نواصل اهتمامنا في موقع بُكرا بأطفال غزة الذين يعانون ومرافقيهم في مستشفى تل هشومير الحكومي (أنظر تقريرين سابقين).. فالمأساة هناك ليست سياسية فقط كالتي تعكسها لنا وسائل الإعلام كثيرًا، بل هي قضية إنسانية من الدرجة الأولى، تتقطع لها القلوب "الطبيعية"..!

في الجولة التي قمنا بها مع وفد من جمعية الجليل التي تزور المرضى كثيرًا وتساعدهم عن طريق لجنة الإغاثة التابعة لها، التقينا بطبيب مقدسي شاب، مبتسم له مُحيًا طيبٌ ومريح، ولاحظت في الجولة أنه لا يتعامل مع المرضى الغزيين على أنه مهنيٌ فقط، بل هو إنسانٌ جدًا في قربه منهم والتعالم معهم.. هو الدكتور ضياء الدين زغيَّر.

د. زغير: تحولنا إلى عائلة

عندما أعطيته ملاحظة أنه يبدو جزءًا من عائلات المرضى في التعامل والقرب منهم قال الدكتور ضياء زغيَّر: "الأمر الأساسي بالنسبة لي هو أن هنالك مريض وأنت تُحاول أن تقدم العلاج الملائم لهذا المريض كي يشفى، ولكن الدور الثاني بالنسبة لي هو الأطفال ومرافقيهم من غزة، فلديهم حاجز اللغة العبرية، وهذا لوحدة كافٍ لأن يُعقد مسألة أن يتلقون العلاج المُلائم، لذا في هذه الحالة علي أن أكون حلقة وصل.. والأمر الثاني أن هنالك أطفال يبقون مع أهلهم هُنا لمدة قد تزيد عن الـ 8 أشهُر، وأنا كطبيب أعمل ستة أيام في الأسبوع، منها أيام أكون فيها مُناوبًا فتصبح ترى هؤلاء الناس أكثر مما ترى أبناء عائلتك، لذلك يُبنى بيننا جوٌ أُسري، ,ندخل معهم في أمور وتفاصيل كثيرة، ونُتابع معهم العلاج عندما يعودون إلى بيوتهم، وأقوم في أحيان كثيرة بترجمة الأوراق التي نعطيهم إياها من المستشفى من اللغة العبرية إلى اللغة الانجليزية لكي تفهما السلطة هُناك".

رائد بلعوم: في الثلاثينات من العمر لكن يشعر أنه تخطى السبعينات

شخص آخر التقيته هناك وهو العامل الاجتماعي رائد بلعوم من الطيبة، وهو منسق طبي وأخصائي اجتماعي لهؤلاء الأطفال.. جلس الوفد معه، فبدا غاضبًا جدًا على الوضع، وعلى السلطة الفلسطينية في رام الله تحديدًا، وبينما هو يُحدثنا عن تجربته دمعت عيناه من الحرقة والألم عما رأيناه، وأول جملة قالها لنا في اللقاء كانت "صحيح أنا في الثلاثينيات من العمر، إلا أن ما يمُر علي هُنا جعلني أشعر أن نفسيتي زاد عمرها عن السبعين"..!

وفي شرحه المعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال قال: "أنا من المفروض كأخصائي اجتماعي يجب أن أرافق الحالة النفسية للمريض، ولكن مع الوقت تحول عملي إلى وظيفة أخرى وهي الربط بين المستشفى وبين السلطة لأنني وجدت أن هنالك صعوبات أن يصل المريض إلينا وهنالك صعوبات في تواصل العلاج وهنالك صعوبات في التغطيات المالية وهنالك مشاكل في التنسيق العام داخل في داخل المستشفى، فهنالك مشكلة اللغة بالنسبة للغزيين هُنا وأحيانًا هُنالك مشكلة عدم معرفة الوصول إلى المستشفى".

وأضاف: "هنالك مشكلة أن هنا الطفل جاء إلى بيئة غريبة، ولديه خوف وبالنسبة له إسرائيل هي دولة عدو، كما أنه يأتي هنا إلى فترة طويلة جدًا، وممكن أن يبقى هنا إلى سنة كاملة متواصلة وقد يأتي ويعود إلى غزة حسب وضعه الصحي.. ومن جهة أخرى الطفل يخرج من بيئته الطبيعية، فهو يترك المدرسة ويترك أهله وأصدقاءه فيشعر بعزلة وبأنه موجود في بيئة ليست بيئته، وهذا أمر مستمر ومتواصل، وهنالك تراجع في الحالة النفسية لدى هؤلاء الأطفال، ولكي أساعد المريض هذا يجب أن أبحث عن طريق، فلدى أبناء عمنا هنالك من يأتي ويساعدهم، أما لدى العرب لا يوجد جمعيات عربية تقريبًا تُساعد، هنالك بعض المبادرات الشخصية ولا نستطيع أن نضمن الاستمرارية، فالحاجيات كثيرة.. فمثلا الأمهات التي يرافقن أبنائهن لديهن حاجيات كأنثى، فهي مثلا بحاجة لشامبو وملابس وبحاجة لأن تشتري لابنها، يأتين عادة معهن بعض مئات الشواقل، والآباء اللذين يأتون يتركون عملهم، فلا يوجد من يعينه أو يعين عائلته في غزة".

وأضاف بحرقة وألم واضح على وجهه وعينيه وبصوته قائلا: "مثلا المستشفى لا يوفر (الحفاضات)، والطفل المريض يحتاج للكثير من (الحفاضات) بسبب الكيماويات التي يأخذها، هُنالك من يتبرع ولكن أحيانًا لا يوجد وهذه بالنسبة لنا تكون مشكلة كبيرة، وهنالك حاجيات مثل كراسي عجلات وأجهزة طبية وأدوية.. لدى الطفل الإسرائيلي هنالك الكثير من الحلول، ولكن لا يوجد حلول لدى الطفل الفلسطيني، كُل أمر بديهي لدى الطفل الإسرائيلي هو بالنسبة للطفل الفلسطيني المريض هو مشكلة كبيرة جدًا.. الطلبات كثيرة جدًا ومُلحة جدًا والموارد شحيحة للغاية".

الدكتور هيكر: يسرنا استقبال كل متطوع عربي يُنسق معنا..!

ونحن هُناك طرقنا باب الدكتور نويمن هيكر، مدير قسم أمراض الدم لدى الأطفال، وسمع الوفد من الدكتور هيكر شرحًا عن دور المستشفى، وسمع أيضًا توجهات الوفد وسجلها لديه ووعد أن يقوم بفحصها وقال أنه سيعمل على أن يوفر منها ما يستطيع، ولكنه أشار أيضًا أن المجتمع العربي في البلاد لا يرسل المتطوعين للمساعدة هؤلاء المحتاجين في العادة، وقال أنه مستعد أن يستقبل كُل من يريد المساعدة ويدعوا من يستطيع فعل ذلك أن يُنسق مع المستشفى، كما قال أنه مستعد أن يتبنى تخصصات في مواضيع فيها نقص لدى العرب.

من المُلفت أننا وجدنا العديد من الجمعيات اليهودية تعمل في المكان وتتطوع وتنشر السعادة في صفوف المرضى الأطفال، ولكن دور العرب فقير جدًا في هذا المجال.

كُل حكاية مُؤلمة ومُبكية..‍!

عندما تتجول بين الأطفال تسمع حكايات مؤلمة جدًا تسمعها أثناء تجوالك بين أسره الأطفال الغزيين، ويجز اللسان عن وصف الوضع هُناك، وأطفال غزة يبقون في المستشفيات الإسرائيلية حكاية منسية ومعاناة مُضاعفه.. ولكن يُمكن لأي شخص فينا كمواطنين إسرائيليين إسرائيل أن نقوم بالمساعدة وفعل شيء لأجل أحوج الناس من غزة، خاصة أنهم هُنا قريبون منا..!

أطفال غزة..محمد، رهيفة ، علاء ومحمد طروش غيرهم

الطفل محمد جمال حسين، ويبلغ من العُمر 15 عامًا، يرقد في المستشفى مع والده ويُعاني من سرطان الدم، في العام 2007 تعالج من المرض، إلا أن المرض عاد له منذ فترة وجيزة ويتعالج في الكيماوي وبحاجة لزرع النخاع الشوكي.

الطفلة رُهيفة السرّاج (3 سنوات) تمكث في المستشفى منذ أكثر نحو سبعة أهر مع أباها "حازم" .. جاءَها السرطان في الرئة، فاستأصلوا لها جزءًا من كليتها فوصل السرطان معها إلى الرئة فأضعف ذلك 30% من القلب.

الطفل علاء شاهين ( 5 سنوات)، يُعاني من أنه "عدو الشمس"، وشاء الله سبحانه أن أصيب بسرطان في منطقة الكبد من الدرجة الرابعة.. وهو في المستشفى منذ تسعة شهور، ولقد لفت نظر الوفد لأنه اجتماعي يُحب الناس وذكي جدًا.

وسام محمد الطروش (8 سنوات) من سكان غزة، لديه "لوكيميا" في الدم (زيادة في عدد كريات الدم البيضاء) ، عمل مرض في العام 2007، تعالج في غزة وتعالج في مصر واليوم هو في إسرائيل منذ عدة أشهر (شاهد الفيديو).

الطفل مُعاذ السرساوي (10 سنوات)، يُعاني من سرطان في الخلايا الانفوية، هو في المستشفى منذ نحو أربعة أشهر.. قريبًا سيُجري عملية زرع.. ووضعه صعب جدًا، نسال له الشفاء العاجل.

لتقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال بالإمكان الاتصال على موقع بكرا 04.6452191 أو 04.6027274.

روابط التقارير السابقة:


نشر أول: أطفال غزة المرضى في إسرائيل.. حكاية منسية..!

"بكرا يتابع": أطفال غزة المرضى في إسرائيل.. حكاية منسية..!
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com