ربما أصبح خبر تنظيم رئيس الدولة مؤدبة إفطار لشخصيات عربية خلال شهر رمضان، خبرا عابرا لدى الكثيرين منا. هذا على الرغم من الضجة الإعلامية التي رافقت الموضوع، خصوصا بعد أن رفض رئيس لجنة المتابعة، محمد زيدان، المشاركة بهذا الإفطار احتجاجا على عمليات هدم المتكررة التي اقترفتها إسرائيل بحق قرية "العراقيب" في النقب.

أما بالنسبة للناشط الاجتماعي "عزرا ناوي" فإن الموضوع لا زال مؤلمًا، فقد قامت مجموعة "تعايش"، والتي ينتمي إليها ناوي، هذا الأسبوع، ببث فيلم قاموا من خلاله بتوثيق المظاهرة التي نظموها أمام مقر رئيس الدولة وقت الإفطار احتجاجًا على سياسة إسرائيل تجاه المجتمع الفلسطيني سواءً في العراقيب أو سلوان أو بلعين أو نعلين وحتى غزة. أظهر الفيلم، الذي قام بتصويره الناشط الإسرائيلي "نيسيم موسيك"، قيام مجموعة من الناشطين اليهود بالتصدي للعرب المشاركين بحفل الإفطار، حيث حاول الناشطون، وبطريقة مؤدبة، شرح موقفهم للعرب المشاركين وطالبوهم بمغادرة الإفطار احتجاجًا على سياسة إسرائيل.

كذلك قاموا بإرسال رسالة إلى بيرس، من خلال مكبرات الصوت. وقد تلخصت الرسالة بأن "الإفطار لا يحل المشكلة، ويجب وقف الاحتلال"، وأن "هذا الإفطار الذي يأتي في سياق التسامح الديني واحترام حقوق العرب، يتزامن مع هدم قرية العراقيب العربية في النقب للمرة الرابعة". هذا وتم التوضيح للمشاركين أن سياسة المؤسسة الإسرائيلية تجاه العرب "لم تتغير منذ الحكم العسكري، والذي تغير فقط هو جيل بيرس، حيث أصبح كهلا"، ومع كل التوضيحات فإن أحدًا من العرب، على حد قول ناوي، لم يغادر الإفطار احتجاجًا على ما ذكر!

فاجأني عدد المشاركين في الإفطار! كما فاجأني عدم السماح لمجموعة من قرية بئر المكسور بدخول الإفطار

وفي حديث لموقع "بكرا" مع الناشط الإسرائيلي عزرا ناوي قال: "لم أتوقع أن نقوم بمظاهرة بهذا الحجم، فقد قررت أنا وأصدقاء لي في "تعايش" أن نتظاهر أمام بيت رئيس الدولة ونطالب العرب بمغادرة الإفطار، لكن سرعان ما كبرت المظاهرة وأصبح عددنا يفوق الأربعين. وقد تعالت الأصوات التي تطالب بيرس بإحقاق الحقوق للفلسطينيين في العراقيب وسلوان وأبو طور وبلعين ونعلين".

ويضيف ناوي: "فاجأني عدد العرب الذين وصلوا إلى الإفطار، فقد توقعنا عددا أقل بسبب الأصوات التي نادت بالمقاطعة، خصوصا في أعقاب هدم قرية العراقيب للمرة الرابعة. أوضحنا للمشاركين من خلال مكبرات الصوت أن التعامل مع العربي لم يتغير منذ الحكم العسكري، فهو نفس التعامل، ونفس التمييز، والإجحاف لا زال مستمرًا وفي أحسن الأحوال يعتبر العربي مواطنا من الدرجة الثانية". ويقول ناوي: "باءت مساعينا لإقناع العرب بعدم المشاركة بالفشل، ومع ذلك استمرينا بالتظاهر حتى بعد الإفطار، وأكثر ما آلمني هو منع مجموعة من بئر المكسور من الدخول إلى الحدث، بحجة أن أسماءهم غير مسجلة على القائمة!!! وذلك على الرغم من أن أحدهم خدم في الجيش مدة 20 عامًا. بالمقابل قمت أنا باستضافتهم في منزلي، حيث شربنا القهوة سوية عندي".

وأضاف: "لا شك أن هذا المنع يعزز مقولتنا، إن التعامل مع المواطن العربي، في أحسن أحواله، لن يكون إلا كمواطن من الدرجة الثانية، فيما يتم التعامل معه دائمًا بصورة أمنية مريبة حتى لو أثبت ولائه".

أتفهم موقفهم!

وعن رسالته للمشاركين يقول ناوي: "لا أستطيع أن ألومهم، بغض النظر عن الألم. أنا أتفهم موقفهم جيدًا، فأنا لست مكانهم ولو كنت مكانهم لفعلت نفس الشيء، ربما. لا أعرف، هنالك مثل بالعبرية يقول إن (هنالك من يُضرب وهنالك من يعد اللكمات)، وأنا أعد اللكمات".

ويكمل ناوي: برأيي، لدى الفلسطينيين في إسرائيل ما يخسروه، ولذلك فإنهم يخافون. أغلبهم يائس من النضال ويحاول أن يطأطئ رأسه، كلهم يعرفون سياسة المؤسسة الإسرائيلية لكنهم يبحثون، بذات الوقت، عن أقل قدر ممكن من الصدام مع المؤسسة، نتيجة للخوف من انعدام أي ثقافة قومية أو من تنازل علن الثوابت الوطنية الفلسطينية".

ويؤكد ناوي: "لا شك أن سياسة التدجين التي انتهجتها المؤسسة الإسرائيلية مع العرب قد نجحت. فقد كان نظام الاضطهاد العرقي والقومي للعرب ممنهج ومؤثر بشكل كبير، لدرجة أنه تحوّل إلى نوع من الفن أو إلى مدرسة قائمة بحد ذاتها".

المجتمع الفلسطيني لا يستغل قواه الكامنة

يشير ناوي إلى أن المجتمع الفلسطيني لا يستغل القوة الكامنة الموجودة داخله. وعن شعوره حيال ذلك يقول: "باعتقادي إن المجتمع الفلسطيني هش لأنه غير موحد، غير متكاتف، ينقصني أن أرى التضامن. نقف أحيانًا للتظاهر في بلعين ولا نرى مساندة من القرى المجاورة، وأقول هذا بحذّر لأني وكما قلت سابقًا أتفهم موقف الفلسطيني، فقد تعب من الحروب والنضال ويبحث عن لقمة العيش".

ويكمل: "الفلسطيني لا يستغل القوة الكامنة به، فقد اعتاد الاضطهاد، وقد أصبح من السهل جدًا وقف أي عملية نضال سليمة، وإخمادها. وكما ذكرت، يعود الموضوع لعشرات السنوات من الاضطهاد المستمر والمتعدد الأشكال.

سأستمر بغض النظر

وعما إذاكانت السلبية الفلسطينية ستشكل ردعا له، قال ناوي: " لا بالمرة... على الرغم من أن سقف النضال الفلسطيني لم يصل لتوقعاتي، إلا أن ذلك لن يمنعني من النضال، نحن في "تعايش" مستمرون بدعم كل إنسان في نضاله ضد العنصرية وضد التمييز وضد الاحتلال وضد كافة أشكال القمع والاضطهاد. نحن نؤمن بضرورة إحقاق الحقوق وضرورة الدفاع عن الإنسان لكونه إنسانا، بغض النظر عن الدعم الذي نتلقاه من المجتمع.

من هو "عزرا ناوي"...

عزرا ناوي هو ناشط إسرائيلي من أصول عراقية، ينتمي إلى حزب يساري ويهتم بشؤون الفلسطينيين الذين يظهرون امتنانا لجهوده، في وقت يزدريه الإسرائيليون ويعتبرونه خطرا وعارا. يعمل ناوي كسمكري، ويبلغ من العمر 57 عاما وله من الأبناء خمسة. .يعتبر ناوي عضوا في حركة "تعايش"، وهي مجموعه سياسية طوعية مكونه من فلسطينيين ويهود, من مواطني دولة إسرائيل، تعمل الحركة ضد الاحتلال وضد سياسة التمييز العنصري التي تتبعها إسرائيل بحق مواطنيها الفلسطينيين, كما تحارب وتناهض جميع أنواع التفرقة والفصل العنصري بين العرب واليهود وبين إسرائيل والفلسطينيين في إسرائيل وكذلك في الأرضي المحتلة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com