصد بكلمة "الجومي" أن يقول المطاط، وهي كلمة عبرية (גומי) مأخوذة من شقيقتها الإنجليزية (GUM) والتي تعني المطاط بالعربية. أما "تدلف" تلك، فقد قصد من خلالها أن يترجم كلمة "דולף" العبرية التي تعني "يتسرّب"!!!
وبالعودة إلى قاموسه الحافل، سنجد اصطلاحات عزّ نظيرها في أي مرجع للغة العربية، فحين يرغب أن يعبر عن "الانتقال السلس من موضوع (أو موقف) إلى آخر"، نراه يعبر بالقول "يتزأبق"!! ويقصد أن يقول "إن لم أكن مخطئا" إذا سمعناه يقول "إن كنت لست مخطئاً". ثم لا يفقه الترجمة العربية لكلمة (מככב) العبرية فيقول "يكوكب" قاصدا القول إن نجم فلان يلمع (أو يتألق) في سماء الرياضة أو الفن. أما الطامة الكبرى، فهي الترجمة الحرفية (جدا جدا) لمصطلح "היישורת האחרונה" العبري الذي يعني "المرحلة الأخيرة ما قبل بلوغ الهدف"، ويعبر عنه صاحبنا بالقول: "الاستقامة الأخيرة"!!! – وهذا غيض من فيض. فهل من تسفيه وإهانة للغة العربية وأصحابها أكبر من هذا... ألم يكن حريا بمن يسكن بيت الزجاج أن يمتنع عن رمي جيرانه بالحصى؟!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com