تناقلت وسائل الاعلام المختلفة، من بينها الصحف اللبنانية، وعلى رأسها الأخبار، وكذلك وكالات انباء عالمية، من بينها وكالات فرنسية وروسية وبريطانية، تفاصيل كتاب للبروفيسور ميخائيل بار زوهر ويعد من كبار أدباء التجسس في اسرائيل. فما زال منذ نحو 50 عاما يكتب أبحاثا عن عمليات الاستخبارات الاسرائيلية، ولا سيما عن الموساد.

كتب من جملة ما كتب عن العلاقات العسكرية السرية لاسرائيل بفرنسا، وعن عمليات الانتقام من كبار الفلسطينيين في السبعينات،وكتب السيرة الذاتية لإيسر هرئيل. وكتابه الاخير "الموساد – العمليات الكبرى" (كتبه بالاشتراك مع نسيم مشعل) يتناول ايضا عددا من العمليات التي كانت تشغل عناوين الصحف الرئيسية في السنين الاخيرة كعملية اغتيال المبحوح وهفواتها ، وتدمير ما يسمى بـ "المفاعل النووي السوري" وارتباط ذلك بعملية اغتيال العميد في الجيش السوري اليد اليمنى للرئيس بشار الأسد محمد سليمان ،وقبله اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية.

ونشرت صحيفة الأخبار اللبنانية مقتطفات من الكتاب الذي يكشف تفاصيل حديثة العهد، طالما نفتها إسرائيل، عن تلك العملية التي اكتنفها الغموض. وألقى الكتاب الضوء مجدداً على حيثيات "العملية المعقّدة"، حين قام عناصر من وحدة "شلداغ" النخبوية الإسرائيلية بالوصول إلى "الهدف المعقد"، وأشاروا إليه بواسطة أشعة الليزر لتُلقي من بعدها الطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز "إف 15" القنابل والصواريخ على الموقع. تفاصيل بدأت من هنا، وانتهت بالكشف عن عملية اغتيال العميد السوري محمد سليمان في بيته في طرطوس، من دون الإشارة إلى هوية منفذي العملية.

البداية من لندن والنهاية في دير الزور

وبحسب الرواية التي يتضمنها أحد فصول الكتاب ، الذي نشرته "يديعوت أحرونوت" أمس، بدأت العملية في العاصمة البريطانية لندن نهاية تموز عام 2007. أحد النزلاء في أحد الفنادق الفخمة في المدينة خرج من غرفته عند المساء، نزل بواسطة المصعد الكهربائي وغادر الفندق إلى سيارة كانت بانتظاره خارجاً. وأشار الكتاب إلى أنَّ الحديث كان عن موظف سوري رفيع المستوى، وصل إلى لندن من دمشق، وسارع إلى اجراء لقاء في مركز المدينة. وقال الكتاب إنه في اللحظة التي خرج فيها الرجل من غرفته، قام رجلان عن كرسيَّيهما الواقعين في إحدى الزوايا الجانبية في بهو الفندق، ودخلا إلى المصعد الكهربائي. وصل الاثنان إلى غرفة الضيف الذي غادر تواً وفتحا باب الغرفة بمفاتيح مزيّفة. رصدا الغرفة ووجدا على طاولة المكتب حاسوباً نقّالاً (كومبيوتر) . ركَّب الاثنان على الحاسوب برنامج تجسس يدعى "حصان طروادة". هذا البرنامج يمثّل باباً خلفية للحاسوب. من خلال تلك الباب، كان من الممكن تعقب الحاسوب عن بعد ونسخ كل المواد المحفوظة فيه. خلال دقائق، وبعد ذلك ترك الاثنان الغرفة.

من خلال الحاسوب، وصلت إلى الموساد الإسرائيلي مواد استخبارية كُشف من خلالها، للمرة الأولى، عما يدعى أنه البرنامج النووي السوري. تضمنت المعلومات برنامج بناء المنشأة النووية في منطقة دير الزور، إضافة إلى مراسلات مع مسؤولين في كوريا الشمالية ،وتضمنت أيضاً صوراً ظهر فيها المفاعل مغطى بالاسمنت. وجاء أيضاً في الكتاب ما يلي: "ظهر رجلان من خلال الصور: كان واحد منهما آسيويا، تبين أنه من مسؤولي البرنامج النووي في كوريا الشمالية ، والثاني كان عربياً، تبين في ما بعد أنه إبراهيم عثمان، رئيس لجنة الطاقة النووية في سوريا".

المعطيات المذكورة أُضيفت إلى معطيات أخرى جُمعت بين عام 2006 وعام 2007 بواسطة جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، التي تفيد بحسب الإسرائيليين بأن السوريين باشروا العمل على بناء المفاعل النووي في إحدى صحاري دير الزور شمال شرق سوريا في منطقة قريبة من الحدود السورية التركية وتبعد مسافة 160 كيلومترا عن الحدود السورية العراقية. ورأى الكتاب أن إحدى المعلومات المفاجئة كانت أن المفاعل بُنيَ بتمويل إيراني وبمساعدة خبراء من كوريا الشمالية.

من بعض التفاصيل التي وردت في كتاب زوهر

ويكشف الكتاب أنه خلال عام 2007، أجرت إسرائيل جولات جوية على المنطقة بواسطة القمر الاصطناعي "أوفك ـ 7" و"تلقت صوراً عن العمل في المفاعل". شخصت الصور بواسطة خبراء أمريكيين وإسرائيليين، حيث قرروا أن "سورية تبني مفاعلا نوويا على طراز المفاعل النووي في كوريا الشمالية "يونغ بيون". وتوصل الخبراء إلى أن المفاعلين متطابقان.

في المقابل، زودت احدى وحدات التجسس الإسرائيلية قيادتها بمضمون مكالمات بين علماء سوريين وعلماء كوريين شماليين . نقل الإسرائيليون المواد المصورة إلى الأمريكيين، إلا أن الامريكيين أرادوا أدلة اضافية قاطعة تشير إلى أن المبنى المذكور يستعمل فعلا كمفاعل نووي، وأن موادا نووية موجودة في المكان. وقال الكتاب إن إسرائيل قررت أن تزود الامريكيين أيضاً بهذه المعلومات.

وجاء في الكتاب ما يلي: في آب عام 2007، وجد الإثبات الحقيقي الذي لم يترك مجالاً للشك في أن السوريين يبنون مفاعلا نوويا في دير الزور. الإثبات أحضره أفراد سرية تابعة لهيئة الأركان العسكرية الاسرائيلية "الوحدة النخبوية سييرت متكال"، الذين خرجوا في إحدى ليالي آب، في مروحيتين عسكريتين إلى منطقة دير الزور، وبواسطة أجهزة خاصة ، أخذوا عدداً من عيّنات الأرض وتربتها التي كانت فيها مواد مشعة. كان ذلك الإثبات أن في المكان موادا نووية، أُعدت فقط لهدف واحد.

 المواد نقلت إلى رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي ستيف هادلي الذي رد بذهول، ودعا خيرة الاختصاصيين من أجل استخلاص العبر وإبلاغ الرئيس الأمريكي في الجلسة الصباحية. بعد فحص الاختصاصيين، اقتنع هادلي بأن الموضوع جدي. وهو أيضا تحدث مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد، وفي أعقاب ذلك، استنتج أن المفاعل يمثل تهديدا ملموسا. واقتنعت الولايات المتحدة بأنه يجب تدمير المفاعل. الأمريكيون منحوا ملفهم عن دير الزور اسم "البستان".

وبحسب الصحيفة البريطانية، "صنداي تايمز"، اجتمع رئيس الوزراء أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى جانب رؤساء الأجهزة الأمنية وقرروا بعد جلسة طويلة تدمير المفاعل السوري. وأبلغ أولمرت رئيس المعارضة في حينه بنيامين نتانياهو بتفاصيل الخطة الهجومية. وأضافت الصحيفة، في حينه، في الرابع من أيلول، دخل إلى دير الزور مقاتلو وحدة شلداغ للإشارة إلى الأهداف بواسطة أشعة ليزر.

حدد موعد الهجوم في الخامس من أيلول 2007. عند الساعة 23:00، خرجت عشر طائرات من القاعدة العسكرية الإسرائيلية راموت دافيد باتجاه البحر المتوسط. وبعد 30 دقيقة من الإقلاع تلقت ثلاث طائرات من العشر أمرا بالعودة إلى القاعدة. الطائرات السبع الباقية واصلت سيرها وتلقت أوامر بالاتجاه نحو الحدود السورية التركية. ومن هناك دخلت إلى اتجاه المفاعل النووي. وقال الكتاب ، إنهم، في الطريق إلى هناك، دمرت (الطائرات) جهاز رادار لتشويش القدرة السورية على التقاط اختراق الطائرات الإسرائيلية.

بعد دقائق قليلة، وصلت الطائرات إلى دير الزور حيث أطلقت على المفاعل، بحسب الكتاب نفسه، صواريخ من طراز ماوريك جو ــ أرض، وقنابل تزن الواحدة منها نصف طن أصابت الهدف بدقة، ودُمر المفاعل خلال دقائق.

وقال الكتاب إن الإسرائيليين خافوا من رد سوري، فاتصل أولمرت برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وقال له أن يبلغ السوريين: إن وجهة إسرائيل ليست للحرب.

اغتيال محمد سليمان

الرواية، التي يسردها الكتاب الجديد قالت إن صدى الطلقات الأخيرة لقصف المفاعل السوري تردد بعد 11 شهرا وفي 2 آب من عام 2008، عندما اغتيل العميد محمد سليمان خلال إجازة استجمام في مدينة طرطوس السورية الساحلية. وعرض الكتاب العلاقات المتينة بين سليمان وعائلة الأسد، مدعياً أن سليمان كان المساعد الأول للرئيس الأسد، وهو من كان مسؤولاً عن إقامة المفاعل وحراسته. وجاء في الكتاب أنه في داخل النظام سموه الرجل الظل للأسد. وزعم الكتاب أن سليمان كان حلقة الوصل بين القيادة السورية وكل من إيران وحزب الله.

وعن عملية الاغتيال، جاء في الكتاب الإسرائيلي أنه كان في ضيافة سليمان في منزله الصيفي في شاطئ طرطوس، عدد من الأشخاص الذين كانوا يسهرون معه ويجلسون حول المائدة في شرفة المنزل في تلك الليلة. ولم يشر الكتاب إلى هوية غطاسين قناصين اسرائيليين اثنين.

وقال الكتاب، مشدداً على عدم الكشف عن هويتهما، إن الاثنين وصلا من مكان بعيد، من طريق البحر، على متن سفينة أنزلتهما على بعد كيلومترين من بيت سليمان. من هناك، واصلا السير تحت الماء إلى حين اقتربا من البيت. كان الاثنان قناصين محترفين، صاحبي خبرة وهدوء أعصاب نادر ، كما يقول الكتاب. وأضاف: "شاهدا سليمان يجلس على كرسي وسط الطاولة ومن حوله الأصدقاء". وبعد التأكد من وجوده عند المائدة، خرجا إلى الشاطئ وأطلقا النار على رأسه من مسافة 150 مترا وكانت الضربة قاتلة..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com